الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

أخطبوط الإخوان الأوروبي

أخطبوط الإخوان الأوروبي
15 أكتوبر 2017 12:55
الحلقة الأولى 1-4 لا تؤمن جماعة الإخوان الإرهابية بالوطنية، أو الدولة الوطنية، أو الانتماء القومي. هوية هذه الجماعة هو مشروعها، به تعرّف نفسها، وبه تحاكم الآخرين. وهذا النكران «الهوياتي» رافق الجماعة منذ تأسيسها داخل الساحات المحلية، وحكم توجهاتها وهي تجعل من «التنظيم الدولي» وجمعياته ومؤسساته ومعاهده، أذرعاً أخطبوطية تحتمي بها وتضرب. لم يكن وجود الجماعة في الساحات الغربية عموماً، والأوروبية خصوصاً، مجرد التجاء إلى ملاذ آمن، تجنباً لعسف مفترض أو متوهم. بل كان خياراً تقاطعت فيه المصالح والغايات، بين «اللاجئ» و«الملجأ». تداخلت براجماتية الإخوان مع تطلعات السياسات والاستراتيجيات الغربية، التي اتسمت بسوء تقدير وتدبير أحياناً، أو بخبث التخطيط والتنفيذ في أغلب الأحيان. كلا الطرفين قدما لبعضهما خدمات متبادلة. في هذا الملف، تلقي «الاتحاد» أضواء كاشفة على تغلغل منظمات الإخوان المسلمين في أوروبا، منذ التأسيس إلى التمكين، على قاعدة «أعطني وخذ». وهي مسألة لا يشعر الإخوان معها بأي حرج، طالما أنها تحقق أهدافهم الخبيثة. فمنذ عقود تجرأ أحدهم (تقي الدين النبهاني) على القول، عندما رصد خارجاً من السفارة البريطانية في القاهرة، متأبطاً حقيبة أموال: «عرضنا عليهم الإسلام فأبوا، ففرضنا عليهم الجزية»! اتحاد المنظمات الإسلامية في باريس: الذراع الفرنسية للإخوان إعداد وترجمة: فوزي البدوي كانت إحدى أقوى نقاط المناظرة في الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة، خصوصاً بين إيمانويل ماكرون ومارين لوبان، هي مسألة «الإخوان» في فرنسا وخصوصاً منظمتهم القوية والغامضة «اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا» والمعروفة باسم UOIF. وقد جاء «قرار «اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا» في البيان الختامي لهيئته العمومية التي عقدت في إسطنبول أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي بشأن إلغاء ارتباطه الإداري والتنظيمي مع أي مؤسسات أو هيئات خارج أوروبا ليفهم منه مباشرة أنه تأكيد لإعلان الانفصال عن التنظيم الدولي للإخوان، وهي الخطوة التي تم تفسير دوافعها بالخشية من تصاعد تيارات اليمين المتطرف وإقدام حكومات غربية على فتح تحقيق حول علاقة الجماعة بالإرهاب». (1) وقد اتهمت لوبان مرشحة الجبهة الوطنية منافسها ماكرون بأنه يهادن هذه المنظمة التي عبرت عن مساندتها لترشحه، وهو ما دفع ماكرون إلى التصريح «إنني لا أعرف زعماء هذا الاتحاد، ولم يسبق لي الالتقاء بهم، وليست لي أية صلات بهم». مغازلة ساركوزي القصة بدأت منذ أيام الرئيس السابق نيكولا ساركوزي أيام كان وزيراً للداخلية، حيث سعى منذ 2002 إلى إيجاد مكان لهذا الاتحاد ضمن تركيبة المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، وإذا كان الوزير الفرنسي علل ذلك بالرغبة في عدم دفع جزء من المسلمين إلى العمل غير القانوني، فإن منظمة «اتحاد منظمات مسلمي فرنسا» قد قبلت بذلك من أجل تنفيذ أجندتها في التسرب شيئاً فشيئاً إلى المؤسسات المعترف بها من قبل الدولة الفرنسية، بل ودفعت ثمن الاعتراف من خلال فتاوى تدين الاضطرابات في الضواحي سنة 2005. فما هو هذا الاتحاد؟ تتفق أغلب السرديات المتعلقة بهذا التنظيم الذي أعلنته الإمارات العربية المتحدة كياناً إرهابياً في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 إلى جانب 81 جمعية ومنظمة أخرى، أنه تم إنشاؤه في شهر أغسطس (آب) سنة 1983 بمدينة نانسي بمقاطعة «مورت إي موزال»، وذلك إثر صدور القانون المؤرخ في 9 أكتوبر (تشرين الأول) 1981 الذي يسمح بانتشار الجمعيات وفق «عقد جمعياتي» بالنسبة إلى الأجانب (2). وقد اتخذ هذا التنظيم، قانونياً وإدارياً، صبغة التجمع أو الكتلة، بحسب قانون 1901، إذ يضم أكثر من 250 جمعية إسلامية. (3) المؤسسون الأربعة وتتفق الأدبيات على إرجاع تأسيس الاتحاد إلى عبدالله بن منصور، وهو طالب تونسي مهاجر متأثر بفكر حركة الاتجاه الإسلامي التونسية بزعامة راشد الغنوشي. وقد رفضت السلطات الفرنسية طلبه الجنسية الفرنسية سنة 1990 بسبب صلاته بهذه المنظمة، «وقد أشار في أحد تصريحاته، إلى أن فرنسا هي مستقبل المسلمين، وهم من كانوا سبباً في تحريرها من الحضور النازي، بل كانوا الوقود الذي احترق من أجلها في الحرب العالمية الأولى» (4). ومهمة التأسيس لا تعود إليه وحده، بل أيضاً إلى صديقه العراقي زهير محمود (5)، عالم الذرّة الذي ابتعثه صدام حسين في سياق التعاون الفرنسي العراقي لإنشاء المفاعل الذري (أوزيريس)، حيث التقى المصري أحمد محمود والسوري محمد خلدون باشا، بالإضافة إلى التونسي عبدالله منصور. (6) والأمر كان في البداية مجرد «تجمع لأربع جمعيات لم تخرج إلى العلن إلا حين أُثيرت قضية الخمار الإسلامي، في أكتوبر (تشرين الأول) 1989»، وهي الحادثة الأولى التي عرفتها فرنسا قبل أن تتلوها حوادث مماثلة في مدينتي كراي ومرسيليا. وتم حل المشكل في إطار مندوبيات التعليم. فقد قام رئيس الاتحاد وسكرتيره العام بزيارة مدير المدرسة لإقناعه بإعادة إدماج الفتيات الثلاث، ثم قاما بتوجيه رسالة مفتوحة للوزير الأول ميشال روكار يشرحان فيها موقف الإسلام من الخمار والمرأة، معتبرين إياه واجباً دينياً لا يكتمل الالتزام الديني إلا به». (7) وهكذا بدأت هذه المنظمة تشق طريقها إلى الإعلام والسياسة في الحياة الفرنسية، حتى وصل الأمر بوزير الداخلية آنذاك بيار جوكس بإدخال عضوين من الاتحاد، هما رجل الأعمال المغربي عمار لصفر (8) والتونسي عبدالله منصور إلى مجلس التفكير حول الإسلام الذي أنشأه والمعروف اختصاراً بالـCORIF، في محاولة لخلق هيكل إسلامي يكون مخاطباً للدولة. (9) أذرع أخطبوطية وقد انطلقت هذه المنظمة في رحلة مد الأذرع في نشاط أخطبوطي لم تقدره السلطات الفرنسية حق قدره، فكانت المرحلة الأولى هي محاولة التقرب إلى المنظمات الموجودة، ومن ثم محاولة تجاوزها استيعاباً أو إقصاءً من أجل أن تكون الهيكل الأساسي والوحيد المعبر عن مسلمي فرنسا. فقام هذا التنظيم منذ 1985، بالمشاركة في تأسيس الفيدرالية الوطنية لمسلمي فرنسا، التي هي في الأصل مبادرة لأحد الفرنسيين الذين اعتنقوا الإسلام ويدعى دانيال يوسف لوكليرك Daniel-Youssof Leclercq قبل أن ينخرط التنظيم ابتداء من سنة 1993 في غزو المساجد الفرنسية، التي كانت في أغلبها تقع في أسفل العمارات والمواضع المنزوية في الأحياء، والتي يطلق عليها دانيال لوكليرك تسمية مساجد المغاور Islam des caves، للسيطرة على القطاع المسجدي الزاخر بالشباب من أبناء الجيلين الثاني والثالث من المهاجرين (10). * أستاذ الأديان المقارنة بالجامعة التونسية هامـــــــــــش: 1 - تداعي الإخوان: ماذا بعد انفصال اتحاد المنظمات الإسلامية. L’adresse http:/‏/‏ida2at.com/‏ikhwan-breakdown-fioe-separation/‏ 2 - راجع حول هذا القانون http:/‏/‏www.senat.fr/‏dossier-legislatif/‏s80810365.html 3 - انظر موقع اتحاد مسلمي فرنسا على الإنترنت http:/‏/‏www.uoif-online.com/‏presentation/‏ 4 - ?: Les musulmans ont construit la France et sont l’avenir de l’humanité Memri. http:/‏/‏memri.fr/‏2013/‏05/‏20/‏ le-predicateur-musulman-francais-abdallah-ben-mansour-les-musulmans-ont-construit-la-france-et-sont-lavenir-de-lhumanite/‏ 5 - راجع حول هذه الشخصية Zuhair Mahmood. (2017، mai 21). https:/‏/‏fr.wikipedia.org/‏w/‏index.php؟title=Zuhair_Mahmood&oldid=137530405 6 - كتابات كثيرة تحدثت عن هذه الفترة وعن هؤلاء المؤسسين ويمكن الرجوع مثلاً إلى Venner، F. (2005). OPA sur l›islam de France: Les ambitions de l›UOIF. Paris: Calmann-Lévy. 7 - حول النقاشات التي دارت أيامها يمكن الرجوع إلى ملخص في الموقع التالي: Hgsavinagiac. (s. d.). Interdiction du voile à l’école en France entre 1989 et 2004. Retour sur images?: voile islamique intégral et burqa، débat géopolitique (2ème article http:/‏/‏www.hgsavinagiac.com/‏article-interdiction-du-voile-a-l-ecole-en-france-entre-1989-et-2004-retour-sur-images-voile-islamique-integral-et-burqa-debat-geopolitique 8 - Amar Lasfar. (2017، juillet 7). In Wikipédia. https:/‏/‏fr.wikipedia.org/‏w/‏index.php؟title=Amar_Lasfar&oldid=138756950 9 - Voile islamique dans les écoles en France. (2017، mai 13). In Wikipédia. https:/‏/‏fr.wikipedia.org/‏w/‏index.php؟title=Voile_islamique_dans_les_%C3%A9coles_en_France&oldid=137292082 10 - Plaidoyer pour un retour à l’Islam des caves | Daniel-Youssof Leclercq/‏/‏www.islametinfo.fr/‏2013/‏10/‏23/‏edito-plaidoyer-pour-un-retour-a-lislam-des-caves-daniel-youssof-leclercq/‏ القطريون اشتروا .. وسياسيون فرنسيون باعوا أبوظبي (الاتحاد) يشكل موضوع التمويلات المالية لحركة الإخوان الفرنسية صندوقاً أسود يصعب اختراقه، أو على الأقل معرفة تشعباته، ووحدها الأجهزة المخابراتية الفرنسية والأوروبية الأخرى إضافة إلى الأجهزة الرقابية المالية قادرة على كشف جزء من هذا اللغز إن هي أرادت حقاً فتح هذا الملف. والمتاح من المعلومات في الكتب والمقالات وما تجود به الشبكة العنكبوتية بالنسبة إلى الباحثين المستقلين الذين لا تسندهم شبكات بحثية، لا يسمح إلا ببيان جزء من الصورة قد يكون كفيلاً بفتح آفاق من البحث في سيرة هذا التنظيم الذي أرهق تاريخ العرب الحديث، وأرهقت تشعباته تاريخ فرنسا الحديث أيضاً. ولقد سعى الكثيرون إلى الكتابة حول إشكالية تمويل التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ونشرت جريدة «الاتحاد» دراسة جيدة في الموضوع تكشف عن حجم هذا التمويل الأخطبوطى والدور الذي كان لأمثال يوسف ندا (1) رجل الأعمال المصري الإيطالي الغامض والمفوض السابق للعلاقات الدولية في جماعة الإخوان المسلمين وآخرين في إمداد هذه الشبكة على المستوى الدولي. كما صدر أكثر من كتاب حول هذه الشخصية اللغز (2)، ولكن كتابات قليلة تناولت تمويلات فروع هذا التنظيم الدولي عبر القارات ومن بينها فرنسا، حيث تشير الدراسات المتتبعة لقضية تمويل الذراع الدعوية للإخوان المسلمين في فرنسا إلى أن هذا الاتحاد يزعم أنه «لا يتلقى أي دعم من أية دولة، وحوالي أكثر من 80 بالمائة من مداخيله إنما تأتي من منخرطيه بالأساس، في حين تأتي نحو 12 بالمائة من هبات من ممولين من الشرق الأوسط» (3). أموال قطر ويؤكد «الاتحاد» أيضاً أن «30 بالمائة من أصوله المالية تأتي من مصادر خارجية»، غير أن الباحثة الفرنسية المختصة في الشؤون السياسية فيامتا فينر في كتابها الأخير «عرض شراء للإسلام في فرنسا: الطموحات السرية لاتحاد منظمات مسلمي فرنسا»، تشير في الفصل الذي خصصته لتمويل هذا الاتحاد إلى أن القسم الأكبر من الأموال ذات الأصول الفرنسية فيما يزعم تأتي في الحقيقة من أثرياء عرب» (4). ويدفع القطريون القسط الأكبر من هذه الأموال التي يخصصها الاتحاد للمشاريع العقارية مثلما بيّن الأستاذ المحاضر في العلوم السياسية سنيغر حواس في حوار مع جريدة «ليبيراسيون» الفرنسية بتاريخ 23 أبريل (نيسان) 2013 بقوله: «لقد صار واضحاً أن أعضاء الاتحاد يزورون الخليج لجمع الأموال، وهذه الأموال تتخذ صيغة السيولة النقدية أو الاستثمارات في المجال العقاري أو المشاريع ذات الصلة الوثيقة بالأيديولوجية الدينية للإمارة القطرية، والأمر يتعلق بأثرياء قطريين مرتبطين بحكام قطر ويدورون في فلكهم باعتبار أن النظام القطري هو نموذج النظام الأوليغاركي الجديد حيث يختلط ما هو ملك عمومي بما هو ملك شخصي بكيفية لا انفصام لها». (5) ومنذ وقت غير بعيد دفع القطريون نحو 4.4 مليون يورو لبناء مسجد السلام في مدينة نانت الفرنسية، وهو المسجد الذي تديره الجمعية الإسلامية لغرب فرنسا (AIOF)، وهي إحدى الجمعيات التي تدور في فلك «اتحاد منظمات مسلمي فرنسا»، بالإضافة إلى جامع السلام بمدينة ميلوز Mulhouse الذي تديره جمعية مسلمي منطقة الألزاس الذي بني بحوالي مليوني يورو دفعتها مؤسسة قطر الخيرية التي تقدم نفسها على أنها منظمة غير حكومية، كما تقوم الحكومة القطرية ببناء جامع مرسيليا الكبير حيث سيدفع القطريون نحو 25 بالمائة من مبلغ 22 مليون يورو كلفة المسجد الذي سيتسع لحوالي 10000 من المصلين (6). ويقوم الاتحاد من أجل تنويع مصادر دخله بالاستثمار في سوق الطعام الحلال المزدهر داخل السوق الفرنسية وللتصدير خارجها، وتقدر حجم الاستثمار في هذه السوق بحوالي خمسة مليارات يورو، وهي تحتكر لوحدها تقريباً تصدير هذه المنتجات، كما ورد في الأطروحة الجامعية الثرية التي أعدها فابريس موليون Fabrice Maulion بإشراف زافييه روفر Xavier Raufer في جامعة باريس الثانية. (7) غايات أيديولوجية وعلى الرغم من أن الكثير من الدراسات حول تمويل المساجد ودور العبادة أشارت إلى أن نحو 20 إلى 30 بالمائة من الأموال تأتي من دول شمال أفريقيا، وتقلل من أهمية الدور الخليجي والقطري بالذات باعتباره لا يتجاوز أكثر من عشرين مسجداً كما يقول عمار لصفر رئيس اتحاد منظمات مسلمي فرنسا، ومثلما يؤكده برنارد غودرا مسؤول الشؤون الإسلامية في وزارة الداخلية الفرنسية، فإن الخطر الحقيقي لا يتمثل فقط في معرفة من ينفق، بل في الغايات التي يوجّه إليها هذا الإنفاق، وإذا كانت دول مثل الجزائر أو المغرب عن طريق مؤسسة الحسن الثاني تنفق من أجل التحكم في جالياتها ومراقبتها، فإن القطريين وبعض أثرياء الخليج يؤدون دوراً أكثر خطورة وهو غرس الأيديولوجية الإخوانية في كل أنحاء أوروبا وفرنسا تحديداً، باعتبارها كما يقول سنيغر حواس الباحث في معهد العلوم السياسية بمدينة ليون، البلد الأوروبي الأكثر كثافة سكانية من المسلمين. وإن لم يكن الدين هو بوابة الدخول الأساسية لهذا البلد فهناك استثمارات كبيرة في مجالات أخرى ولكن هذا الثقل الديموغرافي كافٍ ليسيّل لعاب القطريين الذين لا يعملون لوجه الله، لأن الإمارة تهتم بالحركات الإسلامية التي يمكنها من خلالها أن تستثمر جهودها لغاياتها السياسية. وفي كتابه الشهير عن «قطر هذا الصديق الذي يريد بنا شراً» وفي مقالات أخرى (8) تحدث الصحافي نيكولا بو عن الصلات التي كانت تجمع محمد البشاري رئيس الفيديرالية الوطنية لمسلمي فرنسا Fédération Nationale des Musulmans de France المعروفة اختصاراً بـ(FNMF)، وهي إحدى المنظمات الإسلامية الأساسية وسفير قطر في فرنسا محمد جهام الكواري، وفي هذه المرحلة دفع القطريون لمحمد البشاري نحو 200 ألف يورو من أجل توسعة المركز الإسلامي في مدينة ليل الفرنسية عاصمة الشمال، ومقر مارتين أوبري. ومنذ هذا التاريخ صار هذا الشخص هو المدخل الفرنسي للقطريين، وهو من يسهل لهم الاقتراب من الضواحي الفرنسية حيث الكثافة السكانية الإسلامية. (9) ويبدو أن الضواحي كانت في حسابات القطريين منذ زمن، فالإسلام الفرنسي كما يقول نيكولا بو هو الرهان الحقيقي للديبلوماسية الاختراقية والعنيفة للقطريين، وبالإضافة إلى أهميته بالنسبة إلى السياسة القطرية في التحكم في الإسلام الأوروبي فهي أيضاً كانت وسيلتها للتحكم في الجاليات شمال الأفريقية، حيث يبدو أن لقطر حسابات في هذه البلدان، وكان لتخصيص القطريين لمبلغ 50 مليون يورو لهذه الضواحي وقع كبير أدى إلى جدل عنيف في الأوساط الفرنسية سنة 2012 (10). ويبدو أن القطريين قد وجدوا ضالتهم أو هكذا اعتقدوا في شخص السياسي الطموح نيكولا ساركوزي وبعض مستشاريه، ومنهم هنري غانو Henri Guaino صاحب فكرة الاتحاد من أجل المتوسط وهؤلاء ساعدوا القطريين من خلال تبني فكرة خلق مجلس تمثيلي للمؤسسات الإسلامية في فرنسا شبيه بالمجلس اليهودي، وتزعمت هذه الحملة مليكة بالعربي الحالمة بمسيرة تشبه مسيرة رشيدة داتي إحدى الموظفات الكبيرات في وزارة الداخلية زمن الوزير بريس هورتفو Brice Hortefeux. وبالطبع دفع القطريون الكثير يميناً وشمالاً لتحقيق هذا الهدف، ولكن فشلهم النهائي سارع بهم إلى تغيير الاستراتيجية، والمراهنة على اتحاد منظمات مسلمي فرنسا الذي سيجدون فيه ضالتهم وسيغدقون عليه بلا حساب، ووافق ذلك هواهم فقد كان هذا الاتحاد قريباً بطبيعته وأيديولوجيته من الإخوان حصان القطريين الرابح. وفي الاجتماعات الكبرى والفخمة كان القرضاوي وشبكة الجزيرة حاضرين باستمرار، وكان العداء واضحاً للعلمانية الفرنسية وللنظام السياسي الفرنسي (11). إن الذكاء القطري كما يقول نيكولا بو إن جازت تسمية السياسة القطرية بالذكاء هو احتكار الإسلام الإخواني ووضعه تحت مظلتها وإعادة بيعه لأوروبا معلباً في شكل تعددي وغير منافٍ للقيم الأوروبية، وطبعاً وجد ويوجد دوماً بين الفرنسيين والأوروبيين عموماً من هو مستعد لقبول هذا الطعم وابتلاعه (12). وفي غياب تام للسلطات الفرنسية كان القطريون يدفعون ببيادقهم الإخوانية إلى أعلى المؤسسات الدينية الفرنسية، وهكذا فعلوا مع أحمد جاب الله عضو الاتجاه الإسلامي التونسي السابق لرئاسة الاتحاد وهو عضو بالمجلس الأوروبي للإفتاء الذي يرأسه الإخواني يوسف القرضاوي، والسبيل طبعاً لكل هذه السياسيات كما يقول نيكولا بو، هو «الدفع بالدولار» فتحصل جامع باريس على مليوني يورو سنة 2009، وبمبلغ شبيه تبرعت مؤسسة قطر الخيرية لمسجد آخر. وفي عام 2009 وضعت جمعية مسلمي الإلزاس التابعة لاتحاد منظمات مسلمي فرنسا حجر الأساس لمسجد آخر بطابقين و4600 متر مربع ومدرسة. وفي نفس السنة دفع القطريون سبعة ملايين يورو في مواضع أخرى من فرنسا وفي مشاريع مشابهة تصب كلها في اتجاه فرض اتحاد منظمات مسلمي فرنسا كقوة ضاربة في فرنسا والمحتكر للحديث باسم الإسلام والمسلمي. وكان للسفير محمد الكواري دور في كل هذا، بحيث كان يتدخل لدى السلطات الفرنسية كلما حدث ما من شأنه أن يعطل هذه الغزوة القطرية للأراضي الفرنسية، وكان يجد دوماً من ينحني لطلباته. فالسفير كما يقول نيكولا بو كان يتصرف وكأنه «في بلده». (13) عمى تاريخي أبوظبي (الاتحاد) يشير نيكولا بو إلى أن رجوع اليسار إلى الحكم لم يغير شيئاً من العمى التاريخي الذي أصاب فرنسا، ففي بداية 2012 وعن طريق مؤسسة قطر الخيرية دفع أحد الأثرياء القطريين لبناء مسجد في مدينة نانت تبلغ مئذنته 17 متراً، وكان رموز الإخوان الفرنسيين حاضرين يوم التدشين مع ممثل للسلطات الفرنسية. إن قطر بهذه الاستثمارات لا تستثمر في الحجر كما يقول نيكولا بو، بل إنها تستثمر في الرجال والأفكار، وهي مستعدة «لشراء» الداعية الإخواني طارق رمضان كما تشتري أي لاعب كرة قدم لفريق باريس سان جيرمان، لتحقيق أهدافها التي تتجاوز بالتأكيد حجم الإمارة نفسها. ومثلما بيّنه الباحث سنيغر الذي يذهب إلى حد القول إن جنون العظمة هو الذي يدفع القطريين إلى حد تصور أنهم قادرون من خلال ثرواتهم أن يكونوا «محور النهضة الإسلامية العالمية عوض المملكة العربية السعودية» (14). فهي إذن معركة زعامة كتلك المعارك التي أنهكت العرب طوال تاريخهم وارتدت عليهم بالوبال دون أن تحقق أهدافها. وهذه الزعامة مسألة نفسية ورمزية معروفة في علم اجتماع الأديان من خلال محاولة التحكم والتصرف في «الخيرات الروحية» حسب عبارة ماكس فيبر، كما يقول نيكولا بو في مقالته حول الدور القطري في أوروبا عموماً وفرنسا تحديداً. وبسبب ذلك، فإن هناك أصواتاً ترتفع اليوم في فرنسا محاولة لفت الانتباه إلى خطورة ترك الإسلام في فرنسا سائباً في أيدي دول مغامرة ومقامرة تنشر في صمت وصبر فكراً إخوانياً يتناقض ومصالح عموم المسلمين في فرنسا في الاندماج والخضوع لقوانين الجمهورية الفرنسية، التي ولدوا فيها ويعيشون فيها رفقة جماعات دينية أخرى. ويدفعونهم بوهم الخصوصية إلى جعل حياة الأجيال القادمة مستحيلة باسم ولاء إلى غير أوطانهم، بل يجعلون هذا الولاء منافياً لما يعتقدون أنه دينهم الصحيح، وهو أمر نبه إليه أمثال عبدالله زكري السكرتير العام للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية من داخل الجسم الإسلامي الفرنسي. ومثلما تساءلت فيامتا فينر عن حق: من الرابح في هذه العلاقة بين الدولة الفرنسية واتحاد منظمات مسلمي فرنسا الإخواني؟ فإن نفس التساؤل يمكن أن يطرح أيضاً حول من الرابح في هذه العلاقة بين القطريين والإخوان المسلمين في فرنسا وعبر العالم؟ هل هم القطريون؟ من المشكوك فيه أن يكونوا هم على المستوى البعيد، والغالب أنهم يساهمون فقط في تحقيق ما عبر عنه أحمد جاب الله الإخواني التونسي من أن حركة الإخوان في فرنسا هي كصاروخ من طابقين، الأول للدفع والثاني للوضع في المدار. ويبدو أن الإخوان بخبثهم وانتهازيتهم السياسية يستغلون القطريين من أجل بناء قاعدتهم الصاروخية وطابقهم الأول في انتظار الاكتفاء المالي والعقاري والاستثماري، لينصرفوا إلى تحقيق هدفهم الذي لم يتخلوا عنه مطلقاً، وهو القضاء على الدولة الوطنية. ولا نظن أن للقطريين وغيرهم مكاناً في هذا المخطط الاستراتيجي، ويبدو أن هذا ما كشفه الإماراتيون والسعوديون مبكراً، عندما وضعوا عام 2014 هذا التنظيم وممثليه في فرنسا على قائمة الإرهاب. هوامـــــــش: 1 الإخوان تدير إمبراطورية مالية خفية رأسمالها 100 مليون إسترليني ببريطانيا وسويسرا - جريدة الاتحاد الاثنين 07 أبريل 2014 تحقيق: عبد الرحمن شلبي ومحمد علي زيدان http://www.alittihad.ae/details.php؟id=30427&y=2014&article=full 2 - Thompson، D. (2012). Inside the Muslim brotherhood: Youssef Nada. London: Metro. دوجلاس، ت. (2013). يوسف ندا من داخل الإخوان المسلمين: حقيقة أقوى الجماعات الإسلامية السياسية في العالم (ط. 2). القاهرة: دار الشروق. 3 - Union des organisations islamiques de France https://fr.wikipedia.org/w/index.php؟title=Union_des_organisations_islamiques_de_France&oldid=138686010 4 La face cachée de l’UOIF. (2005، ) http://www.lexpress.fr/actualite/societe/religion/la-face-cachee-de-l-uoif_486103.html 5 - «L’émirat aimerait exercer une espèce de magistère moral». (2013، avril 26). http://www.liberation.fr/societe/2013/04/26/l-emirat-aimerait-exercer-une-espece-de-magistere-moral_899407 6 - Les musulmans dans la mire du Qatar. (2013، avril 26) http://www.liberation.fr/societe/2013/04/26/les-musulmans-dans-la-mire-du-qatar_899408 7 - Fabrice Maulion. Sous la direction de Xavier Raufer.، L›organisation des frères musulmans: évolution historique، cartographie et éléments d›une typologie، t. 1، Paris، Université Panthéon-Assas - Paris II - Département de Recherche sur les Menaces Criminelles Contemporaines، 2004، 8 - Beau، N. (s. d.). BEST OF 1: Qatar، O.P.A. sur l’islam de France. Consulté 28 juillet 2017، à l’adresse http://mondafrique.com/qatar-o-p-a-sur-lislam-de-france/ 9 - Médiapart، L. invités de. (S. d.). «Le vilain petit Qatar» aux vilains petits mensonges https://blogs.mediapart.fr/edition/les-invites-de-mediapart/article/100613/le-vilain-petit-qatar-aux-vilains-petits-mensonges 10 Beau، N. (s. d.). BEST OF 1: Qatar، O.P.A. sur l’islam de France. http://mondafrique.com/qatar-o-p-a-sur-lislam-de-france/ 11 - Beau، N. (s. d.). BEST OF 1: Qatar، O.P.A. sur l’islam de France. http://mondafrique.com/qatar-o-p-a-sur-lislam-de-france/ 12 - Beau، N. (s. d.). BEST OF 1: Qatar، O.P.A. sur l’islam de France. 13 - Beau، N. (s. d.). BEST OF 1: Qatar، O.P.A. sur l’islam de France 14 - Beau، N. (s. d.). BEST OF 1: Qatar، O.P.A. sur l’islam de France محاولات لتلميع الصورة أبوظبي (الاتحاد) يقول الباحث في الحركات الإسلامية والمتخصص في الإسلام في فرنسا جيل كيبيل في حوار عن «جيوبوليتيكا الحرب الأهلية» إن سنة 2005 قد شهدت تضاؤل قبضة «اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا» من خلال ما لاحظه من عدم استجابة مسلمي فرنسا للفتوى التي أصدرها مديناً عمليات حرق السيارات وانتفاضة الضواحي، مفسراً ذلك بأنه ثورة أبناء المهاجرين ضد الزعامات التقليدية ذات الأصول شمال الأفريقية بالأساس، ومؤذنة في تطور خطير بأن «اتحاد المنظمات الإسلامية» ذا المرجعية الإخوانية كان بصدد خسارة الميدان أمام الحركة السلفية الآخذة في الصعود، والتي ستسعى إلى اكتساح المشهد الفرنسي من خلال إسلام الضواحي القائم على رفض فكرة الاندماج والإعلاء من شأن ولاءات لا تحدها حدود الدولة الفرنسية، بل وتخترقها ولا تعترف بها (1)، وهو أمر جدير بالوقوف عنده لأنه يعبر عن جزء من صورة أشمل تخترق عالم الإسلام السني اليوم، وهو هذا التدافع الظاهري بين فكر الإخوان والسلفيات حول الوسائل وليس حول الغايات البعيدة التي تظل واحدة فيما يبدو. وفي سنة 2017 أعلن عمار الأصفر رئيس الاتحاد في أثناء ندوة أقيمت في لوبورجيه، عن تغيير اسم الاتحاد إلى «اتحاد مسلمي فرنسا» رغبة منه في «تلميع الصورة» كما وصفته الصحافة الفرنسية آنذاك، تلك الصورة التي أفسدتها حركة الإخوان في غير مكان من العالم. ومن أجل «تقديم الجانب المواطني» le côté citoyen، مشدداً على أن تغيير الاسم إلى «مسلمي فرنسا» فيه إشارة إلى أفراد وليس إلى منظمات. وقد قسم في الخطاب الذي ألقاه في الندوة، تاريخ مسلمي فرنسا إلى ثلاث مراحل: أولها مرحلة السبعينيات، حيث لم يكن للمسلمين مساجد ولا مدارس، ثم جاءت الثمانينيات حيث ظهر إسلام مركّب، وفيه «أخلاط من المهاجرين والأجانب» ومن مساجد المغاور والطوابق السفلية، إسلام يتوارى عن القوم ويخشى الظهور إلى العلن، ثم حلّت مرحلة التسعينيات، مرحلة الاستقرار والاندماج، مرحلة الإسلام الفرنسي، بيد أن هذا التشخيص الذي يسعى في باطنه إلى احتكار الحديث باسم مسلمي فرنسا البالغ عددهم نحو خمسة ملايين نسمة هو ما انتقده أمثال عبدالله زكري السكرتير العام للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية المعروف اختصاراً بـ(CFCM)، وهي الهيئة التمثيلية الأساسية للمسلمين أمام السلطات الفرنسية والمنافس الرئيسي لاتحاد علماء مسلمي فرنسا إلى جانب مؤسسة جامع باريس الاعتبارية، وقد اعتبر عبدالله زكري كلام رئيس الاتحاد بمثابة كلام الغاية منه «الإبقاء على حالة الغموض بشكل مقصود» حول أهداف الاتحاد ووسائله وأيديولوجيته. هامـــــــــــش: 1 - La géopolitique de la guerre civile»، entretien avec Gilles Kepel، Conflits، no 9، avril - mai - juin 2016
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©