الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صناعة النسيج والملابس في الهند تأثرت بفنون الإسلام وزخارفه وتقنياته

صناعة النسيج والملابس في الهند تأثرت بفنون الإسلام وزخارفه وتقنياته
11 يوليو 2014 00:33
أحمد الصاوي أ ينما حل الإسلام وأُقيمت دعائم حضارته ازدهرت صناعة المنسوجات والملابس وفاقت بجودة صناعتها وروعة ألوانها وزخارفها سواها من منسوجات العالم ولم تكن الهند استثناء عن تلك القاعدة. والسبب في ذلك التفوق الذي أحرزته فنون الإسلام في مجال صناعة النسيج والملابس يعود إلى أن إهداء الخلع ظل أجلّ مظاهر التكريم والتشريف التي يمكن أن يسبغها الخليفة أو السلطان على رعاياه أو زوار بلاطه؛ ولذلك كانت للدول الإسلامية مصانعها الملكية الخاصة التي تعنى ليس فقط بنسج ملابس الحكام، بل وخلع الإهداء أيضاً. ويعترف مؤرخو الفنون الهندية أن الفضل افي شهرة الهند بجودة منسوجاتها، يعود للتأثير الإسلامي. تأثير وبدأ هذا التأثير في التسلل للبلاد منذ عهد سلطنة دلهي الإسلامية، التي كان ملوكها أكثر تأثراً بالملابس الإيرانية والتركية في بدايات حكمهم، ومن ثم سرت في البلاد بعض ملامحها لتمتزج بطابع الأزياء المحلية للعناصر التي عملت في خدمة بلاط دلهي. وبحسب تصاوير بعض المخطوطات التي تعود لهذه الفترة يتضح أن الأزياء الهندية المحلية أخذت طريقها نحو البلاط مثل الجاما الهندية ذات الأكمام الطويلة، التي يصل طولها إلى كاحل القدمين، التي كانت أطرافها تزدان بزخارف مطرزة بما في ذلك فتحتها الطويلة من الأمام، وظهرت أيضاً الجبة المفتوحة، وكانت تلبس فوق الجاما، بينما كانت العناصر العسكرية ترتدي صدرية من شبكة حديدية فوق الجاما، أما النساء في تلك الفترة فكن يفضلن ارتداء ثوب طويل قصير الأكمام فوق قميص طويل الأكمام. محاكاة رغم التقارب بين ملابس نخبة الحكم وعامة الشعب في هذه الفترة الأولى من تاريخ ممالك المسلمين بالهند، إلا أن ثمة تبايناً كبيراً في الأقمشة المستخدمة فقد كان الأمراء والنبلاء يستخدمون أقمشة الحرير والموسيلين الرقيقة المطرزة بالزخارف، والمنسوجة بخيوط الذهب والفضة والمرصعة أحيانا بالأحجار الكريمة. ومع اتصال الهند بالأقاليم الإسلامية عرفت صناعة النسيج في البلاد محاكاة صريحة ليس فقط للزخارف الإسلامية النباتية التي ميزت المنسوجات الإسلامية، بل وأيضاً لألوانها واستفاد الصباغون من التطور الكبير في علم الكيمياء لدى المسلمين ومن تطبيقاته الصناعية في مجال الأصباغ. ودخلت صناعة المنسوجات والملابس الهندية مرحلة جديدة في ظل حكم أباطرة المغول لشبه القارة الهندية، وبدأت هذه المرحلة بمحاكاة صريحة للزي المألوف لدى الأوزبك في عهد كل من بابر وهمايون مثل السترة القصيرة والسراويل الضيقة والأحذية الطويلة وكلها ملابس مألوفة للعناصر المقاتلة في المناطق الباردة بأواسط آسيا وأفغانستان. وجاءت الطفرة الكبرى في صناعة النسيج الإسلامي بالهند في فترة حكم جلال الدين أكبر، الذي يتحدث مؤرخه أبو الفضل عن خبرته الشخصية الكبيرة في صناعة وتجارة المنسوجات. وأنشأ أكبر مصانع صغيرة لتلبية احتياجات البلاط تعرف الواحدة منها باسم كار خانه. واهتم بورش النسيج والصباغة وحياكة الملابس. واشتهر اسم جياشي نقشبندي كمسؤول عن هذه الورش خلال عصر أكبر، كما استدعى أكبر لبلاطه أشهر صناع الحرير والمشتغلين بتطريزه فقصده أمهر الصناع من الأقاليم الإسلامية المجاورة حاملين معهم الطابع الإسلامي في الزخرفة والتقنيات الصناعية، وكان كافة العاملين في كار خانة أكبر يعاملون في البلاد كموظفين ملكيين يسمح لهم بالوصول إلى شراء أفضل الخامات المتاحة في أرجاء الهند. زخارف نباتيةخلال فترة أكبر ثم جهانكير وشاه جهان من بعده أخذت المنسوجات الهندية تصبغ بالطابع الإسلامي بألوانها المشرقة، وبزخارفها المؤلفة من العناصر النباتية. من جهتهم، أسبغ النساجون الهنود على أقمشتهم طابعاً محلياً تميز بتناسق الألوان والعناية بمحاكاة الطبيعة في رسوم النباتات ما منح المنسوجات الإسلامية بالهند شهرتها كأفضل منسوجات آسيا التي يعني الرحالة من زوار الهند بالإشادة بها. ويحتفظ المتحف الوطني بنيودلهي ببعض الأقمشة التي تعود إلى فترات مختلفة من عصر الدولة المغولية بالهند ومنها جزء من قطعة نسيج صنعت في شانداري والى عام 1640 م تتميز حوافها بزخارف إسلامية ذات طابع إيراني واضح، وهذه القطعة من نسيج القطن البرتقالي اللون مع زخارف بخيوط الذهب، وتضم زخارفها رسوماً آدمية نظمت بشكل دائري. صبغة إسلامية الأزياء شهدت تماهياً كبيراً مع الأزياء الهندية المحلية بعد صبغها بصبغة إسلامية ظاهرة، إذ شجع أكبر استخدام الجاما الهندية من نوع شاكدار والقريبة مما يستخدم عند ملوك الراجبوت، وذلك بعد التوسع في ألوانها عوضاً عن اللون الأبيض المألوف فيها، وزاد أكبر استخدام حزام الوسط المعروف باسم الباتاك والبيجاما الهندية، ليصبحا معاً الزي العصري لرجال البلاط المغولي. وتفنن الصناع في تزويد طرفي الباتاك بزهور عدت وقتها لمسة فنية خاصة بالبلاط المغولي. وشهدت أزياء النساء في البلاط المغولي، تسيداً لرداء الشاجاتي الطويل مع غطاء رأس سابغ يعرف باسم جاهجراً وصدرية تحجب منطقة الصدر عن عيون الناظرين، وهي تعرف باسم الشولي، ويكاد زي مسلمات الهند الآن يماثل هذا الزي الخاص بنساء بلاط أباطرة المغول بالهند. شبه القارة الهندية عالم حافل بأجناس وعقائد ولغات شتى، ومنذ القدم هذا العالم له شخصيته المستقلة وفلكه العقائدي والفلسفي الخاص، اقتحم الإسكندر الأكبر بلاد الهند غازياً وخلف وراءه تأثراً كبيراً بفنون الإغريق، ولكن دون تبديل كبير في شخصية الهند. وبدءاً من عام 92 هـ دخل الإسلام إلى الهند من جهة السند والبنجاب، ولكن نجاحه الأكبر كان في جنوب البلاد عبر التجارة الموسمية لينتشر الإسلام سلمياً بين الطبقات المقهورة والفقيرة هناك، وبدورهم نقل الهنود المسلمون دعوة الإسلام وحضارته إلى ما جاورهم من جزر المحيط الهندي وسواحله الجنوبية. أدرك المسلمون مبكراً أنهم يدخلون عالماً خاصاً فتعاملوا معه برفق يناسب البلد الذي كتب عنه البيروني كتابه الشهير «تحقيق للهند من مقولة في العقل أو مرذولة»، فكان الإنتاج الفني للهند في العمارة والفنون الإسلامية عروة وثقى بين روح الفن الإسلامي وشخصية الهند التليدة، هنا وعلى مدار الشهر الكريم نعرض لأهم ملامح إسهامات الهند في الفن الإسلامي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©