السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العمل يصنع سعادة الإنسان أو تعاسته

العمل يصنع سعادة الإنسان أو تعاسته
23 سبتمبر 2010 20:35
لا شك في أن مفاهيم الناس وتصوراتهم للعديد من القيم الحياتية تتطور وتتغير بتغير الأحداث واتجاهها ومآلاتها. مفهوم «العمل» هو من بين القيم التي أبى عدد من الخبراء وعلماء النفس والاجتماع إلا أن يسلطوا عليه بعض الضوء في هذا الوقت بالذات، بسبب تزايد العاطلين عن العمل في مختلف دول العالم وفقدان العديد من العاملين لوظائفهم نتيجة الأزمة العالمية. يقول علماء النفس إن للبطالة تأثيراً سيئاً على الصحة النفسية للإنسان وأن فقدان الشخص لوظيفته وعمله قد يؤدي إلى ظهور أعراض الكآبة والاكتئاب أو إدمان شرب الكحول أو الإصابة بأضرار نفسية بعيدة المدى. فهل ما زال للعمل نفس الحمولة السابقة التي جعلته رديف الجهد وإحدى ضرورات الوجود من أجل البقاء والعيش؟ أم أنه فقد قيمته مع ظهور وسائل للكسب وجني المال السريع دون مشقة وجهد حقيقيين؟ أم أن تصور الناس للعمل آل إلى مفهوم مختلف عن سابقيه؟ أشارت دراسة حديثة إلى أن فقدان مصدر الدخل هو أحد أسباب تدهور الصحة النفسية وليس سببها الوحيد. أما الأسباب الأخرى، فلها علاقة بتلك العلاقة العميقة التي يكونها الناس بين أنفسهم وعملهم أو وظيفتهم. فقد تمكن العديد من الباحثين والعلماء من تعليل أن الراتب الشهري لا يفسر وحده العلاقة التي تربط الشخص بالعمل ومدى رفاهيته وسعادته، بل لقد تبين بالدليل العلمي أن الناس قد يشعرون بسعادة حتى عندما يشغلون وظائف تكون غير ذات قيمة أو لا علاقة لها بمجال تخصصهم، وأن القيام بمهام بسيطة أو التي قد يراها البعض تافهة تجعل أصحابها أكثر سعادةً ممن هم معطلون ولا يمارسون أي عمل. ماهية التفاني يقول عالم السلوكيات دان أرييلي: «عادةً ما نصبح متفرغين ومتفانين بالكامل للقيام بعمل ما فنخلق تلك الرابطة القوية بيننا وبين العمل الذي نقوم به، غير أن من يفكر بعقلانية أكثر ومنطق أسلم سيصعب عليه الاتصاف بهذا التفرغ الأفلاطوني والالتزام الكامل، وبالتالي فإنه يكون أقل تأثراً إذا خسر عمله أو وظيفته». ويضيف: « لقد تبين أن بإمكان الشخص تقديم الكثير في عمله بطرق مختلفة حتى وإن كان يقوم بأمور بسيطة أو مهام غير ذات قيمة كبيرة». ويشير البحث، الذي نشره أرييلي واثنان من زملائه، إلى أن معظم الناس يربطون علاقات وطيدة مع عملهم بسرعة وبسهولة كبيرة. وللتأكد من مدى دقة هذه الفرضية، طلب باحثون من مجموعة من الأشخاص تركيب 40 لعبة من لعب «ليجو» مقابل أن يحصل كل واحد منهم على دولارين. وعندما انتهوا من ذلك، طُلب منهم تركيب مجموعة أخرى من الألعاب ذاتها لكن بمقابل أقل، فقاموا بذلك، واستمرت هذه العملية بشكل متوال ومتواتر إلى أن أصبح كل عامل يشعر أن العمل الذي يقوم به لا يستحق المقابل المادي الذي يتقاضاه عليه. عذاب سيزيف كان بعص الأشخاص الذين طُلب منهم تركيب ألعاب «ليجو» ينظرون إلى عدد الألعاب يزداد على مرأى منهم في الخزانة التي يضعونها فيها، بينما كان آخرون يرون أن المشغٍل يفكك الألعاب أمامهم بعد إتمام تركيبها ويعبث بأجزائها- هذه إحدى الطرق المستخدمة في تقليل قيمة العمل وبخسه في عين القائم به. وسميت هذه الفئة «مجموعة سيزيف» رمز العذاب الأبدي في إشارة إلى الملك الإغريقي الأسطوري الذي عاقبه زيوس بحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصل القمة تدحرجت إلى الوادي، فيعود إلى رفعها إلى القمة، ويظل هكذا إلى الأبد. في نهاية التجربة، لاحظ المختبرون أن الأشخاص الذين ينتمون إلى «مجموعة سيزيف» ركبوا أعداداً أقل من الألعاب. كما أنهم توقفوا عن العمل عندما وصل مقابل تركيب كل لعبة إلى 1,40 دولار فقط، بينما استمر أفراد المجموعة الأخرى في العمل حتى بعدما قارب مقابل تركيب كل لعبة دولاراً واحداً فقط. ومن الجانب الاقتصادي، طالب أولئك الذين وجدوا أن العمل الذي يقومون به غير ذي معنى زيادة أكثر بـ40 % مما طلبه أولئك الذين كانوا يعاينون ثمرة عملهم من خلال ازدياد عدد الألعاب وتراكمها. وهذا ما دفع الباحثون إلى التعليق على هذه التجربة في مقال نشرته مجلة «السلوك الاقتصادي والمؤسسة» بعبارة «الأعمال ذات معنى وقيمة هي الأرخص»، مستدركةً أن تجاهل أبعاد معنى العمل وقيمته قد يكلف رب العمل والمجتمع غالياً. الصندوق والشوكولاته قياساً على نموذج سيزيف، قام فريق من باحثي علم السلوكيات بقيادة كريستوفر هسي من جامعة شيكاغو مؤخراً بدراسة ما إذا كان الناس يستمتعون فعلياً بكونهم منشغلين بالقيام بعمل ما أم أنهم يفضلون عدم القيام بأي عمل على الإطلاق. وعند إتمام الأشخاص المختارين الإجابة عن الأسئلة التي تضمنها الاستبيان، طُلٍب منهم اختيار ما إذا كانوا يفضلون وضع الاستبيان في صندوق قريب أو صندوق يبعد عن مكان وجودهم مسافة 15 دقيقة مشياً على الأقدام، وقيل لآخرين إنهم سيحصلون على نفس المكافأة- قطعة شوكولاته - بصرف النظر عن الصندوق الذي يختارون وضع ورقة الاستبيان فيه، بينما أُخبٍر آخرون أن مكافأة وضع الاستبيان في الصندوق البعيد هو عبارة عن شوكولاته ذات نوعية مختلفة عن تلك الموجودة قرب الصندوق القريب، ثم قاس الباحثون معدلات سعادة كل شخص منهم بعد انتهاء التجربة، فكانت النتائج مثيرة، إذ تبين أنه على الرغم من أن غالبية الأشخاص كانوا بحاجة إلى محفز لاختيار الذهاب إلى الصندوق الأبعد- للحصول على نوعية شوكولاته أفضل- فإن جميعهم كانوا سعيدين للقيام بذلك. واستمر الحال نفسه حتى عندما طُلب منهم المشي لمسافة أطول في تجربة تالية في إطار متابعة حالتهم النفسية. راحة الفراغ زائفة تُبين هذه النتائج كيف أن الإنسان وعلى الرغم من ميله إلى الراحة والفراغ، فإنه يفضل في أعماق دواخله أن يظل مشغولاً بفعل شيء ما، ببساطة لأن في الانشغال والعمل سعادته. وحتى في حالة العامل السيزيفي الذي يتحسر ويشعر بالأسى على خلو عمله من أية قيمة- وفق استنتاج الباحثين- فإنه كان سيكون أكثر تعاسةً لو أنه لم يكن يعمل بالمرة. ويقول هسي «الأشخاص المشغولون دائماً يستمتعون بسعادة أكثر حتى عندما يُجبَرون على الانشغال بالقيام بشيء ما». ويضيف: «نعتقد أن الناس قد يكونون سعيدين حتى عندما يُطلبُ منهم بناء جسور في السراب ليس لها أي منفعة، على أن يظلوا معطلين، خاصةً إذا أُعطي لهم مبرر يفسر لهم سبب قيامهم ببناء هذه الجسور». وطبعاً هذا الأمر يصح فقط إن اكتمل بناء الجسور، فإعطاء معنى لجدوى القيام بعمل ما أو تذوق لذة إنجاز مهمة ما قد يكون مشروطاً بإتمام هذا العمل أو هذه المهمة، حسب قول مايكل نورتورن الذي يدرس علم نفس المستهلكين في جامعة هارفارد. مفعول آيكيا بعد عمله ضمن فريق أرييلي ودانييل موكون الذي يجري دراسات مقارٍنة حول السلوك الاستهلاكي في جامعة كاليفورنيا، سلط نورتورن الضوء على ما يصطلح عليه «مفعول آيكيا» الذي يقوم على مطالبة الزبائن بتركيب أثاثهم بأنفسهم. ووجد الباحثون من جهة ثانية أنه حينما يراهن الناس في مزاد علني على منتجاتهم وممتلكاتهم الخاصة، فإنهم يبالغون في تقييم السعر المستحق لها. لكن ومع أن «مفعول آيكيا» يبين أن الناس يستمتعون أكثر بإنجاز عمل تركيبهم لأثاثهم الخاص ويرون في نجاح ذلك التركيب نجاحاً لهم، فإن هذا الإحساس يختفي وينعدم وجوده في حالة الفشل في مهمة التركيب. ويقول نورتورن «إذا بذلت كل جهدك في القيام بعمل ما ولم يؤد ذلك إلى نتيجة، فإن الشعور بالسرور لديك ينعدم». تقرير المصير لم يتفاجأ عالم النفس إدوارد ديسي من جامعة روكيستر من أن هناك عوامل ذات صلة بالدخل تدفع الناس إلى العمل وتحفزهم عليه أكثر. فقد توصل ديسي وزميله ريتشارد راين بعد قضاء سنوات في البحث حول الحافزية والدافعية إلى أن نظرية جديدة هي ما اصطلحا عليه «نظرية تقرير المصير» تفيد أن بيئة العمل الناجحة تعزز الإحساس بالاستقلالية والكفاءة والشراكة. أما الوجه الآخر للعملة- يقول ديسي- فهو أن بيئات العمل التي تفشل في تلبية هذه الحاجات والمتطلبات يكون لها أثر سيء وسلبي على الرضا النفسي للفرد وتحقيقه لذاته. ويضيف ديسي قائلاً «نريد أن نحس أن ما نقوم به وننجزه له معنى وقيمة في هذا العالم». يقول ديسي إن الاهتمام بمعنى العمل وقيمته هو أمر قديم وُجٍد منذ الأيام التي كان فيها جهد الإنسان يحدد بشكل مباشر مدى قدرته على البقاء. وقد جعل نمط الحياة المعاصر المتميز بوفرة الإنتاج مسألةَ تأمين الأكل والسكن أسهل من ذي قبل وأقل إجهاداً، وهو ما جعل الناس يحولون طاقتهم إلى مناح أخرى في الحياة. غير أن مسعى ربط الجهد بالغاية لا يزال ذلك المسعى القديم الجديد. عمل له معنى يقول عالم النفس ديفيد بلوشتاين من جامعة بوستون: «إذا ضمن الناس تأمين ضروراتهم المعيشية وتلبية حاجاتهم من أجل البقاء، فإنهم سيفضلون إيجاد عمل له معنى». غير أنه ونظراً لظروف أزمة العمل الراهنة والأوقات الصعبة التي نعيشها، فإن عدداً لا بأس به من العاطلين عن العمل لا يخفون استعدادهم لقبول أي عمل يضمن لهم تأمين دفع الفواتير الشهرية وتأمينهم الصحي». عن «لوس أنجلوس تايمز»
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©