الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المرأة العاملة «امرأتان» في واحدة

المرأة العاملة «امرأتان» في واحدة
20 سبتمبر 2010 21:36
تتشابك خطواتها يومياً وتمتد ساعات عملها لآخر ساعة في جوف الليل، تبدأ نهارها قبل الجميع، وتنام بعد أن ترتاح جفون الكل، تحركها غريزتها لتقدم الأحسن، قد لا تدرك ذلك لكنها الأمثل، هي كل أم تسعى لإحاطة أبنائها بمشاعر يغلفها كثير من الحب والقلق، هكذا تتحرك، تحيطهم بالرعاية وإن كان على حساب راحتها، أما العاملة فسعيها أثقل ومسؤوليتها أكبر، دوامها يفوق ساعات العمل المقننة عالمياً كساعات عمل متواصل، لكنها لا تحتج ولا تشتكي ولا تقول إن حقوقها ضاعت تعسفاً، هي الأم العاملة التي ينقسم يومها أياماً، تبدأ العمل في البيت صباحاً، ثم تقدم واجب شغلها خارج البيت، أي وظيفتها، ثم تعود للبيت لتبدأ مساعدة صغارها في حل الواجبات، والوقوف بعد ذلك على احتياجات البيت ومتطلباته بكل تفاصيلها، وهاكم بعضاً من تجارب الأمهات العاملات، وانشطارهن بين متطلبات البيت والضغوطات الاجتماعية والنفسية. قبل أن ترسل الشمس خيوطها الأولى تتشابك خطوات خديجة (سكرتيرة بمدرسة) داخل بيتها، فهي تفكر يومياً في مصير صغيرها الذي لا يتعدى عمره 4 سنوات، ولا يساعدها في البيت أحد، تبدأ بتجهيزه يومياً لتأخذه جارتها إلى الروضة، ثم تجهز وجبة الفطور، بعدها تخرج للعمل تاركة وراءها ما يجب من تنظيف وكنس وغسيل إلى ما بعد العودة من العمل، ويستمر يومها ركضاً إلى ساعات متأخرة من الليل، أما زوجها فعمله يتحدد في تقديم ما يلزم من خارج البيت، هكذا تقول خديجة: راتبي لا يسمح لي بجلب خادمة تساعدني في البيت، وهكذا أقوم بكل واجبات المنزل بمفردي، حيث يبدأ يومي بعد الخامسة صباحاً أجهز الصغير للروضة وأجهز الفطور، ومرات أجهز الغذاء، ثم آخذ ابني لجارتي التي تأخذه مع ابنتها للروضة، وبعد انتهاء الدوام بكل تفاصيله، يبدأ يوم جديد في البيت من غسيل وكي ملابس ومرافقة زوجي لجلب لوازم البيت من الخارج، ثم تجهيز ما يلزم لليوم الموالي، دوامة لا فكاك منها إلا يوم العطلة الأسبوعية. يوم متواصل بين غرفتها تجهز نفسها للعمل، وبين غرف الأولاد تجهزهم للمدارس، وبين المطبخ وما يجب الوقوف عليه من احتياجات الصغار، وقفت منال محمد (مدرسة) تصارع الوقت الذي يداهمها، فدوامها متزامن مع دوام المدارس، وهذا ما يصعب عليها المسؤولية ويجعلها تحت ضغط نفسي كبير، رغم وجود من يساعدها في البيت، خاصة في بداية الدخول المدرسي، وهي أم لأربعة أطفال كلهم في المراحل الابتدائية، ولا أحد منهم يستطيع القيام بمتطلباته بمفرده، هكذا تقضي منال يومها بين الضغوطات النفسية والاجتماعية التي تعانيها طوال يوم حافل بالعطاء داخل البيت وخارجة، ترجع بعد الدوام لتجد شغلاً من نوع آخر في انتظارها، فماذا تقول عن رحلة يوم كامل من العمل المتواصل؟ :”أصحو باكراً على نغمات ساعة المنبه، أجهز أولادي للمدرسة، أجهز الفطور، يخرج الجميع، أذهب للشغل، وبعد نهاية الدوام أرجع للبيت لأبدأ من جديد في ترتيب البيت والاعتناء بالأولاد وتدريسهم. رفض الزوج المساعدة تحدثت بعض الإحصائيات في أميركا من خلال أبحاث إحصائية، عن نماذج من النساء العاملات وعن متاعبهن في الحياة، فأجابت 8 % منهن، أن أكثر ما يضايق المرأة العاملة هو تحملها المسؤولية في العمل والمنزل في آن واحد دون مساعدة من أحد، كما ذكرن أن أزواجهن لا يتحملون أية أعباء منزلية أو مسؤوليات خارج نطاق عملهم، وقالت 10% من النساء العاملات إنهن ترفضن مساعدة الزوج في أشغال البيت بحجة أن المرأة تريد أن تشعر دائماً أنها سيدة البيت، هذا عن أميركا، أما في بلداننا العربية فتؤكد بعض النساء أن الأب مهما ساعد لن يصل إلى تعب المرأة ومستوى الجهد المضاعف الذي تبذله، وفي هذا الإطار تقول فوزية سعيد موظفة وأم لثلاث بنات: “المرأة العربية خاصة مطالبة بأن تكون سيدة بيت قبل كل شيء والرجل العربي لا يتسامح أبداً في الإخلال في حق من حقوقه، لذا لو رغبت الزوجة في الخروج للعمل عليها تحمل المسؤولية كاملة في منظور الرجل، لأن هذا في نظره اختيارها، وهي من يجب أن تتحمل النتائج، رغم مساهماتها الفعالة في مصروف البيت، بل تحملها العبء الأكبر من ذلك، خاصة وأن المرأة لها نظرة مستقبلية بعيدة المدى، فهي تحب أن توفر وتبني مستقبل أولادها وتوفر المدخرات لعاديات الزمان والشدائد، أما الرجل فغالباً ما لا يحب ضيق ذات اليد، ويصرف هنا وهنا وفي بعض الأحيان لا يجد ما يكمل به مصروف الشهر. وتضيف فوزية: ومع ذلك سواء اختارت المرأة العمل أو لم تختره فهي من تتحمل أعباء العمل والبيت والأولاد والزوج وتبقى مطالبة بعدم التقصير في شيء، وخاصة من الناحية الجمالية ومظهرها الخارجي، وكل ذلك معادلة صعبة تكاد المرأة العاملة أن تمسك بها، وفي حال وقوع أي مشاكل بالبيت أو أي تقصير بالنسبة للأطفال، هي من تنعت بالتقصير، لكن تبقى المرأة ذات الإرادة القوية تجابه كل الصعاب وتتغلب عليها، لذا أعتبر المهمة صعبة وليست مستحيلة. شعور بالذنب تتحدث بعض الأمهات عن التوفيق بين العمل والبيت وما تبذلنه من جهود مضاعفة، بينما تتحدث سامية لكحل عن جانب آخر وهو شعورها بالذنب حيال ابنها الصغير الذي تتركه في البيت، وعن ذلك تقول: “للأم عمل رئيسي في البيت، وثانٍ خارجه، ومطالبة بالتوفيق بينهما بشكل جيد، وكل ذلك يتطلب جهداً وطاقة كبيرة جداً، لذا لو توافرت الظروف المادية لها لما تركت أبناءها أبداً وبيتها، ومع ذلك نحاول التوفيق بين هذه المعطيات كلها، وزوجي يعتبر من المتعاونين جداً، نحاول مساعدة بعضنا البعض، يساعدني ويرفع معنوياتي، ورغم ذلك أشعر بالذنب تجاه أولادي نظراً لغيابي عنهم طوال ساعات العمل الطويلة، وخاصة ابني الرضيع. ذو حدين أما أم سهيل فتقول: “العمل سلاح ذو حدين، الأول إيجابي وهو الراتب، والثاني أثره السلبي على الأبناء، ولا بد من التضحيات بالنسبة للمرأة العاملة، بحيث إنه رغم المجهودات الكبيرة التي تبذلها المرأة في توازن كفة الشغل والبيت فإنه لا بد من تقصير في أحد الجوانب وغالباً ما يكون البيت مقابل الشغل، والعمل يأخذ الوقت الأوفر من المرأة لتعود للبيت منهكة وتنتظرها مهاماً أخرى وتأتي معها للبيت بالعمل، ورغم كوننا نحاول المساهمة في تنمية مجتمعنا ورد الجميل لبلدنا، إلا أننا نقصر في جوانب عديدة من مناحي حياتنا. الضحايا هم الأبناء في حين تتحدث فاطمة محمد (موظفة بشركة) تقول: “تحاول المرأة من خلال خروجها للعمل المساهمة في رفاهية البيت وزيادة دخله وهذا في نظري يؤثر على الترابط الأسري والأطفال على الخصوص، الذين يفسح لهم المجال ليرتبطوا بالخادمة، فيصبحون يتحدثون حديثها ويتلفظون بكلماتها، وهناك من الأمهات العاملات من يسمحن بنوم أبنائهم في حضن الخادمة، وهذا تترتب عليه الكثير من المشاكل الاجتماعية، وللعمل إيجابيات كثيرة، لكن له من السلبيات ما يجب الوقوف عندها، تقول أولاً يجب الحديث عن ساعات الدوام الطويلة بالنسبة للقطاع الخاص، والورديات التي تستمر لساعات متـأخرة بالإضافة لشغل البيت والاهتمام بالأسرة، فكل هذه الأمور تجعل المرأة لا تعلو الابتسامة محياها، زد على ذلك أن راتبها محل نقاش ونزاع في آخر كل شهر، بالإضافة لكل هذه المعطيات، فالمرأة مطالبة بابتسامة وأناقة ترضي زوجها. رأي أخصائي هذا ما تعانيه بعض الأمهات وبالأحرى أغلبهن، أما علم الاجتماع فهو يُشرِّح المسألة بمشرط آخر، ويقول هناك تحديات تواجهها المرأة الإماراتية العاملة المعاصرة وتعانيها كل الأمهات العاملات نحو العالم، و في ما يلي يتحدث الدكتور موسى شلال، قسم الاجتماع، جامعة الإمارات العربية المتحدة ويقول: يعتبر موضوع خروج المرأة من المنزل للعمل وأثره على المرأة من أكثر المواضيع التي شغلت علماء الاجتماع منذ عقود طويلة، وفي محاولتهم فهم هذا الوضع جاء علماء الاجتماع ببعض النظريات الاجتماعية التي تحاول تفسير أو الإجابة عن التساؤلات التي تدور حول هذا الموضوع، وتعتبر النظرية الوظيفية التقليدية من أهم ما أنتجه علماء الاجتماع في هذا الخصوص. وتنادي هذه النظرية أن تقوم المرأة بوظيفة العناية بالمنزل والزوج والأطفال وأن تترك وظيفة العمل خارج المنزل إلى الرجل أو الزوج ليقوم بذلك. وتعتقد هذه النظرية أن ذلك يساعد على التوازن والاستقرار المطلوبين داخل الأسرة لضمان استمراريتها. وتعتقد هذه النظرية أن الرجل كفيل وله القدرة على مقابلة كل احتياجات الأسرة المادية، كما أن المرأة بخصائصها المتعددة لها القدرة على العناية بالأسرة. وظهرت مؤخراً مجموعة أخرى من علماء الاجتماع المحدثين والذين يؤمنون بالنظرية الوظيفية ولكنهم يختلفون قليلاً عن السابقين. فقد طورت هذه المجموعة النظرية الوظيفية اعتقاداً منها أن النظرية التقليدية القديمة لا تصلح لمجتمعات اليوم. وعللت ذلك بأن احتياجات الأسرة قد زادت بشكل تصاعدي وزادت معها الأسعار، وأصبح دخل الزوج لا يفي بمقابلة كل ما تحتاجه الأسرة اليوم من سكن ومأكل ومشرب وملبس وتعليم وعلاج ومواصلات وترفيه وما إلى ذلك من احتياجات العصر التي لا تنتهي. فنادت هذه النظرية ألا تقتصر وظيفة الزوجة على المنزل فقط، بل عليها الخروج من المنزل للعمل جنباً إلى جنب مع الرجل حتى تستطيع أن توفر الدخل المناسب للأسرة لمقابلة تلك الاحتياجات. ونادت المجتمعات بفتح أبواب المنازل على مصراعيها تشجيعاً للمرأة بأن تخرج للعمل ومساعدة رفيق دربها الرجل، وخرجت المرأة لتمارس وظيفتها الجديدة وهي العمل خارج المنزل حتى تستطيع زيادة دخل الأسرة لمقابلة احتياجاتها المتزايدة يوماً بعد يوم. ولم تعف الوظيفة الجديدة للمرأة من وظيفتها التقليدية القديمة والتي تنادي بالاهتمام بالمنزل ورعايته بجانب رعاية الأطفال والزوج. فأصبحت المرأة تمارس الوظيفتين معاً في آن واحد، بينما استمر الرجل في أداء وظيفته التقليدية خارج المنزل دون اعتبار لدور المرأة الجديد خارج المنزل. ووجد علماء الاجتماع أنفسهم أمام قضية جديدة بعد خروج المرأة للعمل. وذلك أن المرأة أصبحت تشقى أكثر مما كانت عليه في الماضي على الرغم من زيادة دخل الأسرة. وانبرى الباحثون الاجتماعيون لمعرفة آثار خروج المرأة للعمل، هل زاد من سعادتها أم زاد من شقائها. والحقيقة تقال ليس هناك إجابة واحدة تنطبق على كل المجتمعات الإنسانية المعاصرة التي أتاحت الفرصة للمرأة للخروج. وتتفاوت نتائج البحوث في ذلك من مجموعة إلى أخرى حتى داخل المجتمع الواحد. إضاءات يقول موسى شلال: يعتبر مجتمع الإمارات العربية من المجتمعات الخليجية الرائدة التي نادت وشجعت المرأة على العمل خارج المنزل، وقد قمنا قبل أكثر من أربع سنوات بمسح اجتماعي عن المرأة الإماراتية العاملة في كل الإمارات في محاولة لمعرفة بعض خصائصها العامة. وهل هي أسعد حالاً من رفيقتها التي فضلت الجلوس في المنزل أم لا؟ كانت نتيجة البحث والتي شملت 1300 مبحوثة أن الغالبية العظمى سعيدة وراضية بعملها خارج المنزل على الرغم من أن ثلاثة أرباع هؤلاء النسوة يشكين من أن العمل خارج المنزل يزيد من تعبهن وتوترهن، وتوجد حوالى 40% يفضلن الجلوس في المنزل وذلك حسب اعتقادهن أن الخروج من العمل يتسبب في عدم الاهتمام الكامل بالأسرة، بالنسبة للنساء المتزوجات وبالتالي تصعب الموازنة بين البيت والعمل، ولذلك تعتبر نسبة كبيرة منهن تصل إلى 80% أن على المرأة أن تعمل، ولكن عليها أن تتوقف عن العمل في فترة ما من حياتها من أجل الأسرة، وقد نتج من البحث أيضاً أن العمل بالنسبة للمرأة الإماراتية لا يعني العائد المادي فقط، فهو ثراء روحي ووجداني تحس به المرأة العاملة استشعاراً منها أنها تشارك في بناء ونهضة وطنها. كما أكدت نتائج البحث أن عمل المرأة خارج المنزل زاد من ثقتها من نفسها ومنحها حرية اقتصادية واجتماعية أكبر مما كانت عليه وجعلها أكثر تفهماً لقضايا واحتياجات أمتها أكثر من زميلتها التي آثرت الجلوس في المنزل. وقد أعطى هذا الشعور المفعم المرأة العاملة القدرة على مواجهة مشاكلها الخاصة ومشاكل الأسرة المعقدة والمشاركة في حلها وأكثر من ذلك قد زاد هذا الدور الجديد في الاهتمام أكثر بأسرتها.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©