الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

مجلس الأمة الكويتي صدام متواصل بين السلطة والمعارضة

5 يونيو 2006
السعد عمر المنهالي:
تبدو العلاقة بين السلطتين التنفيذية المتمثلة في الحكومة الكويتية والتشريعية المتمثلة بمجلس الأمة وكأنها مشدودة على وتر يتحرك بنشاز مطلق ليزعج الكويتيين المتغنين بديمقراطيتهم الأقدم في المنطقة، وليس أشد ألماً على نفس المعجبين بتلك التجربة من لحظات إعلان حل أهم مكتسب في حياتهم الديموقراطية ألا وهو مجلس الأمة، غير أن الأشد ألما في التجربة أن العازف على هذا الوتر إنما يتحرك في نغمته النشاز من دستور الدولة وبصورة قانونية صرفة!
لقد حاول المشرع الكويتي في دستوره -المعلن في يناير عام 1962- منح حقوق لكلا السلطتين التشريعية والتنفيذية في الحفاظ قدر الامكان على حالة التوازن بينهما، فلا تتعدى أحداهما على الأخرى فتضعف قوة احدهما، وكما كان هناك إمكانية لحل المجلس وتعطيل الحياة النيابية، كان في المقابل إمكانية لسحب الثقة من الحكومة، غير أن الواقع المعاش منذ عام 1963 يؤكد أن حلقة المجلس كانت الأضعف من ضمن حلقات السلطة في دول الكويت·
فإن كان الدستور الكويتي في فصله الثالث المتعلق بالسلطة التشريعية من الباب الرابع وفي 43 مادة قد شرح وفصل سلطات وصلاحيات مجلس الأمة الكويتي، بل أضاف في غير ذلك سمات وإجراءات تعطي للمجلس مقاما وهيبة، كأداء الأمير للقسم قبل ممارسة صلاحياته كأمير للبلاد (المادة 60) كذلك الحال مع نائبه في (المادة 64) على سبيل المثال لا الحصر، إلا أنه وفي المقابل في مادته رقم 107 أعطى للأمير حق حل البرلمان·
هذا ما يخص الحل الدستوري، أما الواقع فقط أثبت أن هناك حلا آخر بعيدا عن هذه المادة، بل بعيدا عن الدستور ذاته لحل الحالات التي كانت تصل فيها العلاقة بين الحكومة ومجلس الأمة الكويتيين إلى عنق الزجاجة، كالحل بأمر أميري، وهو ما ستحاول السطور التالية توضيح الفروق بينهما·
حلول انتهت بالحلحلة
كانت الأزمات بين الحكومة والبرلمان الكويتي تبدو في ظاهرها سياسية غير أنها في حقيقة الأمر إجرائية بالدرجة الأولى، وكان التباين في وجهات النظر بين الحكومة وأعضاء المجلس في علاجها ينتج عنه احتقان بين السلطات يسمى احتقانا سياسيا -كون أطرافه من المفترض أنها المحرك الرئيسي في اللعبة السياسة في أي دولة في العالم- ينتج عنه بالتالي واقع سياسي سواء باستقالة الحكومة وحل البرلمان وإجراء انتخابات أو بتعطيل الحياة البرلمانية كما حدث في فترات في الحياة السياسية الكويتية·
فمثلا عندما قدَمت الحكومة الكويتية في التاسع والعشرين من أغسطس عام 1976 استقالتها لأمير الكويت بعدما تعذر عليها التعاون مع مجلس الأمة، كان قد مضى على الحياة الديموقراطية في الكويت أربعة عشر عاما، بينما لم يكن قد مضي على المجلس الذي استحال على الحكومة التعامل معه سوى ستة شهور فقط، كانت فترة كافية لكي يحكم فيها رئيس الحكومة -ولي العهد في الوقت ذاته- باستحالة التعاون بينهما، ومنذ ذلك الحين لم يُحل مجلس الأمة الكويتي إلا لذات السبب·
قدمت الحكومة استقالتها في التاسع والعشرين من أغسطس عام ،1976 وأوجز فيها ولي العهد رئيس مجلس الوزراء أسبابه بأن مشروعات القوانين قد تراكمت في المجلس، وأن جلسات المجلس ضاعت بلا فائدة، كما أن التجني والهجوم نال أعضاء حكومته دون وجه حق مما افقد التعاون بين السلطتين، تبع ذلك قبول الأمير استقالة الحكومة واتبعه بأمر أميري بحل المجلس (المجلس التشريعي الرابع)، مسبّب ذلك بعدد من الأمور منها 'استغلال الدستور لتحقيق مكاسب شخصية، وبذل الجهور من أجل الإعانة وإثارة الأحقاد وتضليل الناس، والإساءة إلى الدول الشقيقة والصديقة، والأوضاع الدقيقة والحرجة التي تجتازها منطقة العالم العربي'·
الجدير بالذكر هنا أن الحل جاء لأسباب تتخطى العلاقة الآنية بين المجلس والحكومة، بل تعود وحسب ما ذكره الأمير في نص قراره إلى الرغبة في إعادة تقييم العملية الديموقراطية بما في ذلك الدستور، ولذا كان قرار الحل غير دستوري بل بأمر أميري، كون الحل جاء في أسبابه تنقيح الدستور، فكان وقف العمل به هو الخيار الأنسب من وجهة نظر الحاكم الشيخ 'صباح السالم'· وعلى ما سبق كانت آخر جلسات المجلس في العشرين من يوليو عام 1976 ولم يعقد من جديد إلا بعد خمس سنوات شهدت تجميدا كاملا للحياة النيابية بتعطيل أربع مواد دستورية متعلقة أساسا بمجلس الأمة وانتخاباته·
حل 1986
لم تتغير نصوصا رئيسية في الدستور، وكل ما حدث للمجلس أن الدوائر الانتخابية التي يصل من خلالها النواب قد حولت إلى خمس وعشرين دائرة بدل عشر دوائر، كان هذا التغيير في صالح الحكومة فقد جاء المجلس الخامس عام 1981 أكثر مهادنة مما سبقه، غير أن هذا لم يتكرر في مجلس عام 1985 الذي جاء أكثر قوة وصداما مع الحكومة·
سادت تلك الفترة ظروفا اقتصادية وسياسية حرجة، كظروف انهيار سوق الأوراق المالية في الكويت والحرب العراقية الإيرانية، وما تبع ذلك من سجالات واستجوابات وفتح تحقيق لأعضاء الحكومة، ورغم دستورية إجراءات المجلس، إلا أن قرار حل المجلس جاء للمرة الثانية في الثالث من يوليو عام 1986 بأمر أميري، وفيه أيضا عطلت الحياة النيابية بتعطيل مواد الدستور المتعلقة بالبرلمان، وفي أسباب الحل المعلنة، زاد على ما سبق في مسببات حل مجلس 1975 الحديث عن تكتلات وأحزاب تمزق وحدة الأمة، والمؤامرات الإجرامية التي تحاك بالوطن، وظهور الطائفية واهتزاز الهوية·
ساعدت الأوضاع السياسية التي مرت بالمنطقة في تلك الفترة في استمرار تعليق الحياة النيابية في الكويت (مما يعني تعطيل العمل بالدستور في بعض مواده) لست سنوات وثلاثة أشهر وبناء على هذا لم تكن هناك رد فعل قوية لقرار الأمير بالحل رغم قوة ذاك المجلس الذي يعد حتى اليوم أقوى المجالس التي مرت على السلطة التشريعية في الكويت بشهادة الجميع·
غير أن غياب رد فعل قوي على حل المجلس لم يعن غياب الفعل تماما، فقد كان للواقع السياسي وما فرض نتيجة الغزو العراقي للكويت دورا في إعادة الحياة النيابية من جديد بعد فترة كان الحديث فيها يصب في اتجاه إحلال مجلس وطني بدل مجلس الأمة، وكان لمؤتمر جدة الذي عقده الكويتيون أثناء الغزو ركيزة استطاعوا من خلالها إعادة الاعتبار لمجلسهم، فتم التأكيد على أهمية عودة الحياة النيابية بعد الاستقلال، وبالفعل كانت الانتخابات في الخامس من أكتوبر عام 1992 ليسجل المجلس السابع أول مجلس امة بعد استقلال البلاد من الغزو العراقي·
الحل بقرار دستوري
كان المتبقي عام وخمسة اشهر من عمر المجلس التشريعي الثامن - الذي انتخب في السابع من أكتوبر عام 1996- عندما قرر أمير الكويت الشيخ جابر الاحمد الصباح في الرابع من مايو عام ،1999 ويبدو أن الفترة المتبقية من عمر المجلس الذي عاشها في البرلمان سادها جوا مشحونا نتج عنه في استقالة الحكومة في منتصف مارس ،1998 غير أن الأمر عاد واحتقن مع تداعيات استجواب وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية وما نتج عنه من لجوء رئيس مجلس الوزراء إلى أمير الكويت بعدما تعذر معه التعاون مع المجلس، ومن ثم نتج عنه مرسوم الحل الذي جاء فيه 'إن مسير العمل الوطني تعرضت للتعثر مرارا نتيجة بعض الممارسات النيابية التي تعسفت في استعمال الأدوات الدستورية بعيدا عن روح الدستور ومجافاة القيم وأخلاق مجتمعنا الأصيلة وانحراف الحوار الايجابي إلى خلافات ومشاحنات وتسجيل للمواقف على حساب الوطن والمواطنين'·
جاء قرار الأمير بالحل مستندا على المادة 107 في الدستور الكويتي التي تنص على أن 'للأمير أن يحل مجلس الأمة بمرسوم تبين فيه أسباب الحل على أنه لا يجوز حل المجلس لذات الأسباب مرة أخرى، وإذا حل المجلس وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحل، فان لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فوراً كأن الحل لم يكن، ويستمر في أعماله إلى أن ينتخب المجلس الجديد'· وبالفعل دعي للانتخابات وجرت في الثالث من يوليو عام 1999 لاختيار أعضاء المجلس التاسع·
وكذلك الحال كان في المجلس التشريعي العاشر الذي انتخب أعضاؤه من الخامس من يوليو عام 2003 والذي كان من المفترض أن ينهي فترته النيابية عام ،2007 جاء قرار حله دستوريا، إذ ألحق بالدعوة لانتخابات مبكرة في التاسع والعشرون من يونيو ،2006 وذلك دون تعطيل لمواد الدستور، والتزاما بالمادة 107 التي تحدد إجراء انتخابات جديدة في فترة لا تتجاوز شهرين·
وخلال أربع حالات حل لمجلس الأمة منذ بدء الحياة الديموقراطية في الكويت يتأكد أن تشابه أسباب الحل في الحالات الثلاث، ورغم ذلك اختلفت طريقة الحل، ففي حين كان في مجلسين 1975 و1985 بأمر أميري كان الحل في مجلسي 1996 و2003 بقرار دستوري، والفرق بين القرارين أن الحل الدستوري يكون الدستور هو الحاكم في شكل العلاقة المترتبة على عملية الحل ومستقبل الحياة النيابية، على عكس الحل بأمر أميري والذي استغل فيه الأوضاع الإقليمية لفرض حالة من تقليص نفوذ المجلس في فترات تحتاج فيها الحكومة للحراك دون عراقيل المجلس ونوابه·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©