الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تظاهرات البرازيل... «انتفاضة خل»

23 يونيو 2013 23:08
فانيسا باربارا كاتبة عمود في صحيفة «فولها دي ساوباولو» البرازيلية في الأسبوع الماضي شاهدت فيلم فيديو لرجل يقبض عليه لامتلاكه زجاجة خل. الرجل، وهو صحفي يدعى «بيرو لوكاتيلي» كان يقوم بتغطية الاحتجاجات التي وقعت في ساوباولو مؤخراً، عندما طلب منه رجل شرطة تفتيش الحقيبة التي يحملها فوق ظهره. ومثله مثل غيره من المحتجين، كان «لوكاتيلي» يحمل معه زجاجة خل، على أساس أن التنفس من خلال قناع مغموس في الخل، يحيّد تأثير الغازات المسيلة للدموع. ولكن رجل الشرطة ادعى في معرض تبرير القبض عليه أن الخل يمكن أن يستخدم في صنع قنابل بدائية أيضاً. أُفرج عن «لوكاتيلي» بعد ساعتين، ولكن الضرر كان قد وقع بالفعل. فعبر الأسبوع الذي تلا ذلك، عندما انتشرت الاحتجاجات لمدن أخرى، تحول القبض على هذا الصحفي إلى«صيحة حشد»؛ حيث رأينا شخصاً على «فيسبوك» يبدأ حملة لجعل استخدام الخل «قانونياً». وقام شخص آخر بإنشاء صفحة عنوانها «خاء تعني خل». وشيئاً فشيئاً بدأت على «فيسبوك»، ما يمكن لنا أن نطلق عليها «انتفاضة السَلَطة». كان غضب الناس مفهوماً: ففي اليوم نفسه الذي ألقى فيه القبض على«لوكاتيلي» في الثالث عشر من يونيو الحالي، واجه الكثيرون في ساوباولو قمعاً غير مبرر من الشرطة العسكرية- أسفر عن إصابة 100 محتج و15 صحفياً منهم مصور سيفقد بصره على الأرجح بسبب إصابته في عينه برصاصة مطاطية. وقد هرعت للانضمام للمظاهرات، ولكني لم أتمكن من اجتياز سحب الدخان الكثيف المنبعث بفعل إطلاق القنابل المسيلة للدموع. بدا المنظر باختصار، كما لو كنا في ساحة حرب. والسبب في ذلك كله هو رفع أثمان تذاكر المواصلات العامة بمقدار تسعة في المئة، أو ما يعادل 1.47 دولار. قد تبدو هذه الزيادة غير ذات شأن، ولكنها تعني الكثير بالنسبة لشخص يحصل على الحد الأدنى من الدخل، أي 678 ريالا شهرياً (300 دولار أميركي بسعر التحويل اليوم)، خصوصاً إذا عرفنا أن التنقل في مختلف أنحاء مدينة «ساوبالو» ليس بالأمر السهل بحال علاوة على تكلفته الكبيرة كنسبة من الدخل الشهري. فهذه المدينة يقطنها 11 مليون إنسان، وتسير في شوارعها 7 ملايين سيارة، والمرور فيها فظيع والحافلات العامة، وعربات مترو الأنفاق مكتظة بالركاب وغير كافية. ويعاني السكان معاناة شديدة للانتقال من مكان لآخر ويعيشون دائماً تحت وطأة التهديد المستمر بزيادة أسعارها التي تمتص جزءاً لا بأس به من دخولهم كما أشرت. ولكن الاحتجاجات، كانت بسبب أشياء أكبر بكثير من أسعار المواصلات، بدليل أنها استمرت على الرغم من قيام بلديات عدة مدن بالإعلان عن تخفيض أسعار المواصلات بها. فنحن في البرازيل مهمومون بشدة بشأن مؤامرة الحكومة لقمع سَلَطاتنا. فمنذ شهر كانت هناك زيادة 122 في المئة في أسعار الطماطم مقارنة بالعام السابق. وأنا شخصياً شاركت في المسيرة الرامية لتقنين الخل، والتي كانت هدفاً لعدد هائل من النكات على مواقع التواصل الاجتماعي. وفي السادس عشر من يونيو، وتحت ضغط الرأي العام وافقت الحكومة على حرية اقتناء الخل- سواء للاستخدامات الثورية أو الغذائية. ولعل ما كان لافتاً للنظر هذا السياق أيضاً أن إحدى المسيرات الاحتجاجية في «ساوباولو» ضمت 65 ألف شخص منهم أعداد كبيرة من السيدات اللائي، كن يحملن زجاجات وعلب صلصلة طماطم احتجاجاً على ارتفاع أسعاره. وفي حقيقة الأمر أننا كنا نحتج على أشياء أخرى كثيرة منها مثالاً لا حصراً وحشية الشرطة، والفساد الحكومي، والخدمات العامة القذرة. كانت الجماهير في تلك التظاهرات تحتج أيضاً على قيام الحكومة الفيدرالية بإنفاق المليارات لاستضافة كأس العالم عام 2014 ، والأولمبياد الصيفي عام 2016 حيث خصص للمناسبتين 13.3 مليار، و18 مليار دولار على الترتيب. إحدى اللافتات الشديدة الدلالة حد الألم التي حملها أحد المتظاهرين كانت تقول: «إذا سقط ابنك مريضاً فخذه إلى الاستاد» وكانت هناك لافتة أخرى تقول: «أي مدرس جيد وكفؤ أفضل ألف مرة من نيمار» ( اسم لاعب كرة برازيلي شهير يلعب في برشلونة ويتقاضى راتباً خيالياً). الموضوع الأكثر أهمية الكامن وراء هذا السخط هو أن البرازيليين ما زالوا في طور التعود على الديمقراطية. لقد عانينا من حكم عسكري وحشي انتهى رسمياً عام 1985. وما تزال لدينا قوة شرطة عسكرية كبيرة للمحافظة على النظام العام، وما زلنا نخاف منهم. وهذا هو السبب في أن تلك الاحتجاجات كانت مهمة... على الأقل حتى نتخلص من كل ذلك ونعتاد تماماً على الديمقراطية. كان معظم المشاركين في التظاهرات من المراهقين ومن الشباب في العشرين من أعمارهم لدرجة أنني الذي دخلت طور الثلاثينات من عمري أحسست أننا عجوز للغاية. أنا واثقة من أننا كنا غير فعالين وكنا أغبياء مثلما كانت زجاجات خلنا وعلب صلصتنا، في مواجهة قنابل الغازات المسيلة للدموع. ولكن من حقنا أن نكون غير فعالين، وأن نكون أغبياء- فنحن ما زلنا نتعلم كيف نحتج أليس كذلك. مساء الخميس الماضي، تدفق مليون برازيلي تقريباً للشوارع في 80 مدينة تقع في مختلف أنحاء البلاد حاملين لافتات مكتوب عليها : احضروا سلَطَتكم... السلطة وزيت الزيتون اختياريان». هذه هي الرسالة التي كنا نريد توصيلها. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©