الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصر بعد الانتخابات: أسباب الفوضى وضرورات الإصلاح

مصر بعد الانتخابات: أسباب الفوضى وضرورات الإصلاح
23 يونيو 2012
هل يمكن للأحزاب السياسية أن تتماشى مع الديمقراطية؟ في مصر يبدو أن الأمر كذلك بعدما بعث الناخبون المصريون برسالة واضحة مفادها أنه في الوقت الذي يتم فيه الدفاع عن حقوق المرأة، تحصل حركة دينية مثل جماعة "الإخوان المسلمين" على أصوات في البرلمان جعلتها قوة سياسية رئيسية في البلاد، وإن كانت هذه المكاسب تم الانقلاب عليها مؤخراً بعد قرار من المحكمة الدستورية بعدم دستورية إحدى المواد في القانون المنظم للانتخابات النيابية. لكن، وفي محاولة منه لاستشراف الوضع في مصر بعد التطورات الأخيرة، انخرط الأستاذ بالجامعة الأميركية في القاهرة، عز الدين فشير، على مدار الأسابيع العشرة الأخيرة، في كتابة رواية مسلسلة حول فشل الثورة المصرية التي اندلعت أوائل العام الماضي للإطاحة بنظام "مبارك"، فشلها في تحقيق أهدافها المعلنة، وما سيعقب هذا الفشل من حكم عسكري ممتد، وهو ما سيقود بدوره، حسب الرواية، إلى موجة ثانية من الثورة تجتاح مصر، تغلب عليها وتتصدرها الحركات الاحتجاجية، وقد تدخل البلاد في حالة من الفوضى السياسية. وتتوقع فصول الرواية أن الأمر ربما يستغرق من المصريين تسع سنين قبل أن يخرجوا من كابوس الدكتاتورية الجاثم على صدورهم. لكن رغم الطابع المتشائم الذي ترسمه الرواية حول التطورات الآنية للثورة المصرية، إلا أنها في النهاية تخرج بخلاصة مفعمة بالتفاؤل، معلقةً الأمل على الأجيال المصرية الشابة المتعلمة التي وإن كانت تجد نفسها اليوم محشورة بين سندان "الإخوان المسلمين" ومطرقة جنرالات الجيش، فإنها في نهاية المطاف سوف تتمكن من المقاومة والخروج بالبلاد من المأزق في وقت أقرب مما يتصور البعض. والحقيقة أن استشراف "فشير" لمستقبل الثورة المصرية يبدو صحيحاً إلى حد ما، وذلك من وجهة نظري الشخصية على الأقل. وبطبيعة الحال فقد كانت الأجواء المخيمة على القاهرة قاتمةً خلال الأسبوع الذي سبق جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، والتي جرت نهاية الأسبوع الفائت بعدما قام الجيش المصري بمنع "الإخوان المسلمين" من السيطرة على البرلمان والرئاسة معاً. فقبل يومين من موعد جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة، أصدرت المحكمة الدستورية قراراً متعجلاً بعدم دستورية قانون الانتخابات الذي فازت بموجبه جماعة "الإخوان المسلمين" بنصف مقاعد البرلمان تقريباً، علماً بأن جميع قضاة المحكمة الدستورية التي أبطلت البرلمان المنتخب عُينوا من قبل نظام مبارك، ثم وبناءً على قرار المحكمة الدستورية، تحرك الجيش سريعاً ليعلن حل البرلمان المنتخب والإمساك مجدداً بجميع السلطات، بما في ذلك الصلاحيات التشريعية التي كان يضطلع بها البرلمان. بل الأكثر من ذلك، فقد أوكل الجيش لنفسه، بموجب الإعلان الدستوري المكمل، صلاحية كتابة دستور جديد لمصر، يقول الجنرالات إنه ستعقبه انتخابات برلمانية جديدة. وكأن هذه التطورات المتسارعة لا تكفي، فقد فوجئ المصريون أيضاً بمُستجد آخر تمثل في إعلان مرشح "الإخوان"، محمد مرسي، تقدمه في الانتخابات وفقاً للنتائج الأولية غير الرسمية، وذلك في الوقت الذي اعتقد فيه قطاع واسع من المصريين أن الفائز سيكون أحمد شفيق، هذا الأخير الذي رفض الاعتراف بالأرقام المقدمة من قبل "الإخوان" فاتحاً الباب أمام مواجهة محتملة. وفي تصعيد آخر ما زال "الإخوان المسلمون" يصرون على شرعية البرلمان المنحل، ويؤكدون أنه سيعقد اجتماعه حتى في ظل تطويق الجنود لمقر الهيئة التشريعية ومنع أعضائها من الدخول. ومع أنه لا أحد في مصر يعرف على وجه اليقين ما سيجري لاحقاً، إلا أن الكثيرين يتوقعون حدوث أعمال عنف ونوعاً من انعدام الاستقرار. فما الذي يمكن أن يدفع، وسط هذه الغيوم والإشكالات المعقدة، للاحتفاظ بالأمل؟ أولاً لأنه حتى لو لم يتحرك الجيش لقطع الطريق على "الإخوان"، فإن الرأي العام المصري رفض بالفعل محاولات الأسلمة التي تقوم بها الجماعة وأنصارها، فخلال زيارتي الأخيرة إلى مصر كان واضحاً تراجع شعبية "الإخوان المسلمين" منذ الانتخابات التشريعية في شهر نوفمبر الماضي، فقد منحت الطبقة العاملة أصواتها لمرشحي "الإخوان" باعتبارهم أناساً متدينين، لكن العديد من الناخبين غضبوا من "الإخوان" لاحقاً عندما لم يحققوا الكثير خلال الشهور التي قضوها في البرلمان، وعندما أخلفوا بوعدهم الخاص بعدم الترشح لانتخابات الرئاسة، مما اعتبره العديد من المصريين نهماً على السلطة ورغبة في "التكويش". هذا بالإضافة إلى النفور المتزايد لدى الثوار الشباب الذين كانوا وراء ثورة 25 يناير إزاء جماعة "الإخوان المسلمين"، لاسيما بعد أن زعم "الإخوان" أنهم جزء من الثورة دون أن يقفوا إلى جانب مطلقيها ضد الشرطة في ميدان التحرير، كما أخافوا الأقباط والعديد من النساء. والأكثر من ذلك، فقد أساء "الإخوان" تقدير درجة تدين الشعب المصري، ففي البداية أكدوا أنهم لن يفرضوا الشريعة، لكن بعدما تصاعدت قوتهم بدأوا يدعون لتجمعات تطالب بتطبيق الشريعة. وبدلاً من التركيز على الإصلاحات الاقتصادية في البرلمان، تحدّث أعضاء وممثلو الجماعة عن سحب حقوق المرأة، أو منع الخمور وتقييد السياحة الشاطئية... وهو ما يفسر تراجع نسبة التصويت لفائدة "الإخوان" خلال الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية بحوالي النصف مقارنة بالانتخابات البرلمانية. ولو أن الناخبين غير الإسلاميين كانوا قد التفوا حول مرشح واحد، بدل تشتيت أصواتهم على العديد من المرشحين المتنافسين، لفشل مرسي في الصعود إلى الجولة الثانية. فلماذا إذن حقق مرسي تقدماً في الانتخابات؟ أولاً لأن "الإخوان المسلمين" وظفوا شبكتهم الاجتماعية في المناطق الريفية من البلاد، وهو ما يفيدهم أكثر عندما تكون نسبة المشاركة ضعيفة، وثانياً لأن بعض المصريين تصورا أن التصويت على شفيق هو بمثابة الرجوع إلى النظام القديم بكل ما فيه من قمع ودولة بوليسية، لذا فقد صوت بعضهم مرغمين لمرشح "الإخوان المسلمين". ويقودنا هذا إلى السبب الآخر الباعث على التفاؤل، فانتصار مرسي في الانتخابات إذا حدث لا يعني أنه يحظى بشعبية جارفة بقدر ما يعني عدم شعبية مرشح النظام السابق، وهو ما يعني أيضاً أن الجيش سيواجه ضغوطاً كبيرة إذا ما حاول إحياء النظام السابق، فمصر ليست الجزائر التي تقاتل فيها الجيش والإسلاميون حتى الرمق الأخير، متسببين في سقوط عشرات الآلاف من المدنيين، كما أن الوقت الراهن والظروف الدولية لا تسمح للجيش المصري بتكرار التجربة التركية قبل عقود خلت عندما كان الجنرالات يستولون بشكل دوري على السلطة كلما غضبوا من المدنيين. ولا يعني ذلك أنه لن تكون هناك فوضى سياسية قد تنشب في مصر على المدى القصير، لكن المصريين أصبحوا في الوقت الحالي أكثر تسيساً وقدرة على التعلم من أخطائهم السابقة. وأياً يكن الطرف الذي سيتولى السلطة عقب إعلان نتائج الدور الثاني من انتخابات الرئاسة، فإنه مُطالبٌ بالعمل على مباشرة الإصلاحات الاقتصادية والأمنية المستعجلة، وإلا فمن المؤكد أن ثورة أخرى ستندلع في البلاد. ترودي روبين محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشونال"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©