الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التأخر عن الزواج·· يخلخل المجتمع ويهز كيان الأسرة

التأخر عن الزواج·· يخلخل المجتمع ويهز كيان الأسرة
16 فبراير 2009 00:08
تحلم كل فتاة بالاستقرار والأمان منذ نعومة أظفارها، وترغب في تأسيس بيت وإنجاب أطفال، لكن تحول الظروف أحياناً ضد تحقيق هذا المراد، وتتجاوز سن الزواج لتدخل في مرحلة التأخر عن الزواج أو العنوسة· وتختلف أسباب ذلك من بلد لآخر، حسب المقومات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وتبقى النتائج واحدة· وتلتصق الظاهرة بالمرأة أكثر من الرجل العازف عن الزواج والذي يفضي مباشرة إلى العنوسة، والعنوسة تبقى حالة غير إرادية بالنسبة للفتاة وتفرضها عليها متغيرات المجتمع، وكثير من البلدان إلى زمن غير بعيد كانت لا تعرف لكلمة العنوسة طريقاً، أما اليوم فصارت هذه الكلمة متداولة في كل بيت، وتخدش حياء الفتاة، وتعرضها لنظرات المجتمع القاسية، التي غالباً ما تحملها المسؤولية، رغم أن العادات والتقاليد هي من تجبرها على الدخول في هذه المرحلة قسراً، بالإضافة إلى بعض المتغيرات الحديثة الشخصية والذاتية التي تكمن في رغبة بعض الفتيات في استكمال دراستهن وإثبات وجودهن في العمل، وتأخير فكرة الزواج والاستقرار لما بعد تحقيق الذات، مما يؤدي أحياناً إلى فوات قطار الزواج الذي يتحدد في سن معينة حسب كل بلد، بالإضافة إلى عوامل أخرى اقتصادية واجتماعية· الحلول موجودة جمال عبيد البح رئيس منظمة الأسرة العربية حالياً، ومدير عام صندوق الزواج سابقاً، يشرح الظاهرة ويقول إنها متشعبة، ولكن حلها ممكن وفي متناول اليد: ''نربط الظاهرة بالمتغيرات الاجتماعية والديموجرافية والاقتصادية، فمن فترة السبعينات إلى وقتنا الحالي نرصد وضع التحول السريع من خلال المراحل السابقة، والتحول السريع الذي واكب النهضة العمرانية والطفرة الاقتصادية بينما جعل القوانين الاجتماعية بها هشاشة، وما استطاعت أن تساير الوضع الجديد وما واكبها من تحولات سريعة من رخاء وازدهار في الدولة، وما كانت هناك قوانين تؤطر الزواج من أجنبيات، ولم تكن هناك دراسة أو وعي بسلبيات الزواج من غير المواطنات، أي انعكاساته على الفتاة الإماراتية على سبيل المثال، وأول ما بدأ الزواج من أجنبيات بدأ زواج المواطن الإماراتي بالآسيويات بالتحديد من الرجال كبار السن، وبعد ذلك بدأ الشباب المبعوثين للدراسة في الخارج سواء في دول عربية أو أجنبية يرجعون بزيجات أجنبيات، كما أن المبعوثين في الدورات العسكرية والبعض من أعضاء السلك الدبلوماسي في الخارج تزوجوا أيضاً من أجنبيات، بالإضافة لكل هذا فإن قوانين العمل والعمال لم تراع نوعية العمالة من النساء التي يتم جلبها للبلاد من أجل العمل، وكان من المفروض أن تعطى الأولوية لزوجات المستخدمين في الدولة أو بناتهم حتى لا نكثر العنصر النسائي، هكذا أصبح العرض أكثر من الطلب، ونتاج ذلك فتح اختيارات واسعة أمام الرجال، وبالتالي بدأ حظ الفتاة المواطنة في الزواج بالتراجع''· الزواج من أجنبي ويوضح جمال البح: هذه الأوضاع أفرزت ظاهرة جديدة، بحيث أصبحت النساء تتزوج من الخارج، أي من غير الإماراتي، وهذا بالطبع مرفوض من المجتمع إلى الآن، بل يعتبر خطوة مستهجنة، بحكم الأعراف والتقاليد، وهناك سلبية تؤكد أن بعض اللواتي تزوجن من أجانب تحكمهن بعض الأغراض كتسهيلات الإقامة للزوج والحصول على جواز السفر، وبعد أن يستنفذوا أغراضهم يتركون زوجاتهم وأولادهم عرضة للضياع، كما تترتب عليها سلبية أخرى تتمثل في ضياع حقوق الأبناء الذين ينحدرون من أب غير إماراتي، وكانت هناك بعض الحلول تقدم بها الصندوق لهذه الظاهرة لكن لم تطبق، وهناك دراسات تؤكد أن هناك ما يناهز 40 ألف مواطنة بدون زواج، بمعنى أن بين كل 20 امرأة توجد 4 غير متزوجات· يفيد جمال البح المدير العام لصندوق الزواج سابقاً: ''ليست هناك حلول رسمية بقدر ما هناك حلول بشكل فردي، فالنبي عليه الصلاة والسلام زوّج زيد بن حارثة ابنته من ابن عمه وهو مولاه، إذن هذه دلالة شرعية في الزواج، لكن مشكلة الأعراف والقوانين الوضعية تحول دون ذلك، وطبعاً من الناحية الاجتماعية تقلل نسبة العنوسة وتكفل للفتاة إيجاد شريك في الحياة لتكون أماً، وهو أنبل غاية عند المرأة في الوجود''· قتل الآمال في النفوس التأخر في الزواج يسبب مضاعفات اجتماعية وانعكاسات نفسية، إذ يقول محمد الشيخلي دكتور علم النفس الاجتماعي في هذا الجانب: ''أذكر هنا قصة لفتاة منذ وعت على الدنيا وهي تسمع أهلها يقولون فلانة لابن عمها، كبرت الفتاة، وكبرت فكرة الزواج من ابن عمها وتعاظمت في خيالها، بنَت جميع أحلامها على هذا الشاب، وهذا الأخير لم يكن يبادلها نفس الشعور، وفي يوم من الأيام تزوج من ثانية، انهارت الفتاة وتداعت أحلامها، وأضربت عن الزواج، سمع الأهل الذين كانوا السبب في نهاية هذه القصة، عرضوا عليها أخاه الصغير لتضميد جراحها وكان يصغرها بعشر سنوات، رفضت الأخ ورفضت الزواج بشكل قطعي، وهنا تلعب التقاليد والأعراف والعادات الاجتماعية دورها في تأخر سن الزواج، بالإضافة لعوامل أخرى كطموح الفتاة في التعليم والحصول على وظيفة معينة تطمح بها الى تحسين وضعها، وتطمع في رجل يتكافأ معها معرفياً، وبهذا إذا قبلت بزوج غير متعلم أو أقل منها في المستوى الدراسي قد نحكم على هذه الزيجة بالفشل ولا تستمر العلاقة في أغلب الأحيان أكثر من 6 أشهر، وهنا يجب التريث، وحسب الإحصائيات فمن بين كل 5 زيجات واحدة مطلقة، لهذا وخوفاً من هذا المعطى ''الطلاق'' فإن الفتاة والأهل من حقهم التريث في الاختيار، ومن حق الأهل الحفاظ على ابنتهم، بالإضافة لعوامل أخرى كالنسب والحسب واسم القبيلة ومن هي الأم، كل هذا يتداخل مع الجانب النفسي، فالفتاة لها مجموعة من الآمال والأحلام والمواصفات التي ترسمها في خيالها منذ يناعة أظفارها للظفر بعريس يلائم طموحها، كما أن الشاب صار يدرك أن بنت البلد تكلفه مبالغ باهرة وقد يرفض طلبه، وغير ذلك، فالأجنبية سواء العربية أو غيرها تبقى غير مكلفة، وحتى في حالة الطلاق تكون أقل تكاليف، بالإضافة للقلق والرهبة التي يسببها الزواج للبعض خوفاً من الإقدام على مرحلة جديدة''· سبق وحضرت عرساً لشاب مهذب مستواه عال أخلاقياً، وكان ذلك من سنة ونصف، تفاجأت هذه السنة وهو يحتفل بزواجه الثاني، وهذا المثال يؤكد أن العلاقات الإنسانية يحكمها الموروث الثقافي والتقاليد الاجتماعية ولا علاقة لها بالمستوى التعليمي أو بصغر السن أو كبره· العوامل النفسية تؤخر الزواج يقول محمد ناجي خبير التنمية البشرية عن موضوع التأخر في الزواج: ''لا يمكن عزل المتغيرات الاجتماعية التي تعيشها البلاد في جميع المجالات عن المتغيرات الاجتماعية، ورغم ذلك فإن هذه المتغيرات لم تؤثر بشكل كبير في الميدان الاجتماعي، بحيث لم يتم التخلي عن بعض العادات والتقاليد الاجتماعية، كغلاء المهور وارتفاع تكاليف الزواج واسم القبيلة، بالإضافة لذلك هناك عوامل نفسية قاهرة تؤدي إلى تأخر الزواج أو رفضه قطعاً، حيث يمكن أن تؤثر تجارب الوالدين التي يعيشها الأطفال في البيت بين أبوين لا يعرفان إلا الشجار والخصام، وأحياناً الضرب والإهانة، هذا الجو غير السليم، وغير الآمن بالنسبة للصغير، ينعكس على عقله الباطن، وينعكس فيما بعد على حياته الشخصية، وعايشت تجربة كانت بطلتها فتاة جميلة خلوقة مؤدبة لا ينقصها شيء كامرأة تصلح للزواج، لكنها كانت ترفض الزواج من كل من تقدم لها، لأنها رسمت في دماغها تشكيلة غير مضبوطة عن الزواج، انشغلت بالدراسة، ووصلت لسن متأخر، فشعرت بأن الأسباب القديمة التي كانت بالبيت من عنف وشجار ما جعلها تعدل عن فكرة الزواج، لكنها عندما فطنت للأمر وحاولت تجاوز الخلافات والترسبات الماضية ورسم حياة تخصها، تنسجها بطريقتها كان الزمان قد ولى· آثار وخيمة ويؤكد محمد ناجي: ''هذه الأسباب النفسية التي تؤدي إلى التخلف عن الزواج قد تسبب أعراضاً نفسية ينتج عنها البحث عن الحنان في غير المحارم، وذلك يؤدي حتما لارتكاب المعاصي وبعض التجاوزات، وهذا التأخير أو رفض الزواج يكون اختيارياً في بعض الأحيان، بينما أحيانا أخرى يكون مفروضاً، حيث يتدخل الآباء في تأخير زواج بناتهم، حيث ينتظرون مميزات معينة في العريس من معرفة وحسب ونسب ومستوى مادي، وقد اطلعت على بعض الحالات بحكم عملي، حيث يكون الأب سعيداً براتب ابنته التي درست وحصلت على وظيفة معينة، ويقول انه صرف عليها أموالاً طائلة، ويخاف من استمتاع الزوج المفترض براتب ابنته، ومن تم يستمر في رفض العرسان، فيكتنف البنت القلق والنقمة على الأهل الذين تسببوا في تأخير زواجها، وقد تفكر في الانتقام بالتفريط في نفسها وعرضها بطريقة لا شعورية، وهذا بالطبع مخالف لتعاليم ديننا الحنيف حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ''إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه، إن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير''· والزواج من غير المواطنة له انعكاسات سلبية على المجتمع، وذلك أن الشاب عندما يتزوج بأجنبية غير عربية فإنه يساهم في ضياع اللغة العربية لأبنائه، وهذه مشكلة كبيرة، بحيث كثير من الأطفال لا يعرفون اللغة العربية في ظل انشغالات الأب وعدم مساهمته في تنشئة أولاده، ولسان الأم ضعيف بالإضافة لمفهوم الأسرة الذي سيصبح هشّاً وضعيفاً، وتلقائيا يكنّ الابن لأمه ولاء عاطفياً أكثر من أبيه، ويميل للأم وثقافتها وموروثها، والزيجات الأجنبية والابتعاد عن الزوجة المواطنة له تداعيات خطيرة قد تمحي مع مرور الزمن آثار الأسرة والقضاء على نواتها إن استمر هذا النزيف من الرجال في اتجاه النساء الأجنبيات· أفكار ذكية راشد المنصوري رئيس أكاديمية الفرحة لعلوم الأسرة في بريطانيا يقترح بعض الحلول: ''الفتاة ما بين سن 18 و25 هو العمر المثالي للزواج بالنسبة لمجتمع الإمارات، وبعد هذا السن ندخل في تأخير الزواج، ويتغير هذا المفهوم من دولة لأخرى، بل من عائلة لغيرها حسب المستوى الثقافي والاجتماعي لكل بيت، وكان قديماً عمر الزواج يبدأ من 15 سنة، لكن المتغيرات الحالية ونظرة الفتاة لمستقبلها الدراسي بات يغير المفاهيم''·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©