السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الثقافة العربية.. الغائبة والمغيَّبة؟!

الثقافة العربية.. الغائبة والمغيَّبة؟!
16 يناير 2013 19:48
واجهت الثقافة العربية كما واجه المثقفون في التاريخين الحديث والمعاصر، أحداثاً وتطورات وظروفاً كان تأثيرها عميقاً وشاملاً عليهم وعلى دورهم ومسيرتهم في مختلف المجالات، ومن أهم هذه الأحداث غياب الحامل الاقتصادي والاجتماعي للنهضة أو ضعفه على الأقل، وبالتالي عدم نشوء فئة من المثقفين كافية عدداً وأفكاراً لتسهم في هذه النهضة، ويعني بها مؤلف هذا الكتاب حسين العودات ضعف الطبقة الوسطى العربية التي عادة ما تحرض على نشوء مثقفين يحملون راية النهضة. لذلك بقي دور المثقف والثقافة ضعيفاً ومتواضعاً، فلم يستطع هؤلاء نقد التراث ولا إحياء الثقافة أو تطويرها، ولا تحقيق إبداع مهم، فاضطروا للأخذ بثقافة النهضة الأوروبية، وتقليدها من دون إبداع حقيقي، فكانوا بالإجمال مقلدين أكثر منهم مبدعين، وأخذت الثقافة العربية تتماهى مع الثقافة الأوروبية، أو على الأقل تتبع خطاها، وتشعر بالدونية أمامها، وتفقد خصوصيتها من جهة وجزءاً من مساهمتها الجدية في الثقافة الإنسانية من جهة أخرى، وبدلاً من أن تسهم في التثاقف، فتحت الأبواب للاختراق الثقافي. هامشيون يرى المؤلف أن المثقفين العرب لم يستخدموا العقل كما يجب أن يستخدم، وأن الثقافة العربية لم تتخلص من هيمنة النقل، كذلك لم تستفد من معطيات النهضة الأوروبية في مجال معايير الدولة الحديثة كالحرية والديموقراطية والمساواة وتكافؤ الفرص وغيرها. لذلك، لم يؤد المثقفون دوراً أساسياً في تطوير المجتمع وتحديد ملامح الدولة الحديثة وتحقيق النهضة، وقد انكفأوا على أنفسهم أو اهتموا بالأدب والشعر أو عملوا على تقليد الثقافة الأوروبية، وبقوا في كل الحالات مهمشين جزئياً، ولم يكن لهم دور في التاريخ الحديث والمعاصر يعتد به، يتناسب مع الدور الذي أخذت تؤديه الثقافة ويؤديه المثقفون المعاصرون في مختلف المجتمعات الأخرى، وقد نتج عن الحكم الإقطاعي العثماني خلال مئات السنين تخلف المجتمع العربي اقتصادياً وثقافياً وسياسياً، واتسم هذا المجتمع خلال تلك الفترة بانتشار الأمية والتقاليد البالية والانغلاق المحلي والبعد عن الحضارة وانتشار الخرافات وإطباق الفقر على حياة الناس، وبعد ذلك لم يسهم الاستعمار الأوروبي بدوره في المساعدة على نهضة عربية جدية وشاملة. وقد قامت في إثر هذا الاستعمار في ما بعد، أي منذ بدء مرحلة الاستقلال، دول ضعيفة وهشّة ليس لها حامل اجتماعي، اقتصادي كاف، ما أدى إلى ضعفها عموماً، وعدم تمثيلها شرائح اجتماعية واسعة، وأغرى العسكر بالقيام بانقلابات، وفرض ديكتاتوريات، كانت بدورها هشّة وضعيفة. وقد زاد الطين بلة قيام إسرائيل، حيث أدت الصهيونية دوراً في استمرار التخلف العربي، وفي عسكرة المجتمعات العربية التي وجدت مبررها، تحت شعار مواجهة الغزو الصهيوني ومساعدة المجتمعات التي ما زالت تحت الاستعمار على التحرر منه. وفي الحالات كلها، افتقدت المجتمعات العربية الحريات وانتكست حركة النهضة والديموقراطية، ما أدى في النهاية إلى انتكاس الثقافة وتهميش المثقفين. ولم يختلف الأمر بعد قيام أنظمة قومية شمولية؛ لأنها طرحت شعارات جعلت معظم المثقفين إلى جانبها، باعتبارها داعية إلى التحرر والاستقلال والتقدم والاشتراكية، وعملت جدياً على نشر مفاهيم الالتزام، أي التزام المثقفين قضايا الجماهير التي تبنتها الأنظمة، ما عطّل الإبداع وهمّش دور المثقفين والثقافة لحساب الأيديولوجيا والسياسة. الحداثة وما بعدها يذهب المؤلف إلى أن مشاكل المثقف والثقافة زادت تعقيداً بعد انتشار مفاهيم الحداثة وما بعد الحداثة في المجتمعات الأوروبية، ومحاولات المجتمعات العربية في تقليدها، مع أن الشروط الموضوعية في هذه المجتمعات (العربية) غير متوافرة لتطبيق مفاهيمها (أي الحداثة) ولا مفاهيم ما بعدها، وأدى ذلك، إلى أمرين كانا خطيرين على المجتمعات العربية وعلى الثقافة العربية عموماً: أولهما فهم الحداثة وما بعد الحداثة على أنهما استمتاع بمنتجات الحداثة الغربية الصناعية والاستهلاكية عموماً، من دون الاهتمام بمفاهيمهما الجدية الفلسفية والفكرية أو الأخذ بها. ولعل فقدان الحرية لم يتح للمثقفين العرب الخوض في هذه القضايا، وبقي الاهتمام منصباً على التقاليد الاستهلاكية، وقيم الحداثة الاستهلاكية، ونمط الحياة الاستهلاكي، وتلقي مفاهيم ما بعد الحداثة بارتياح مثل مفاهيم النهايات (نهاية الأيديولوجيا، نهاية التاريخ...) من دون دراستها ومعرفة مدى مواءمتها لمجتمعاتنا ومدى فائدتها أو عدم فائدتها لها، وبيان الهوة الكبيرة التي تفصل مصالح هذه المجتمعات عن هذه المفاهيم. يقول العودات: «لقد برزت مشاركة المثقفين في شؤون مجتمعاتهم وفي الشأن العام بعد قيام دول الاستقلال العربية، وخاصة في الفترات الوحيدة التي تولت البورجوازية الوطنية السلطة في بعض البلدان العربية؛ فقد استطاعت الطبقات الوسطى في مجتمعات هذه البلدان، أن تقود البلاد أو تسهم في قيادتها، وتعمم قيمها الفلسفية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، كما كان الحال في مصر بين عام 1919 وعام 1952، وفي سوريا بين العامين (1946- 1949) و(1954- 1958)، وفي العراق في بداية النصف الثاني من القرن الماضي، حيث توسعت عموماً في أنظمة هذه البلدان هوامش الحرية والديمقراطية، وتعزز الانفتاح الثقافي، وارتفع مستوى وعي الشعب عامة، وصار للثقافة دور تقوم به في حياة الناس، ووظيفة هامة تؤديها، وغدت شريكاً في رسم ملامح التوجهات العامة للمجتمع في مختلف المجالات، هذا إضافة إلى تأثير الدور اللبناني الذي ازدهرت فيه الثقافة، وأتيح لها وللمثقفين اللبنانيين والعرب الحرية الكاملة للإبداع، والاطلاع على التيارات الثقافية العالمية والاستفادة منها إلى حد بعيد. سقف للتفكير رغم رفع الأنظمة الشمولية شعارات التحرر والاستقلال والوحدة والمساواة والتقدم وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية وما شابهها، إلا أن هذه الأنظمة ضيقت في الواقع وفي الوقت نفسه على الحريات العامة، ولم تطبق معايير الدولة الحديثة على دولها، ففرضت الحصار على المثقفين، والرقابة على الإبداع بمختلف أنواعه وجوانبه، ولم تتح فرصة لتعدد الأفكار والآراء، وسوغت لنفسها ممارسة ذلك بقولها إنها تؤمن بالتزام مصالح الجماهير عامة، والتزام المثقف هذه المصالح خاصة، وبالتالي حددت سقفاً للتفكير وحرية الرأي والحوار والإبداع، وإن كان المثقف في العصور السابقة يضطر إلى موالاة الحاكم خوفاً من سيفه أو طمعاً بذهبه، فإنه أصبح في الأنظمة الشمولية أسيراً للابتزاز وأداة للتحزب لهذه الأنظمة، وللعمل في ضوء تعليمات السياسي وقائد الحزب وقيادته وشروطهما. وقد اضطر المثقفون المنتسبون إلى أحزاب، أو الموالون لها، أو حتى المثقفون عامة، إلى القول لأسباب متعددة ومعقدة، إنهم ملتزمون مصالح الجماهير، وهي في الواقع لا تتجاوز مضامين الشعارات التي طرحتها الأنظمة الشمولية، تلك الأنظمة التي سرقت رغبات التقدم والتطور لدى المجتمعات العربية، ونادت بشعارات التحرر والتنمية، وقطعت الطريق على أي مناضل جاد يسعى إلى تحقيق هذه الأهداف. ولم يعد المثقف يستطيع الخروج عن إعلان التزام تلك الشعارات، لكنه منع من نقد ممارسات النظام، وشعاراته المشوهة، وتنميته الفاشلة، والسكوت عن ممالأة القوى الإمبريالية والصهيونية. وقد ساهمت الأحزاب التقدمية في اللعبة، وقبل المثقف قوانينها، فسحقت آلة النظام الشمولي الضخمة استقلاليته ومحاولاته التفرد، وسدت عليه طرقات الهروب والتخلص من هيمنة النظام وسياساته، فصار موالياً تحت شعار الالتزام وربما امتثالاً لأساليب القهر، من خلال إيمان حقيقي بالتزام الشعارات أو الزعم بوجود هذا الإيمان.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©