الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معاناة اللاجئين السوريين في لبنان

23 يونيو 2013 23:07
سولي أوزيل أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية بجامعة قدير هاس في إسطنبول ظلت عيناي مشدودتين إلى الحذائين الرياضيين الورديين الصغيرين على قدمي الطفلة الصغيرة بنت العامين التي كانت جالسة بهدوء في حجر والدتها. إنها لم تتململ إلا قليلاً -حيث كانت تقوم بين الفينة والأخرى بدفع أختيها التوأم ابنتي السبع سنوات بينما كان والدهن يشرح لموظف تابع للأمم المتحدة ما الذي دفع عائلته الصغيرة إلى قطع 20 ميلاً من سوريا واللجوء إلى هذه البلدة الصغيرة في لبنان. إنهم لم يرحلوا فحسب؛ بل فروا. وهم لم يفعلوا ذلك مرة واحدة فقط، وإنما ثلاث مرات! لقد جاءوا من منطقة الزبداني، التي تقع في حضن واد أخضر في جنوب غرب سوريا، ولا تبعد سوى 20 ميلاً عن دمشق. كان الأب صباغاً يكسب أجراً متواضعاً بينما كانت زوجته تقوم برعاية بناتهما الثلاث. ولكن حياتهم بدأت تنهار في أوائل عام 2012 عندما دُمر منزلهم وسط معارك شرسة بين الثوار والقوات الحكومية من أجل السيطرة على مدينتهم. ففروا عبر المرتفعات، إلى بلدة بلودان العتيقة المجاورة حيث استضافهم رجل مسن اقتسم معهم منزله لأكثر من سبعة أشهر. وعندما تعرضت سلامتهم للتهديد من جديد، فروا هذه المرة نحو الحدود مع لبنان. وعندما أبت الحرب إلا أن تتبعهم، عبروا الحدود وفروا إلى داخل لبنان نفسه. وهم اليوم يعيشون في غرفتين صغيرتين ببلدة في وادي البقاع، في وقت أخذت فيه مدخراتهم المتواضعة تنضب. ومع ذلك، فإنهم يعتبرون أنفسهم من بين المحظوظين. ولبنان، الذي يبلغ عدد سكانه 4 ملايين نسمة، يستضيف رسمياً 546 ألف سوري فروا من الحرب الأهلية المستعرة في بلدهم، وخاصة خلال الأشهر الخمسة الماضية، حيث سجل عشرات الآلاف أنفسهم لدى الأمم المتحدة خلال الأسبوعين الماضيين فقط. ولكن الحكومة اللبنانية تقدر أن هناك 500 ألف لاجئ إضافي لم يسجلوا أنفسهم. ويأوي لبنان معظم اللاجئين السوريين، ولكن بلداناً أخرى تأوي أيضاً أعداداً كبيرة جداً: 478 ألفاً في الأردن، و386 ألفاً في تركيا، و158 ألفاً في العراق، و81 ألفاً في مصر، وفق تقديرات الأمم المتحدة (ولكن لابد من التنبيه مرة أخرى إلى أن الأرقام قد تكون أعلى من ذلك). وتمثل الأسقف المنهارة، والجدران المنخورة، والمنازل المدمرة في البلدات على طول الحدود اللبنانية- السورية شاهداً على الزحف المتواصل للحرب على حدود لبنان. وكذلك الحال أيضاً بالنسبة للجنائز، والعدد المتزايد للمصابين الذين يتقاطرون على المستشفيات، وانسدادات الطرق، وعمليات القنص، ومعارك الأسلحة التي تستعر في طرابلس وصيدا وأجزاء من وادي البقاع. وإذا كانت صورة اللاجئين غالباً ما تكون لأشخاص يعيشون في مخيمات مزدحمة حيث الحياة كالحة ومتجهمة، فإن معظم اللاجئين في العالم يعيشون خارج المخيمات في الواقع -في بلدات وقرى ومدن كبيرة. وهنا في لبنان يعيش اللاجئون مفرقين على نحو 1400 موقع، في بعض من أكثر المناطق معاناة اقتصادياً واجتماعياً من البلاد. وقد أخذوا يشكلون ضغطاً كبيراً على موارد الماء، والصرف الصحي، ونظامي التعليم، والرعاية الصحية. كما أن الأجور أخذت تنخفض بسببهم؛ حيث يشتكي العمال اللبنانيون من أنهم لم يعودوا يستطيعون إيجاد الوظائف التي يقبل بها السوريون مقابل مبالغ أقل بكثير. كما أن الفقراء اللبنانيين يحسدونهم على المساعدات الطبية والغذائية التي يتلقونها كلاجئين. وأصحاب المتاجر مستاؤون أيضاً من المنافسة التي جلبتها مؤسسات جديدة يديرها سوريون ويقولون إنها تُضعف الأسعار. ونتيجة لذلك، فإن مشاعر الغضب يمكن أن تنفجر في أية لحظة. والواقع أنه تم منذ بعض الوقت فرض حظر للتجول، كما تم تسجيل هجمات متفرقة ضد اللاجئين. وفي هذه الأثناء، تبدو الحكومة اللبنانية مشلولة فعلياً، حيث مازال الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة متعذراً. ونتيجة لذلك، تكافح الوزارات الحكومية والوكالات الإنسانية من أجل التعاطي مع السوريين الذين باتوا يشكلون الآن ربع السكان في لبنان. ونظراً لتأمين أقل من 30 في المئة من التمويل الضروري، يمكن القول إن معاناة إنسانية أكبر ومزيداً من الاضطراب يلوحان في الأفق، وخاصة أن لبنان يستعد لاستقبال أكثر من مليون لاجئ سوري إضافي بنهاية العام. ولكن في اليوم العالمي للاجئ (20 يونيو) الذي مر هذا الأسبوع، يعتبر لبنان نموذجاً للكرم في وجه الأزمة. فعلى رغم سوء الفهم والتوتر، إلا أن أعمال الخير شائعة ومنتشرة. وفي هذا السياق، قال لي عمدة بلدة في جنوب لبنان: «أنتم تسمونهم اللاجئين. أما نحن، فنسميهم الجيران». كما قال لي عمدة آخر امتلأت بلدته باللاجئين السوريين بنبرة حزينة: «هذه دعوة للإغاثة، فهل من مستجيب؟». سنرى. وكانت الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية قد دعتا مؤخراً إلى جمع 1,7 مليار دولار. وهو مبلغ يُتوقع أن يُستعمل أكثر من نصفه لتمويل مشاريع تفيد السكان المحليين من قبيل تحسين إدارة المياه والنفايات، وترميم المدارس القديمة والمهدمة، والنهوض بالخدمات الصحية الهشة. وهو يتجاوز في ذلك كونه نداءً إنسانياً تقليدياً من أجل المساعدات الغذائية والضرورات الأساسية، إذ يهدف إلى إنشاء بنية تحتية للتعاطي مع تدفق اللاجئين وإفادة اللبنانيين في الوقت نفسه. كما من شأنه أن يوفر مزايا تتعدى ما يمكن توفيره في مخيمات اللاجئين. ولكنه يتطلب من البلدان المانحة التزاماً أكبر مما رأيناها حتى الآن. والواقع أنه بدون دعم دولي أكبر، فإن صبر المناطق المضيفة وكرمها قد ينفدان. كما أن استمرار الإهمال من شأنه تأجيج التوتر وزيادة خطر تحول الحرب الأهلية السورية التي بلغت من العمر عامين إلى نزاع إقليمي. وعودة إلى الطفلة الصغيرة التي التقيتُها، الطفلة التي كانت تحرك ساقيها وحذاءيها، فقد حوَّلت تركيزها الآن إلى محفظة أمها التي أخذت تنظر إلى داخلها بفضول. غير أنه لم يكن ثمة أي شيء. ابتسمت لي والدتها ابتسامة حزينة وقالت: «لقد أفرغتها لنا الحرب». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©