الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

انفلونزا الطيور وتحكيم العقل

6 يونيو 2006

إذا أردنا أن نقيم المبالغة في الفعل ورد الفعل في قضية انفلونزا الطيور، فإننا سنجد أن العلم والعقل يتفقان على ضرورة الأخذ بأسباب الوقاية من جميع الأمراض والاستعداد لمواجهة جميع الكوارث دون افراط أو تفريط لأن كليهما ينتج عنهما المزيد من الكوارث وأن معالجة الأحداث بموضوعية واعتدال هي السبيل الأمثل للخروج منها بخير وسلام·
ولكن العاطفة والمؤثرات النفسية كثيرا ما تجعل الإنسان لا يحكم عقله فيما يتلقى من أخبار أو اشاعات عفوية أو مغرضة في كثير من الأحيان·
فيروس انفلونزا الطيور موجود منذ مئات السنين وقدرته على التحور والطفرات أيضا ولدت معه كما أن فيروسات الانفلونزا البشرية أيضا تمتلك نفس القدرة، وهي تغير من خواصها باستمرار ولذلك لم يتمكن العلماء من التخلص منها حتى الآن على الرغم من نجاحها في استئصال العديد من الأمراض الفيروسية الأخرى·
فلماذا يتم استخدام وباء 1918 في غير موضعه وهو كان بسبب انفلونزا بشرية وليس انفلونزا الطيور، وما هو وجه المقارنة بين التطور والتقدم العلمي في هذا الوقت وما وصلنا اليه الآن؟!
لماذا كل هذا الهلع والمرض حتى الآن لم يثبت أنه ينتقل إلا بمخالطة الطيور المريضة عن طريق استنشاق المخلفات، كما أن الفيروس لا يمكنه إصابة الإنسان إلا إذا تمكن من دخول الجسم عن طريق الجهاز التنفسي فقط؟
لماذا كل هذا الهلع إذا كانت الحالات التي أصيبت بالمرض كلها كانت لها ظروف خاصة، ومخالطتهم للطيور المريضة كانت في ظروف غير طبيعية، ولم يقوموا باتباع أي من شروط الوقاية لفترات طويلة مع الطيور المريضة وكان معظمهم من الأطفال وكبار السن لوجود ضعف في جهازهم المناعي أو اصابتهم بأمراض أخرى أضعفت قدرتهم على مقاومة المرض؟
علينا ألا نترك عقولنا لمن أفرطوا في بث الرعب والهول ليصور لنا أحدهم في شهر اكتوبر الماضي في إحدى الصحف هذا الشتاء بأنه سيكون كارثيا وأن الشوارع ستمتلئ بالموتى والأشباح، وآخر يحذر قبل موسم الحج من تفشي المرض بين الحجاج دون أن يستند تصريحه لأي أساس علمي، وآخر يتوقع أن تستمر مشكلة انفلونزا الطيور مائة وخمسين عاما أي أنه يريد من البشرية أن تعيش الرعب والهلع والخوف في انتظار المجهول، وهو تحور الفيروس الذي 'قد' يحدث اليوم أو غداً أو بعد 150 سنة، ولذلك فعلى العالم كله أن يعيش حالة الطوارئ والاستنفار وينام ويستيقظ حتى على أخبار حالات الاشتباه بانفلونزا الطيور، وليس المؤكد منها وعليه أن يخوض حرباً لا هوادة فيها ضد الطيور والدواجن التي استأنسها الإنسان وعاش معها منذ الأزل وهي تمثل بالنسبة للفقراء ومحدودي الدخل مصدر طعامهم ورزقهم وسلواهم على مصائب الزمن·
لقد أصبح الناس الآن يعانون من فوبيا الدواجن والطيور وتحولت علاقة الصداقة بين الأطفال والكبار والدواجن والبيض ومنتجاتها وأكلاتها الشهية المختلفة إلى علاقة خوف، وشك وريبة من المجهول الذي قد تحمله لهم يوما ما، وبذلك يفقد الناس المصدر الوحيد المتوفر بسعر معقول في متناول الفقراء ومحدودي الدخل لإطعام أطفالهم وذويهم·
وللأسف لن يفرق الناس بين هذه الفوبيا التي لا تستند إلى أي أساس علمي أو عقلي بل هي فقط رد فعل نفسي وعاطفي لتصريحات المبالغين الذين أشرت لبعضهم أعلاه إلا بعد فوات الأوان وبعد أن يتم القضاء تماماً على هذه الصناعة المهمة التي أنفق عليها المليارات وبعد تشريد الملايين الذين وفرت لهم هذه الصناعة فرص عمل مناسبة وانتشار المزيد من البطالة والإرباك للحكومات والشعوب على السواء·
يا ليت كل عاقل توقف عن أكل الدواجن أن يخرج من المؤثر النفسي والعاطفي ويحكم عقله ليجد أن الدواجن ومنتجاتها لا يتناولها أحد إلا بعد طهيها والطهي يكفي لقتل جميع الميكروبات وليس الفيروسيات فقط وفيروس الانفلونزا يكفيه درجة حرارة 70 مئوية
للقضاء عليه تماماً كما أن جميع الحقائق العلمية تؤكد عدم انتقال المرض على الإطلاق عن طريق الطعام أو الجهاز الهضمي ناهيكم عن استحالة وصول دواجن مصابة بالفيروس للمستهلك على الاطلاق لأن الفيروس يقتل الدجاج كله تقريباً في وقت قصير، والدجاج المريض يصبح غير صالح على الاطلاق للذبح أو التجهيز أو التعبئة ليصل الى المستهلك، كما أن الممتنع عن أكل الدجاج يشارك في تدمير صناعة مهمة ومصدر رزق لملايين الناس والدواجن والطيور مصدر أساسي للبروتين الحيواني الضروري للصغار والكبار والمرضى وبالأخص الفقراء ومحدودي الدخل·
دكتور: حسين حسنين
استاذ أمراض الدواجن المشارك
كلية الطب البيطري - جامعة قناة السويس
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©