الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

رمضان في مرسين التركية.. خفيف الإيقاع والحضور

رمضان في مرسين التركية.. خفيف الإيقاع والحضور
12 يوليو 2014 00:54
مها حسن (باريس ـ مرسين) في طريقه إلى العالم الإسلامي، أو إلى المسلمين في العالم غير الإسلامي، يبدو أن «رمضان» لا يمر في مرسين. للمرة الأولى منذ عشر سنوات، أقضي شهر رمضان في بلد إسلامي ولكن غير عربي. اعتدت قضاء رمضان في سنواتي الأخيرة في فرنسا، حيث ملامح رمضان الوحيدة، هي المعجنات الجديدة الخاصة بشهر رمضان، التي يخبزها ويبيعها المخبز الفرنسي الذي يملكه مسلمون مغاربة، وهي تشبه «المعروك» السوري. في سوريا، رمضان هو المعروك والسوس»العرقسوس» ومشروب التمر هندي وضجيج السوق المزدحم قبل الإفطار بساعات قليلة، وبرامج التلفزيون ودراما رمضان والولائم والموائد العائلية وأطباق الجيران. الحديث هنا، عن الطقوس الجماعية العامة المصاحبة للصوم والصلاة والتعبد بنسب شخصية فردية تختلف من كائن لآخر، حيث لا يمكنني كسائحة عابرة في المكان، التحدث عن طقوس البشر في بيوتهم التي لم أدخلها، ولا يمكنني الحكم على درجات تعبدهم أو إيمانهم، إنما حكمي على المظاهر الخارجية المتاح رؤيتها للجميع. رمضان التركي فلا ملامح له، سوى أذان المغرب مع أن تركيا بلد إسلامي إلا أن الحياة تستمر في رمضان كأنها في أي شهر آخر. المطاعم مفتوحة، الناس يدخنّون في الشوارع في النهار، رجال ونساء يمضغون «العلكة» في الباصات والسيارات، روائح الشواء وقلي الطعام تنتشر من أماكن بيع الطعام في عزّ النهار.. لا دلالة على رمضان، سوى في البيوت. أخي القادم من مدينة غازي عنتاب، إلى مدينة مرسين، حيث أقيم، قال ضاحكاً: رمضان لم يمر على الركاب، الجميع يشربون الماء والعصير أثناء السفر، فأجبته مازحة: لديهم عذر السفر. ربما يكون رأيي ناقصاً، لأنني لم أدخل بيوت الأتراك، وكان حكمي فقط من الخارج، حيث الحياة تستمر وكأنها في أي شهر آخر من شهور السنة. الأتراك القساة في شهر رمضان، أذكر السوريين، ترتفع نسبة التوتر والغضب في الساعات الأخيرة قبل الإفطار، وتتحول القيادة إلى عملية جنونية، فتعلو أصوات زمامير السيارات، وكأن القيامة ستقوم بعد لحظات، ويتكثف الضجيج والزحام. في تركيا، قيادة السيارات هي ذاتها، لا مؤشر للتوتر أو السرعة الزائدة أو الضجيج في الساعات الأخيرة لما قبل الإفطار، الإيقاع ذاته طوال النهار. التوتر والغضب الذي يعلو وجوه السوريين قبل الإفطار أثناء عودتهم إلى بيوتهم، في الأسواق والشوارع، في طرق المواصلات، لدى الباعة، هو ظاهرة طبيعية في رمضان، وإن تعذّر تعميمها، ولكن يمكن تعميم ظاهرة القسوة والتجهم لدى الأتراك في شهر رمضان وغيره، إذ أنني وصلت إلى مدينة مرسين قبل رمضان بأسبوعين تقريباً، وحضرت الأيام العشرة الأولى من رمضان، لأتمكن من الحكم على المرسينيين، بأنهم شعب لا يضحك، وحين تجد تركياً يبتسم، تدرك أنه ربما تركي كردي أو من أصول أخرى، لأن الأتراك متجهّمون، والسبب غامض، كأن حياتهم صعبة وجدية إلى درجة التقطيب المستمر. الأتراك والاندماج مع أن مرسين مدينة واقعة على البحر، ومع أنها تحوي أهم المعالم السياحية ذات الرموز الدينية التي تجلب العالم، الإسلامي وغيره، لزيارة معالمها، حيث يقع فيها الكهف الذي نام فيه الفتيان السبعة وكلبهم، الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم والمعروفون بأهل الكهف، وكذلك القلعة الشهيرة، المسماة بقلعة البنت، وكذلك «جنات جهنم» أو الجنة والنار، الواقعات على جبل النار، حيث النار التي يسهل الوصول إليها، والجنة التي يصعب النزول إليها، عدا المساجد الكثيرة الشهيرة في المدينة، إلا أن هذه المدينة تفتقد إلى ثقافة السياحة وقبول الأجنبي. إذ أنه من المعروف أن الأتراك لا يتحدثون غير التركية، وهم شديدو الاعتداد بهويتهم التركية، وثمة صرامة في سلوكهم تجاه الآخر. النساء في مرسين ربما تكون هذه أهم نقطة بالنسبة لي كامرأة، حيث النساء هنا مستقلات، حرات، محميات. حين أصعد الباص، من المنطقة التي أقيم فيها «مارتي أوتيل» صوب مركز المدينة «الفوروم» أو السوق القديم، فإن أغلب الذين يصعدون في الباص من النساء، وخاصة الشابات، وبسبب طقس مرسين البحرية الحارة الرطبة في الفصل الذي تواجدت فيه، فإن ملابس النساء تتسم بحرية أكاد لا أشاهدها في باريس، والسبب يعود إلى «عزلة الأتراك»، حيث لا أجانب في مرسين، لهذا تتمتع الفتاة المرسينية باستقلال كامل في مدينة تحترم حرية ملابسها. في منتصف الليل، تصادف صبية وحدها، ترتدي ثوباً قصيراً، وتسير في الشارع بكامل إحساسها بالحرية. هذه الحرية، لا الداخلية، بل ثقتها من عدم تعرضها للإزعاج ، نادرة في باريس، بلاد الحريات. حرية البنات في مرسين تستحق الغيرة منهن، فهن يشعرن تماماً أنهن في بيوتهن، وأنهن مصانات. ولأن الفندق الذي نزلت فيه يطل على البحر، ولأن منزل الأصدقاء الذين يبعدون عن الفندق خمس دقائق مشياً على الأقدام، حيث يقع بيتهم على البحر كذلك، سيكون حكمي على رمضان ناقصاً، فالبحر يعرّي الجسد. «أيفطرني المسبح؟»، تسألني صبية من العائلة، تحتفظ بخفر الجسد، فتذهب إلى المسبح بين البنات، خجلة من عرض جسدها في البحر، وتظل صائمة، ولكن قلقة، إن حدث وتسرب الماء إلى فمها، ولم تبتلعه! سهرات السحور لأنه الصيف، تموز (يوليو) الحار، فإن النهار ثقيل والليل ممتع، موسيقا موجات البحر تعلو وتنخفض حسب الهواء. صخب عنيف في الليل المتأخر، وعشاء أسطوري في بداية الليل على خلفية موسيقا البحر في بداية سيمفونيته الهادئة. الليل يصلح للسهر، بل وللسباحة رغم مخاطرها، خفر السواحل يظهرون في وقت متأخر داخل الماء، وأضواء ملونة تظهر على الشاطئ، حيث صنارات الصيد، وحيث المراكب من بعيد، وهو رمضان للبعض، سهرات وطعام حتى السحور، وانخفاض الحرارة والرطوبة قبل الصباح ودبق النهار. مرسين قطعة من الجنة لا من النار. ولكنها أكثر للمرسينيين، لا لنا، نحن العابرون. مرسين تحب أبناءها وبناتها، تحفظهم في شرنقة الهوية التركية. بنات يتحركن بحرية، رجال متجهمون محافظون، سياح يشعرون بالقطيعة مع المواطنين، ولكنهم يلتقطون الصور ويستمتعون بمتعة البصر. أما عن رمضان، فإنك تشعر به في أمكنة أخرى لا هنا، عني، أشعر برمضان في باريس أكثر مما شعرت به في مرسين، ولكنني لا أستطيع بالتأكيد الحكم على رمضان الأتراك عبر تجربتي الصغيرة، فأنا لم أتواجد في مدن أخرى في رمضان، ولم أدخل بيوت الأتراك.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©