الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

حوار المعتقدات

24 يونيو 2013 00:27
دار حوار من العيار الثقيل بيني وبين مخضرم تُحسَبُ له صولات وجولات في عالم الكتابة والتدوين وفي نهاية «الفلسفة» قال: ما تتحدثين عنه مجرد خزعبلات ليس لها قاع أو قرار. فقلت له: سيدي العزيز، دعني أفسر لك معنى المعتقد الشعبي، فهو ذلك الأرث المتجذر في منظومة الفرد وانتمائه للجماعة وذاكرتها الكمية المتأصلة في معتقداتها الدينية والأسطورية وتأثير مخرجاتهما على المسلكية الاجتماعية. لذا تشكل الذاكرة والبيئة والموقع الاجتماعي عناصر مهمة لوضع أساسيات مؤسسة الذاكرة التي تعتمد على المتناقلات الشفاهية والمؤثرات المعززة لرموز الجماعة ومكرسة لهويتهم. فالمعتقدات الشعبية من معايير التجانس والانسجام، وهي أيضاً تلك الجسور والسلالم التي ترتقيها الشعوب في تعاملها مع الذات والعالم والآخر. ويفرض مفهوم الوجدان الجمعي مبدأ لا يختلف عليه أحد ألا وهو من لا تراث له.. لا وطن له، لذا فإن تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة الشفاهي يسكن في أذهان أبنائه، وتناقل هذه المعتقدات من جيلٍ لآخر امتداداً للثقافة الحسية والمعنوية، التي تطرح تصوراً لقيمه ومفاهيمه واتجاهاته السالفة، وبالتحديد ما كانت أساساً للثقافة العامة وما استسقتها الممارسات الاجتماعية بتلقائية وبشكل فطري يمارسه الأفراد يومياً بلا سؤال ولا تحليل. وللمعتقد الشعبي ظروف وعناصر متداخلة تربط بينه والطقوس والأعراف والفكر والثقافة التي تعكس ما نمارس من سلوكيات نتذوقها ونحللها، فنضعها في أطرها ومضامينها الحقيقية والبعيدة عن مس الغريب وتدخلاته. لذا فإن المعتقدات الشعبية ترتكز على التعبيرات الشعبية المتداولة وتفاصيل التعامل مع الويلات والأزمات الشخصية وما يستشعر الجسد، وكيفية تعامل المجتمع مع الميتافيزيقيا ونظريات ما وراء الطبيعة والوجود التي نهجها الأجداد، وحتى مفردات اللغة التي تُعَـدُ جميعها من المقومات الرئيسية لرحلة الفرد والوطن، ومن أهم رواسي مواطنته، ونأمل أن نحفظ للأجيال القادمة هذا الإرث الذي أصبح في عهدتنا لاستدامته بدلاً عن اندثاره. فنظر المخضرم لي بنظرة باهتة ثم قال: «اللي يسمعك بيتحراك تتكلمين عن حلواة شارع العروبة؟»، فهي بالإضافة إلى كونها نقطة ضعف، هي من هواجس الذاكرة وممارساتها اليومية، إذ لا يمر عليّ يوم لا أتذكر فيه طفولتي، وقرب تلك المعتقدات من محيط حياتي. فضحكت على هزيمته حتى غلبت فكرة الحلوى على جميع منافذ العقل، واختليت في زاوية فكرية حادة، خصصتها للمعارك التي أخوضها بين الحين والآخر مع من يستهين بالحجة الملحة والآنية للعودة إلى زمن بعيد، ولكنه في متناول اليد، وكان الأصح أن أقول إننا في زمن أشبه بزوج الأم. سنظل نحفر في تفاصيل الذاكرة حتى تتجلى معالم الهوية المنحوتة على جدرانها، فلا طمس وتشويه، بل بقاء واستدامة. للعارفين أقول، الذي لم يأكل الحلوى بو الفراخ من شارع العروبة ونخي من الصندقة اللي وراء السيلمة.. ليس من أعضاء فريق عمري وليس له في مشاريع ذاكرة أبناء جيلي ناقة أو جمل. د. عائشة بالخير | bilkhair@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©