الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مجرة النظام الإيراني وموقع رئيس الجمهورية

مجرة النظام الإيراني وموقع رئيس الجمهورية
24 يونيو 2013 11:13
د. سلطان محمد النعيمي أكاديمي إماراتي @Aln aimi_Dr ما أن أُعلنت نتيجة الانتخابات الرئاسية بفوز حسن روحاني حتى سارت التحليلات باتجاهين لا ثالث لهما؛ إما التشاؤم والتسليم المطلق بأن كل شيء بيد المرشد، ولن يطرأ تغيير، مُعزِزاً موقفه بتصريح روحاني حين أكد استمرار دعم النظام السوري، وإما آمال تطل برأسها على استحياء علّها تجد طريق التغيير مستشهدةً برغبة روحاني في تحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية والعالم. وما بين التشاؤم والآمال، نسير مع القارئ لنشق اتجاهاً ثالثاً يقوم على حقيقة مهمة وهي أن عدم فهمنا لمجرة النظام الإيراني والتفاعل فيما بينها ومخرجاتها، سوف تدفعنا على الدوام إلى قراءة تلك المخرجات بصورة غير دقيقة. ولإدراك حركة هذه المجرة نحتاج إلى التالي: الفهم العميق لمكانة المؤسسات في إيران. واستيعاب الفرق ما بين الحكومة الإيرانية وبين النظام الإيراني. بدايةً، يأتي المرشد بوصفه مركز المجرة. لتستقي المؤسسات شرعيتها منه بوصفه نائب الإمام الغائب. وهو القائد العام للقوات المسلحة، يُعين القادة العسكريين، وهي مهام تُوكل لرئيس الجمهورية في الدول الأخرى. المؤسسات تزداد أهميةً كلما اقتربت من مركز المجرة. فيأتي مكتب المرشد بوصفه أقرب المؤسسات. ففيه مختلف المستشارين السياسيين والعسكريين وغيرهم، يغذيهم ممثلو المرشد في العديد من المؤسسات بكل ما هو مهم لرسم السياسة وغيرها من الدراسات والتقارير. ويدور مجلس الأمن القومي قريباً من المركز ليحدد سياسات الدفاع القومي والسياسة الأمنية ويضم جميع رؤساء السلطات وغيرهم. ويقترب الجيش النظامي من مركز المجرة، غير أن مهام الحرس الثوري التي تتخطى الحدود، تجعله أكثر قرباً منه. نقطة جديرة بالاهتمام هنا، وهي أن تعيين المرشد لقادة هذه القوات، تجعل يدي الرئيس مكبلتين. فإصدار بيانات من قبل الحرس الثوري والجيش، وإعرابهما عن الاستعداد للتعاون مع روحاني، تؤكد أن تلك القوى تسير موازية للسلطة التنفيذية وليس تحت مظلتها، بل وتتخطاها في بعض الأحيان، حيث عانى نجاد مراتٍ عدة من ذلك. إن طبيعة النظام الإيراني القائم على ركني الجمهورية والإسلامية تدفع برجال الدين أن يتبؤوا أهم المناصب لاسيما هرم السلطة. هذه المؤسسة دائماً ما تدفع باتجاه الحفاظ على حليفها البازار. فهو المصدر المالي الرئيس عن طريق الخُمس. ولذا يجب أن يراعي الرئيس الجديد هذا الأمر، خاصة في اختياره لوزير التجارة. فقد اضطر خاتمي لاختيار محمد شريعتمداري وزيراً للتجارة بعد اعتراض البازار على الشخصية المرشحة من قبله. وبالانتقال إلى مكانة البرلمان والحكومة، فإنه وبالرغم من أن الدستور يضع الرئيس بوصفه الرجل الثاني في إيران، إلا أن تصريح الخميني بأن «البرلمان يحتل الموقع الأول في الحياة السياسية لإيران»، لا يزال يشكل عقدة لدى رئيس السلطة التنفيذية. وجاءت محاولات نجاد لتبوء بالفشل في محاولة تخطيه البرلمان، بل وتعرضه الآن للمساءلة القانونية. تدور مجرة النظام الإيراني إذن جاعلةً روحاني بعيداً عن مركزها. لكن في الوقت ذاته تعطيه مساحة من الحركة في الداخل الإيراني من حيث اختيار الوزراء والقيام بتنفيذ برامجه الاقتصادية والثقافية، لكن وفق مصلحة هذه المجرة وإلا حُكم عليها بالفشل وجُرد الوزير القائم عليها من ثقة البرلمان وبالتالي عزله. على رِسلِك أيها الرئيس، فليس كل الوزراء والمسؤولين ستختارهم بنفسك. ولتستثنِ من الآن وزارة الاستخبارات والأمن، وهيئة الإذاعة والتلفزيون. اتضحت الآن مجرة النظام الإيراني وحركت مؤسساتها. فهل هذا كل شيء؟ الواقع أن هذه المجرة ليست بمنأى عن جاذبية المجرات الأخرى وتفاعلاتها. ولذا فإن صنع القرار في إيران لا يكون في دائرة مغلقة بعيدة عن تلك التفاعلات الخارجية، بل بوصفه مزيجاً بين حركة المؤسسات حول مركز المجرة وتفاعلاتها فيما بينها، وبين استقبال مؤثرات وتطورات الوضع الإقليمي والدولي. وعندها يتم رسم السياسة العامة لإيران من قبل مجرة النظام الإيراني ليأتي متخذ القرار (مركز المجرة) في نهاية المطاف ليصادق عليها وفق ما يراه مناسباً. ولذا فإن أي تغيير قادم في السياسة الخارجية يأتي بعد استقراء وتمحيص النظام الإيراني للوضع الإقليمي والدولي. فهل وصلت العقوبات الاقتصادية ذروتها في إيران بحيث تبدي مرونة مع الغرب في برنامجها النووي وبالتالي تحسين الوضع الاقتصادي؟ وكيف هو الوضع على الميدان في سوريا؟ هل من جديد لتتخلى إيران عن حليفها الإستراتيجي (نظام الأسد) وبالتالي خسارة «محور المقاومة» الذي تتغذى منه لتحقيق مزيد من النفوذ في المنطقة؟ هل هناك ميول غربية وأميركية لإبداء مزيد من المرونة مع إيران؟ إن السياسة الخارجية الإيرانية تسير وفق العديد من المبادئ، أذكُر منها مبدأين متناقضين: الأول «دعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أي بقعة من العالم»، والثاني «الإحجام عن أي نوع من أنواع التدخل في الشؤون الداخلية للأمم الأخرى». لكن بالطبع من منظور النظام الإيراني ليس هناك تناقض على الإطلاق والتأويل حاضر وبقوة للتبرير. وهنا السؤال المهم للغاية: أي من المبدأين تفضله مجرة النظام الإيراني بعد استقراء الوضع الإقليمي والدولي؟ لو كان التغيير بيد الرئيس، لكان نجاد الذي يفوق روحاني تحدياً للنظام قد أفلح في ذلك. ألم يناد مرات عدة في دورته الرئاسية الثانية بأن إيران أصبحت دولة نووية وأنه يجب التعاون مع الغرب؟ ألم يقُل أن إيران مستعدة للتحاور مع أميركا؟ هل حرك ساكناً؟ لقد كانت الإجابة واضحة حين قال إن «هناك في إيران من لا يرغب في ذلك». فهل نُحمِل روحاني ما لا طاقة له به؟ التصريحات الإيجابية في بعض جوانبها من قبل روحاني لاشك أنه مرحب بها، لكنها لا تُجدي نفعاً إذا جاءت خارج توجهات مجرة النظام الإيراني. ختاماً إن أي مؤشرات على تغيُر السياسة الخارجية لإيران سوف تكون قد أُقِرت من قِبل مجرة النظام، ويأتي روحاني حاملاً أجندة النظام. وإذا لم يطرأ جديد، فلن تخرج زيارات رئيس إيران الجديد من إطار الدبلوماسية والتصريحات الودية وكفى.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©