الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فوضى سردية وفضاء باهت

فوضى سردية وفضاء باهت
25 يونيو 2013 21:26
يلجأ بعض مخرجي هوليوود غير المتمرسين، إلى الاستعانة في أفلامهم ـ المتأرجحة فنيا ـ بنجوم الصف الأول من الممثلين للظفر بحصة من النجاح الجماهيري، ولضمان استمرارية الفيلم لعدة أسابيع إضافية في سباق شباك التذاكر، وهذا الإغراء الظاهري قد يدفع بالممولين والمنتجين أيضا إلى خوض المغامرة مع مخرجين جدد أو قليلي الخبرة، لأن وجود هؤلاء النجوم قد يصنع فارقا هنا، خصوصا إذا تعلق الأمر بمؤشرات الربح والخسارة في سوق الأفلام وما يتخللها من منافسة شرسة ومحتدمة. ولهذا القول مبرراته ومسوغاته إذا أردنا توصيف فيلم مثل: “فرقة مكافحة العصابات” Gangster Sq ad المتخم بممثلين مميزين سبق لهم الفوز أو الترشح لجوائز الأداء في عدة مهرجانات سينمائية، وفي مقدمتها جوائز الأوسكار، ولكن توظيفهم في عمل ينحدر تدريجيا باتجاه الخفوت المشهدي والفوضى السردية وفقر الحلول الإخراجية، قد يؤدي في النهاية إلى تحويل الأسماء الكبيرة إلى مجرد أطياف وأشباح تحوم في فضاء باهت ولا يضيف جديدا لأفلام العنف والجريمة، ولا يقدم ما هو مختلف في سياق التطورات الأسلوبية التي شهدتها هذه النوعية من الأفلام منذ ظهور أعمال مدهشة وفارقة في هذا المجال مثل: “العرّاب” و”الوجه ذو الندبة”، و”شارع الغروب”، و”سرّي: لوس آنجلوس”، و”المحصّنون” The nto chables بإدارة المخرج المميز بريان دي بالما. فيلم: “فرقة مكافحة العصابات” من إخراج روبن فليشر الذي لا يملك في رصيده الإخراجي سوى فيلمين أولهما بعنوان: “أرض الزومبي” وهو فيلم رعب خفيف وتهكمي قدمه في العام 2009 وحظي بردة فعل مقبولة من النقاد، ولكن سرعان ما تحوّل هذا القبول إلى استياء بعد أن قدم فيلمه الثاني بعنوان: “ثلاثين دقيقة أو أقل” في العام 2011 عندما حاول أن يمزج بين عالمي الجريمة والكوميديا بأسلوب جديد ولكنه مليء بالثغرات على مستوى السيناريو والأداء وتكنيك الإخراج. كتيبة مشاهير في فيلمه الجديد: “فرقة مكافحة العصابات” يستعين فليشر بكتيبة من مشاهير التمثيل مثل شون بن، وجوش برولين، ونيك نولتي، وريان غوسلينج، وأنطوني ماكي، ومعهم الممثلة الصاعدة إيما ستون. كي ينسجوا خيوطهم الأدائية في فيلم مقتبس من وقائع حقيقية وعنيفة شهدتها مدينة لوس أنجلوس في العام 1949، وفي وقت كانت فيه الولايات المتحدة تنفض عن جسدها الاقتصادي غبار الحرب العالمية الثانية بكل تداعياتها وانعكاساتها المربكة التي هيأت لظهور مافيات وعصابات تمارس العنف والتجارة المحرمة واتباع الأساليب الملتوية مع الجهات الرسمية في القضاء والشرطة، كي تؤسس لنفسها إمبراطوريات خفية ومتشعبة في المدن الأميركية الكبرى. يبدأ الفيلم بلقطات متتابعة وسريعة للممثل شون بن في دور رجل العصابات اليهودي ميكي كوهين، الملاكم المعتزل الذي ما زال يتدرب على القتال ويستعيد صور الماضي بكل كبواته وانتصاراته، والذي تحول فجأة إلى أكثر الأشخاص دموية وشراسة في مدينة لوس آنجلوس أو مدينة الملائكة التي حولها أمثال كوهين إلى مرتع لشياطين الجنس والمخدرات والفساد المالي والإداري القائم على شراء الذمم ودفع الرشاوى للمسؤولين الكبار في الدوائر التنفيذية المهمة. وفي اللقطة التالية مباشرة يترجم كوهين نهمه الوحشي من خلال تعذيبه لأحد المنافسين له في المدينة وتقطيع أوصاله ورميها للكلاب تحت نظر مرافقين آخرين للضحية حتى يظل هذا المشهد البشع تذكارا دائما أمامهم قبل أن يفكروا في مزاحمته مستقبلا وإفساد خططه في السيطرة على مملكته المالية الواعدة. وفي المقابل نرى ضابط الشرطة جون أومارا ـ الممثل جوش برولين ـ والمحارب القديم في القوات الأميركية، وهو يتصدى لرجال ميكي كوهين ويخلص إحدى الفتيات المغرر بهن من أحد بيوت الدعارة والتي لم يجرؤ أحد من الرجال الشرطة في السابق على اقتحامها لارتباطها بتجارة كوهين المحرمة والمسكوت عنها قصدا أو خوفا. وهذا الاقتحام الجريء للضابط أومارا والذي يبدو وحيدا ومعزولا بمبادئه الأخلاقية سوف يسبب له الكثير من المشاكل المهنية وحتى العائلية، حيث يعنّفه مديره في مركز الشرطة على هذا التصرف الفردي وتعديه على أملاك أقوى رجل في لوس آنجلوس وأكثرهم نفوذا، وهو أمر سوف يؤدي بأومارا إلى مصارحة مديره وفضحه لأن كوهين استطاع أن يشتري ذمته من خلال الهدايا الثمينة التي يغدقها عليه، يعود أومارا إلى منزله بعد إقالته وتجريده من رتبته، ويفاجأ بثورة غضب عارمة من زوجته التي تنتظر مولودها الأول، وتخاف ألا يرى ابنها والده إذا استمر في مقاومة كوهين والتصدي له. وتتشابك الأحداث أكثر عندما يقرر القائد العام للشرطة ـ الممثل نيك نولتي ـ إعادة أومارا للخدمة مرة أخرى وتكليفه بمهمة سرية تتمثل في تكوين فرقة مكافحة متخفّية تتصدى لتجارة كوهين المحرمة وتتصدى لمشاريعه التوسعية في المدينة، ويبدأ أومارا في اختيار أعضاء فرقته من أفراد الشرطة الذين لا يمكن شراؤهم بالمال، ولا شيء لديهم يخسرونه إذا قرر كوهين الانتقام منهم، وهو انتقام سينطوي بلا شك على الكثير من مشاعر الضغينة والشر الذي يبديه رجل سادي مثل كوهين، يتلذذ بتعذيب ضحيته قبل الإجهاز عليه وتصفيته نهائيا. حوار البنادق وفي مشاهد لاهثة ودموية من حوار البنادق والمطاردات وتكنيك حرب العصابات المعتمد على الكرّ والفرّ والدهاء والحيلة والتجسس، يستشعر كوهين قيمة وخطورة الأشخاص الغامضين الذين تجاوزوا كل الخطوط الحمراء التي وضعها لحماية مملكته المالية وخطط لسنوات طويلة كي تكون هي المهيمنة على خيوط اللعبة الماكرة والشيطانية التي نسجها على أساس نظرية إجرامية جديدة وصفها بمرحلة: “التقّدم” المتجاوزة للأساليب التقليدية التي مارستها سابقا العصابات المكسيكية ثم عصابات المافيا الإيطالية في هذه الأرض الثرية والمفتوحة على كل احتمالات الرخاء والازدهار الاقتصادي خصوصا لمن يمتلك القدرة والدهاء على اغتنام صيدها الثمين، ولو كان ذلك من خلال الأبواب الخلفية والمنافذ السرية لعالم الجريمة المنظمة. وينتهي الفيلم بمواجهة دموية مباشرة وأخيرة بين أومارا ورجاله من جهة وبين كوهين وأفراد عصابته من جهة مقابلة، حيث تقرر إحدى العاملات لديه الإدلاء بشهادتها للقضاء كشاهد عيان على جريمة قتل كوهين لأحد ضحاياه، وهي ذريعة قانونية دامغة ونادرة في ظل الإرهاب النفسي المهيمن على كل شهود العيان الآخرين الذين آثروا السكوت خوفا من الانتقام البشع الذي ينتظرهم، ومعرفتهم أن معظم القضاة باتوا تابعين لإمبراطور الشر العصي على الانكسار والهزيمة، ولكن أومار يذهب بمغامرته الأخلاقية إلى حدودها القصوى ويكسر شوكة كوهين المتنمر ويقوده صاغرا ومخذولا إلى السجن، ليغلق بذلك ملفا هائلا من العذابات والآلام الملموسة والمتوارية التي تسبب كوهين في إذكاء نارها والرقص حول ضحاياها إشباعا لأنانيته الفردية وطموحه الوحشي المتجرد من أي حس إنساني ووازع أخلاقي. عموما فإن فيلم: “عصابة مكافحة المخدرات” ورغم احتشاده بالنجوم المعروفين بقوة أدائهم وتألقهم في أفلام سابقة، إلا أن المعالجة الإخراجية بدت هزيلة وبطيئة في ملاحقة الأحداث المتسارعة والمتداخلة للقصة، وهي قصة لم تقدم بدورها ما هو إشكالي ومفارق ومتميز عما تم تقديمه سابقا في هذه النوعية من الأفلام، وبدا الفيلم وكأنه يستعيد ذات الحبكة والمسارات السردية لفيلم “المحصّنون” الذي كتب نصه وبحرفية عالية المخرج والسيناريست ديفيد ماميت، وقدمه المخرج برايان دي بالما في العام 1987 حيث تتقاطع شخصية شون بن هنا مع شخصية رجل المافيا الإيطالية القوي في مدينة شيكاغو والتي أدى دورها الممثل الفذّ روبرت دي نيرو، وفي المقابل فإن شخصية الشرطي الصالح أومارا ورجاله تتقاطع مع شخصية كيفن كوستنر ومعاونيه في فيلم دي بالما، مع وجود فوارق أسلوبية كبيرة بين الفيلمين، خصوصا في كيفية الحفاظ على الإيقاع المشهدي والسردي المتماسك والإبقاء على حيوية التتابع البصري وقوة أداء الممثلين وتوظيفها جيدا لخدمة الانعطافات والصراعات والمواجهات الخطرة بين المافيا والشرطة السرية، وهو ما لم نجده في فيلم روبين فليشر المليء بالثقوب الفنية التي لم تستطع كمية الإثارة المزدحمة فيه أن تسدها، لأنها كانت تتصادم في مخيلة مخرج أراد أن يتخطى حدود الواقعية في الفن، وأن يجرب أدواته في سياق سينمائي لا يحتمل التجريب!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©