السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أسكنت النخلة في مركز الدائرة..

أسكنت النخلة في مركز الدائرة..
25 يونيو 2013 21:29
البيدار.. ذلك الكائن الأسطوري، ذلك القوة المتفاقمة، والصبر والجَلَدْ، وحبل المودة، يطوق الخصرين رجل ونخلة، وما بينهما، رائحة الرطب، ووخز الليف اللذيذ، والزند المبجل، بسمرة الصيف العتيد، يلون الزمان، بصيرورة القابضين على اللهفة بلا هفوة ولا غفوة، بل سطوة الأحلام المذهلة، تدفع بالعرق سيلاً نبيلاً، جميلاً، أصيلاً، سليلاً، وليلاً يمضي على شحم العروق كأنه الأجل المؤجل. البيدار، هذا المبذر في الحب، المفجر لطاقات النخل، المبشر بالنضوج، حيث العناقيد قلائد، وقصائد، وفرائد، وفوائد، ووسائد، وموارد، وموائد، ومواقد، وعندما يلتف الساق بالساق تقول النخلة إلى أين المساق، ورواق الحلم يفتح كتباً، وصخباً، ونخباً، ونجباً، وحطباً، وذهباً، وهباً، وعنباً، وخصباً، ورحباً، ودرباً، وشهباً، وسحباً، وطرباً، وعذباً، وقِطباً.. البيدار ذلك الكوكب المتعالي، على جبال النخل، الواقف عند الشهب، الذارف وجداً، ومجداً، وجِداً، وجُدداً، وحداً، وسِداً، وبُداً، ونِداً، ورداً، وصداً، وبدداً، وقِدداً، وشهداً، ووعداً، وعهداً، ورعداً، وجَلَداً، وسرداً، وبَرَداً، ومداً، ومدداً، وسُعداً، وحشداً، وحملاً. البيدار.. رديف النخلة والسنبلة، والقُبلة والزلزلة، حليف الماء والأرواء، واشتهاء النخل، لمس الندى، والنداءات الكونية سقيف الرمل، المبلل بالخطوات، وآهات الصباح، وزقزقة الطير المغني للطلع، والنبع، والينع، واليفع.. البيدار.. المسار، والمدار، والدوار، والأطوار، والأخبار، والأسرار، والأنهار، والبحار، والجار، والجوار، والحوار، وفتنة الفحولة، المزملة بالإزار الشفيف، وإرادة لا تنثني، مجبولة على الصمود والحرقة الأزلية، قيظ يطوق الأعناق والأحداق، والآفاق بلهب المواقد السماوية، ورعشة النجوم حين يقض قضيها، وحش اللظى مستلبة تحت السياط اللاهبة. فلكي المواسم البيدار، ذلك الفلكي في الزمن، يحدق في المواسم، ويضع وشم فلذته عند كل جذع ونبع يخاصم الدنيا ولا يرتد عن إيمانه بحب النخلة، وعشق المعشوشب من تراب، والانتماء إلى الرائحة كأنها الحركة في الجسد، كأنها اللون المستبد، كأنها الفن الأبدي، في تلافيف الذاكرة، كأنها الغصن المرتعد في تجاويف العقل، والزمان، يخصب ويرطب، ويغسل القلوب بعذاباته اللذيذة.. ويكحل الدروب بأثمد العيون التي في طرفها حور أنثيات الصيف، حوريات الزمن الجميل، فاتنات ناعسات، ساحرات، حاسرات، كواعب. البيدار.. ذلك المكتسح لعنفوان وصولجان، ومهرجان، وامتحان، وامتهان، ووشاية الصيف حين تغدو الأجساد، كأنها صلبان من دم ولحم، من نعم ونغم ترفع النشيد عالياً، لله دَر هذه الكائنات الساحرة، هي النُبل كله، هي أصله، وفصله، ونسله، ولا أحد يلزمه ما لا يلزم، غير ذلك المشهد الوجودي الرهيب، ذاك المثال والصورة لكون يتشكل في الأبعاد الأربعة يتسلل في الوجيب، يشعل النيران في الصهد، ويقتل شوارب اللحظة لعلّ وعسى تسفر اللقاءات الحميمة عن وجوب الذروة القصوى. البيدار.. وحده في الصباحات الباكرة، يلف لفيفه في الوحشة المباركة في انتظار من يأتي.. أو تأتي.. فالنخلة وارفة، والمكان فارغ إلا من نداءات جسدية متوحشة كأنها الأنياب والمخالب.. يحملق ويدور كأنه النورس في محيط الرغبة العارمة، يفكر في القدود كما يفكر في الجذوع، والحبل يستدير حول خصر وجذر، هكذا هو، في تلك اللحظات. البيدار، الطائر، والحائر، والفائد، والسائد، والناهر، والناقر، والنافر، والسادر، والساكر، والسافر، والساخر، والنادر، والناحر، والحاسر، والحافر، والطافر، والظافر، والضامر، والعاثر، والفاجر، هو في كل ذلك إنسان الزمان الماضي والحاضر هو الأنشودة الأبدية، المزدهرة في بطن السماء وكبد الأرض، هو البذرة، والندرة، والفكرة، والقدرة، والحيرة، هو الصبر والحبر، والنبع، والنهر، هو الدهر، المؤزر بسطوة الطين ولظى السماوات، وشطف الزلازل والمحن.. هو، البداية في السرد، البداية في الكلمة، عند جبل الروح، عند ربوة الحلم، عند صبوة الحادبين في المكان اليتيم. البيدار.. الخطوة والخطوة، والسطوة، والنخوة، والنشوة، والحدقة المتألقة، وحلقة الوصل، وفصل الأزمنة، وفصل الأمكنة، والاحتمال الأول للعقل والمقل، وما استتب في النخل من عَرَق وعِرق، ونسق، والق، وتألق، وطرق، وأفق يشق في الأفئدة، قنوات العذوبة، وأنهار التعلق بتراب، وأحباب، وأصحاب، وأبواب، وأتراب. البيدار.. مثل أمطار الشتاء، يغدق، ويفرق، يمحق، ويسحق، ويبرق، ويطرق، ويدلق، ويسرق، ويشرق، ويشنق، ويمرق، ويحرق، ويمنح الكون وجوده وسدوده، ووعوده، وعهوده، وردوده، يتسرب في الوعي، كائناً خرافياً لم تلد حواء مثيلاً له، لم ينجب الأرض رديفاً له، لأنه إبن النخلة التي هزت جزعاً، عندما تساقطت الرغبات ولقاً، وهلعاً، وشعاعاً، أرسل خيوط حرير، يلون الذاكرة، بالبهجة ويزخرف التاريخ، بحروف الذين نبتوا النخل فأثمرت القلوب يرعاً وشراعاً، وطافت في الروابي، مبتلة بدم الحرقات المذهلة. عناقيد النخلة البيدار.. ولا سواه ولا عداه، في الاشتياق حين تحضر النخلة مخضوبة بالعناقيد، والرطب الجني، لا شيء مثله في العشق، إذ كان المتعلق، والمتسلق، والمتدفق، والمترفق، والمتنسق، والمعتنق، للحب، غاية وهدف، المؤمن بأن بداية العشق نخلة، وفي الصيرورة ماد الخيال جامحاً، طامحاً، والسؤال لم يزل عقائدياً يعقد عزقه على الاحتمالات دون انقطاع. البيدار، هو اللحظة المستديمة في الأفق والحدق، هو الاستدامة في عنق اللحظة، والدهر يفشي أسرار العناقات المدهشة. بماذا يمكن للبيداء أن تبوح، والسرد المعلق في العناقيد، ذبلت مفرداته صارت الأسماء نكرة، والجملة الفعلية مغيبة الضمير. البيدار.. يا سيد الزمان، والربّان، والقبطان، والبيان، والبنيان، والكيان، والأكوان، وجاش في ضمير السماء من حب لأجل الناس لأجل أرض لن تموت طالما بقى الساعد أسمر، والجذع مثمراً، لن تموت يا سيدي وأنت المبجل المؤجل، والمجلجل، والمزنجل، في غضون العقود والعناقيد في سفر التكوين وحبر التلوين، في الخضم الراكض وجلاً وزللاً، وخللاً، في سويداء القلب المصفود بدقات وخضات، ودفق لا يؤجل، رفيفه ولا حفيفه، وبخفة الأجنحة ترتاد الذاكرة ما كان أخضرا، وما كان أسمرا، وما كان ينتج في الأرجاء حبة الحياة، ثمر الخلود.. البيدار، أنت يا سيدي الآن في الرمق أو ما قبل الرمق أنت في المرفق سوار يزين المعصم، بحشمة الأوفياء الذين خاضوا في التربة حرثاً ونسلاً، وأسسوا في رحم الأرض أجنة الحلم البهيج.. أنت يا سيدي لست في الغياب سوى يد تطوي سجلاً وتفتح للأفق سجلات، تفتح صفحات لا بد وأن تملأ بحبر الذين يتذكرون فينهلون ويسهبون في استدعاء ما توارى وجناً في الظلمات.. يستدعون الجمال لأن يحضر ويشيد قصيدته العصماء بلا استرابة ولا مهابة، يكتب لليوم.. لغد لماذا كان البيدار، يعتق الحياة برائحة التمر، ويدهن الجفاء والجفاف “بدبس” وحس، ونبس، وقبس.. كان يفعل ذلك لأن ما بين النخلة والأرض، نداء خف لا يسمعه إلا العشاق. البيدار.. هذا الجذع المحفور في الذاكرة هذا الغصن المتدفق في أنسجة السحابات، هذا العرجون المتزحلق عند هضبة الأحلام، الغاربة هذا الساحر على حراسة غابة الأفكار، لم يزل في العمق يحصد سنابل القمح بجموح العاشقين، ورغبة المؤمنين، في صياغة الزمن حلقات نجاة من نار الفراغات المتناهية.. البيدار، الكبرياء المتفاقمة، والنشوة العارمة، حين تمور جبال الرغبة، وتميد هضاب الأزمنة، تكون أنت وحدك.. وحدك أنت في الأفق ترسم خارطة جديدة ملونة بالأخضر، ترسم مشهداً مختلفاً، وتحلم كما يحلم الأطفال بيوم جديد جلب الفرح تحلم بصباح جديد، يحمل على كفيه، أشعة النهار مغسولة بذروة الظفر. البيدار.. أنت وحدك في وسط الدائرة عند المحور، قِطرك هذا الحبل النبيل، جذرك هذا الحب الأصيل، لا يحار المرء حين يتوخى معرفة الملامح، لأنك في التجاعيد تشهد أنك رسمت خطوط الطول والعرض للكرة الأرضية، وأسكنت النخلة في مركز الدائرة، واستقررت في المكان المهيب، في انتظار الإجابة عن أسئلة مبهمة، دارت ودخت، لماذا يا سادة يغيب البيدار، وتقصي النخلة عند آخر نقطة في النسيان، عند ذروة الهجران، لكنك أنت.. أنت.. الكامن الساكن، الآمن، الكاهن، الراهن، الضامن، الذاهب في الغضون، والفصون، والمنون، والسكون، أنت.. أنت المذهل والمعلل، أنت المكلل بفجر الأيام، وفجر الأحلام، أنت في التاريخ عطر ومطر، وزهر، ونهر، وسُحر وسَحَر، وعشب وشجر، وخصب، ودرر، وصخب، وعِبر، وحَبر وأمر.. أنت السر في التكوين أنت الحبر في التضمين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©