الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العنف لغة الضعف وغياب العقل

العنف لغة الضعف وغياب العقل
16 فبراير 2009 00:06
إن ممارسة العنف اللفظي أو الجسدي ضد المرأة، سلوك بشري يرتبط بشكل مباشر بالثقافة الذكورية التي تأصل لدونية المرأة ومكانتها ودورها، وهو اعتداء على إنسانيتها وكرامتها، ويدلل على فشل التعامل معها باعتبارها كائناً متساوياً في الحقوق والواجبات، وفي الوقت نفسه يعكس واقع من التخلف والجهل والهمجية وعقدة التفوق لدى الرجل· ولعله سلوك مرضي يتوارثه الذكور على مر العصور، وممارسة هذا العنف ضد الانثى هو انعكاس لهذا الموروث· وللأسف، فإن بعض النسوة يقبلن هذا المنطق على أساس أنه موروث ديني وشعبي معزز بقوانين تمييزية، وأن عقابهن هو حق للأزواج، ولا يجب أن تفضح المرأة نفسها إن باحت أو شكت منه! فالمثل الصيني - الذى يقول -''المرأة مثل البساط·· تحتاج العصا للتخلص من الغبار العالق بين حين وآخر''، يشير إلى ثقافة ذكورية بالية يرفضها العالم المتحضر، فكندا كانت أول دولة جعلت من العنف الزوجي سبباً للطلاق عام ·1960 بينما لم تسمح فرنسا بإجراء إحصاء اجتماعي عن العنف ضد النساء حتى عام ·1997 وفي إسبانيا لم يصدر قانون يحمي النساء ضحايا العنف حتى ،1998 بعد أن أحرقت سيدة نفسها بسبب تعذيب زوجها لها· ففي أميركا، هناك 30% من النساء يعانين العنف، وفي روسيا يتسبب العنف الزوجي في قتل أكثر من 150 ألف امرأة سنوياً· ومجتمعنا العربي لا يسلم من هذه الظاهرة، لكن إلى أي حد يمكن قبول هذا المنطق؟ رد فعل تقول رانيا معن ''أخصائية تغذية'': ''إنني سمعت هذا المثل من قبل، وهناك أمثلة وأقوال مشابهة في ثقافات عديدة، وأعتقد أن تطبيقه يمثل الوجه السلبي لعلاقة الرجل بالمرأة، أو علاقة الزوج بالزوجة، وإذا كان معناه يقضي بحاجة المرأة دائماً إلى الضرب، فهذا غير صحيح على الإطلاق، وأعتقد أن ضرب الرجل للمرأة غالباً ما يكون (رد فعل) لتصرفها، واستفزازها لمشاعره، وفي المقابل عندها ستواجه المرأة الضرب بردود أفعال غير مقبولة عند الرجل، وربما تكون أسوأ، وعليها ألا تستفزه، فكل إنسان به جوانب ضعف معينة، وقد يكون الضرب انعكاساً لشعور الرجل بالنقص، أو لرغبته فرض ثقافة الذكورية القائمة على العنف، أو يضرب زوجته عندما يفقد أعصابه، وهو سلوك يشابه سلوك الحيوانات، ويهمش صوت العقل، فكل طرف مسؤول عن تصرفاته، ولا يجب أن تكون هذه التصرفات همجية أو غير أخلاقية· وعما إذا كانت تتقبل ضرب الرجل افتراضاً، قالت رانيا معن: ''على الأنثى منذ البداية ألا تجر الرجل (الزوج) إلى مثل هذا التصرف، ومن الوهلة الأولى عليها أن تفرض احترامها، وتحدد خطوط التعامل، فليس من الجائز أن يضرب الرجل زوجته مباشرة من الوهلة الأولى، بل هناك مقدمات، وعلى المرأة الذكية أن تعمل ألا يصل زوجها إلى هذا التصرف المرفوض، ويجب أن تسود علاقة من نوع آخر أكثر رقياً وإنسانية بدلاً من هذا النمط من التعامل''· ويقول حسين العدوي ''موظف'': ''إن الزوجة هي المسؤولة أولاً وأخيراً عن تحويل الزوج إلى شخص عنيف، وذلك بطريقة المعاملة، فالزوجة من الممكن أن تجعل من الزوج الشرير متقلب المزاج شخصاً آخر، بل وتعدل من سلوكه إلى الأفضل، وذلك بالمعاملة الحسنة، وحسن التصرف معه، والعكس صحيح حينما تقوم باستفزازه وتتفنن في مضايقته أو إهانته، مما يؤدي به الى توجيه عبارات التجريح لها وقد يتلفظ بألفاظ نابية ثم يضرب، وفي كثير من الأحوال تتعمد الزوجة طرح مشاكل المنزل على زوجها في أوقات غير مناسبة، وتسيء معاملة زوجها، خصوصاً إذا كان يحبها، وتشعر أنه لا يستطيع الاستغناء عنها، وفي هذه الحالة تثور عند الزوج الغيرة على كرامته، الأمر الذي يؤدى به الى العنف· وربما استخدم البعض الضرب اعتقاداً منه أنه نوع من التوبيخ الرادع فقط متناسياً أن هناك طرقاً وأساليب للتوبيخ بعيداً عن هذا التصرف المشين''· أما ريتا أمير ''إخصائية التجميل''، فترى أن طريقة التعامل بين الرجل والمرأة تحددها ثقافة المجتمع ونوع التنشئة الاجتماعية للطرفين، ومن ثم فإن كل طرف هو الذي يحدد نوع وطريقة التعامل بينهما، فالمرأة عامة لا تحب ولا تود أن تضرب أو تؤذي، إلا إذا كانت حالة شاذة، لكن كل طرف قد يحدد أحياناً أو يفرض على الطرف الآخر أن يغير أسلوبه، فإذا استفزت المرأة الرجل أو أهانته أو لم تستوعب لغة الحوار العاقل بينهما، فأحياناً يلجأ البعض إلى لغة العنف، وهي لغة مرفوضة ومتخلفة، وكثير من الأزواج الذين نراهم يتعاملون بهذه الطريقة، إنما هم أسرى فكر وثقافة اجتماعية بالية· فالعنف عامة لا يتفق وطبيعة الأنثى وما تتمتع به من رقة وعاطفة وإحساس مرهف، وبالإمكان أن يستثمر الرجل هذه الصفات بشكل إيجابي دون أن يعتعمد على أسلوب الضرب والعنف· الشريعة الإسلامية وضرب الزوجة أمر القرآن الكريم بالإحسان إلى الزوجة، وإكرامها، ومعاشرتها بالمعروف، حتى عند انتفاء المحبة القلبية، فقال:(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)· كما بين أن للمرأة حقوقاً على زوجها، كما أن له حقوقاً عليها، فقال: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ،228 والآية تدل على أن للرجل حقاً زائداً، نظير قوامته ومسؤوليته في الإنفاق وغيره· وقد أوصى النبي (صلى الله عليه وسلم) بالإحسان إلى الزوجة وإكرامها، بل جعل خير الناس من يحسن إلى أهله، فقال: ''خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي''، ومن جميل ما ذكره النبي (صلى الله عليه وسلم) في شأن الإحسان إلى الزوجة، أن إطعام الزوج لزوجته، ووضع اللقمة في فمها، ينال به صدقة، فقال: ''وإنك لن تنفق نفقة إلا أجرت عليها حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك''، وقال أيضاً ''اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف''، ومعنى ''ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه'' أي: لا يأذنّ لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم سواء كان المأذون له رجلاً أجنبياً أو امرأة أو أحداً من محارم الزوجة، فالنهي يتناول جميع ذلك· الصين تتصدى للعنف الأسري سنت الصين قبل عامين تشريعاً يجرم العنف الأسري ضد المرأة، فالمرأة الصينية تحتل 45,4% من إجمالي الأيدي العاملة في الصين، وقد اتخذت اتحادات النساء الصينية على مختلف المستويات إجراءات كثيرة لدفع تطور النساء في مختلف المدن والأرياف· وخلال السنوات الخمس الماضية، أنشأت أكثر من 260 ألف قاعدة تدريبية لخدمة النساء، وأضافت مضامين لمكافحة العنف الأسري، وذلك ضمن قانون حماية حقوق ومصالح المرأة الذي تم تعديله مؤخراً· وأصدرت 25 مقاطعة ومنطقة ومدينة صينية لوائح وسياسات تحد من ظاهرة العنف الأسري ووضع حد له، وإنشاء مراكز لمكافحته، ومحطات الشكاوى ومراكز تحديد الإصابات التي قد تنتج عن العنف الأسري والملاجئ وأماكن الإغاثة من أجل تقديم المساعدات القانونية والاجتماعية للنساء اللاتي يتعرضن للانتهاكات· وفتح اتحاد النساء لعموم الصين موقعاً على شبكة الإنترنت لحماية حقوق ومصالح النساء وتقديم مساعدات قانونية لهن في31 مقاطعة ومنطقة ومدينة صينية عبر خطوط هاتفية ساخنة لخدمة النساء''· ثقافة ذكورية بالية ترى الدكتورة نوال صالح المهيني الاستشارية الاجتماعية وخبيرة التنمية البشرية في دولة الكويت، أن دلالات هذا المثل تعكس الثقافة الصينية القديمة التي كرست استعباد المرأة وتحقيرها والنظر إليها بدونية حتى وقت قريب، شأنها في ذلك شأن المجتمعات البدائية، وهو تشبيه غير منطقي وغير متكافئ، فليس هناك أبلغ من الحالة التي كرمها عليها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، وأوصى بها الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) في أكثر من حديث شريف، والعنف دليل واضح على غياب الحوار والعقل، وتتركز خطورة ضرب الزوجات بصورة أساسية في الأثر النفسي والاجتماعي السلبي الذي يتركه على الأولاد، الذين غالباً ما يعيشون مع مشاهد العنف تلك لتفعل فعلها في شخصياتهم، إما باتجاه الانغلاق على النفس والسلبية في التعامل مع المجتمع والضعف في الشخصية، أو عبر نقل الرغبة في العدوانية إلى الأولاد ذاتهم، الآن الوضع اختلف، فالعالم قد تغير وتغيرت المفاهيم والثقافات، ولم يعد للغة الضرب والقسر والسبي وجود في هذا العالم''·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©