الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الجمري.. الناطق الشعبي باسم الناس

الجمري.. الناطق الشعبي باسم الناس
12 يوليو 2014 00:53
شهيرة أحمد لأسباب كثيرة من بينها رقته الشعرية وعذوبة قصيدته، سرى شعر الشاعر الإماراتي الراحل سالم بن محمد الجمري (1910- 1991) بين الناس وأحبوه، وربما ساهم الغناء في نشر صوته عالياً، فالشعر المغنى في العادة يصل إلى القلوب من دون استئذان، فكيف إذا كان من يغنيه هو الفنان الشعبي علي بالروغة الذي يملك صوتاً من أجمل الأصوات وأكثرها عذوبة وشجناً. والحق أن الشاعر والفنان شكلا في وقت من الأوقات ثنائياً جمالياً ترك بصمته على الشعر الغنائي في الإمارات، وما يزال المرء يفتقد صفاءه حتى الآن. ويعزو الشاعر والباحث سلطان العميمي في كتابه الموسوم بـ (سالم الجمري.. حياته وقراءة في قصائده) والصادر عن هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، هذا الانتشار إلى أن الجمري تميز بلون خاص به، واختلف شعره عن شعر غيره من أبناء جيله أمثال: راشد الخضر، أحمد الهاملي، محمد الكوس، راشد بن طناف وغيرهم. وحسب العميمي، فقد مثل شعر الجمري (نموذجا فريدا في كيفية كتابة القصيدة الشعبية المغناة لعدد كبير من الشعراء ومتذوقي الشعر العامي في الإمارات). ويرى باحثون في صاحب ديوان «لآلئ الخليج» واحدا من أعلام الشعر النبطي ليس فقط في الإمارات وإنما في الخليج، وهم يؤشرون على هذه الأهمية باعتبار الرجل من المداميك أو الصوى الشعرية الكبرى التي ضخت دماء حية، باستمرار، في جسد القصيدة النبطية. ولد الشاعر الجمري في دبي، وظهرت موهبة الجمري الشعرية في وقت مبكر، وجالس الشعراء المعروفين، والتقى الشاعر مبارك بن حمد العقيلي (1882 – 1954م)، والشعراء محمد بن ثاني بن زنيد، واحمد عبد الرحمن بو سنيده، وخلفان بن يدعوه المهيري. وقد انعكست هذه الصحبة الشعرية بشكل إيجابي عليه وكان لمجالسته الشعراء المكرّسين دور وصدى في صقل موهبته وتطورها باتجاه الشعر الجيد. انتقل الجمري من الغوص على اللؤلؤ إلى العمل في مجال النفط، حيث سافر إلى الكويت ليعمل في منطقة الأحمدي البترولية، لكن السفر إلى مدينة الدمام في المملكة العربية السعودية سيأخذه إلى حقل آخر تماماً، هو حقل الإبداع، حيث احترف التصوير والكتابة. في سنواته الثلاث التي قضاها في السعودية، سيتعرف الجمري على شاعر منطقة الإحساء «إبراهيم بن دعلوج»، فضلاً عن الاطلاع على النتاج الشعري لشعراء الجزيرة العربية (حمد المغلوث، مبارك بن حمد العقيلي، محمد القاضي، محمد بن لعبون... وآخرين)، ثم سيعود مرة أخرى إلى دبي، لا ليستقر أو يهدأ بل ليبدأ سفراً جديداً، وترحالاً متواصلاً تقتضيه التجارة، حيث تاجر في الذهب والأقمشة والعطور، وهو السفر الذي انعكس في قصيدته ومستواها الفني وحمولتها الثقافية وعطرها الدافئ، إذ أخذته قدماه بعيداً، فزار الهند، ساحل عمان، سيرلانكا، زنجبار واليمن، وفي مرتحلاته تلك، كتب العديد من القصائد الوجدانية التي شنفت آذان ذوّاقة الكلمة وهي تتهادى بصوت علي بالروغة. ولعل هذا الجيل لا يسمع كثيراً أغنيات مثل: يا حبيب الروح خبرني، لي زارني عشوية، ناح الحمام وشجاني، وغيرها مما صاغ ذائقة الجيل السابق، إلا أن هذا التراث سيبقى إرثاً، ورصيداً، ومثالاً على الغناء الشعبي الجميل. وتعكس قصائد الديوان أن الجمري كان على تماس مع ما يجري حوله من أحداث سياسية، وفيه نماذج كثيرة لقصائد نظمها حول الاتحاد، وتغنى بها المطربون الشعبيون، فكان لسان حال الناس... والناطق الشعبي باسمهم. كرم الجمري في مهرجان الشعر النبطي عام 1981، ونال عدداً من الجوائز منها المركز الثاني في مسابقة الشعر الشعبي عام 1982، ورحل في 28 فبراير 1991 في منطقة الراشدية، بدبي، بعد معاناة ومكابدة مع المرض الذي أقعده في الفراش، وجرعه كأس الوحدة والعجز والألم. وبعد... لم يكن الشاعر الإماراتي سالم الجمري شاعراً عاديا في نظر محبيه، ولا شك في أنه رائد كبير من رواد كتابة القصيدة النبطية، ومن شأن توثيق سيرته الحياتية، ومولده ونشأته أن يسمح بموقعته في مكانه من الإبداع الشعري النبطي، ناهيك عن أنه يلقي الضوء على تلك الفترة التي عاش فيها، وملامحها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.. ذلك أن الشعر النبطي، بشكل خاص، يشكل وثيقة مكتوبة يمكن استنطاقها حول أمور وأحداث تاريخية عديدة. إلى ذلك، تقدم سيرة الجمري لعشاق الكتابة الشعرية، دروساً كثيرة وعبراً ثرية يمكن أن تفيد الأجيال الجديدة، فحياته أمثولة للتحدي والكفاح، تماماً كما هو الحال مع معظم أدباء وشعراء بل والإنسان الإماراتي في ذلك الوقت، وإذ يقدم العميمي هذا النموذج فإنه يطلقه حياً في الذاكرة التي ما أكثر ما تنسى..!، ويضعه في قلب الصورة لكي لا يغيب أو يذهب في النسيان.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©