الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اليونان..عواقب تفاقم الأزمة

23 يونيو 2015 00:27
لو أن اليونان انفصلت مالياً عن أوروبا، وهو احتمال يبدو قوياً، فلن يقع هذا الخطأ على أحد بعينه. وسيقول المسؤولون اليونانيون أنهم طبقوا على أنفسهم من أسباب التقشف ما يفوق ما فعلته أي دولة صناعية قاست من وضعها المالي منذ أزمة الركود، ولن يتمكنوا من فعل أي شيء من دون أن يروا بصيص ضوء في نهاية النفق على شكل التزامات متبادلة بحلحلة مشكلة الديون. وسيقول القادة الأوروبيون بدورهم، ولهم كل الحق في قولهم هذا، إنهم عمدوا طواعية إلى التنازل المتكرر عن مواقفهم السابقة من أجل التكيّف مع الأوضاع الصعبة التي يعيشها اليونانيون. وسوف يشدّدون على أن الرأي العام الأوروبي لن يسمح لليونان بأن تتلاعب بقوانين تختلف عن تلك التي تتعامل بها بقية أوروبا، وبأن صندوق النقد الدولي سوف يبارك أية خطة يتم الاتفاق عليها بين اليونان والاتحاد الأوروبي. وتكمن صعوبة المشكلة في أن الطرفين سوف «يفوزان» بما هو أكثر بكثير مما كانا يخافونه لو فشلت المفاوضات، وبأكثر مما يأملان به لو تم التوصل إلى حل وسط. ويتفهم المؤرخون حق الفهم كيف سمح العالم باندلاع الحرب العالمية الأولى. والآن، وبعد مضي قرن على هذا الحدث المهول، لا زالوا يشكون في حدوثها. وعلى نحو مماثل، يمكن للمؤرخين الماليين أن يتساءلوا كيف سمح النظام المالي الأوروبي بحدوث الأزمة اليونانية. وعلى المرء ألا يخطئ في تقدير التداعيات والعواقب الناتجة عن الفشل في التوصل إلى حل. وعندما يتوقف الدعم الأوروبي لليونان، وما سيترتب عن ذلك من إغلاق البنوك اليونانية وإثارة المشاكل المتعلقة بالقروض، فسوف يعاني اليونانيون من تقشف أكثر سوءاً مما هو الآن، بل إن من الأرجح أن تتحول اليونان إلى دولة فاشلة، وأن يعاني شعبها وقيادتها من ضرر وأذى عظيمين. وحالما تتحول اليونان إلى دولة فاشلة، فسوف تكون قدرة أوروبا على استعادة دفعات ديونها المستحقة أضعف بكثير مما لو تم الاتفاق على إعادة هيكلة تلك الديون. كما أن هجرة اليونانيين الكثيفة نحو الشمال ستستنزف الميزانيات الوطنية في دول أوروبا كلها. ولا ننسى أيضاً التحديات التي يمكن أن تنتج عن محاولة روسيا التدخل في الشأن اليوناني في هذه الحالة. والآن، يحتاج رئيس الوزراء اليوناني «ألكسيس تسيبراس»؛ لأن يسارع لفعل ما هو ضروري لضمان التوصل إلى اتفاقية تتحلّى بالواقعية السياسية مع نظرائه الأوروبيين. وهذا يتطلب بعض التراجع عن الخطاب الأيديولوجي البليغ المتعلق بما يجب أن تكون عليه أوروبا الحديثة، والانتباه إلى أن مشاكل اليونان هي بكل تأكيد من صنع اليونانيين أنفسهم. وعليه أن يقول بكل وضوح بأنه مهتم أشد الاهتمام بفعل كل ما هو ممكن وضروري للبقاء في منطقة اليورو. وهو يحتاج لأن يقول ويؤكد بأنه يوافق على زيادة قيمة الضريبة المضافة، وأن يعمد إلى إصلاح نظام الرواتب التقاعدية حتى يتمكن من تأمين الفائض المالي المستهدف لهذا العام والعام المقبل من أجل سداد الديون المستحقة. وعليه أن يتوقع في مقابل اضطلاع اليونان بالدور المطلوب منها، الاستفادة من شطب المقرضين لأجزاء كبيرة من الديون. وستفعل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وبقية السلطات الأوروبية كل ما هو ضروري لجعل المفاوضات الهادفة لتسوية مشكلة الديون أمراً يمكن الدفاع عنه سياسياً في اليونان. وهذا يعني الاعتراف بأن القسم الأكبر من الدعم المالي الذي تلقته اليونان تم صبّه في خزائن البنوك ولم يتم توظيفه في دعم الميزانية اليونانية. وعلى الأوروبيين أن يوافقوا على تسهيل عمليات التسديد، وأن ينتبهوا إلى مستوى الإنفاق المحلي المتدني لليونانيين، خاصة بعد أن تم فصل 30 بالمئة من الموظفين الحكوميين من وظائفهم. وهذا يعني أيضاً أن عليهم أن يعلنوا عن اهتمامهم بتسريع النمو عبر أوروبا كلها. ويتحتم على صندوق النقد الدولي ذاته أن يدرك أن الأمور لم تعد تتعلق الآن بالأرقام والحسابات. بل باتت ترتبط بالأداء السياسي على أعلى مستوى في أوروبا. ووفقاً لهذا الاعتبار، يكون من واجب هذه المؤسسة المالية العالمية أن تدعم جهود التوصل إلى أي صفقة من شأنها أن تدرأ خطر الانهيار. ودعونا نأمل الآن بأن تستغل اليونان وألمانيا اجتماع القمة ليوم أمس الإثنين حتى تتمكنا من «حلحلة» المشكلة المستحكمة القائمة بينهما. لورانس سامرز* *عميد سابق لجامعة هارفارد ومستشار سابق لأوباما ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©