الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البابا فرانسيس.. رؤية مناخية

23 يونيو 2015 00:27
يقارن نشطاء البيئة عادة بين السوق الدولية لأرصدة الكربون وبيع صكوك الغفران في القرون الوسطى. والبابا فرانسيس يرأس الكنيسة الكاثوليكية التي أنشأت سوق صكوك الغفران؛ لذا قد يتوقع المرء أنه أكثر تعاطفاً مع هذه القضية. وإعلانه البابوي في الآونة الأخيرة حث بقوة على العمل لمكافحة تغير المناخ لكنه انتقد تحديداً بيع «أرصدة الكربون». ويزعم البابا أن البيئة لا يمكن «حمايتها أو دعمها من خلال قوى السوق». ومواجهة أزمة المناخ تتطلب تحولاً روحانياً أعمق للمجتمع يستبدل «التضحية بالاستهلاك والكرم بالجشع وروح التقاسم بالتبذير». وليس لدي اعتراض على النبرة الأخلاقية للبابا ولغته عن «الرذيلة». لكن هذه الريبة في الحلول القائمة على السوق لتغير المناخ أساسها سوء الفهم. والنهج القائم على السوق للتحكم في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري من خلال ضرائب الكربون أو من خلال تصاريح الانبعاثات التي يمكن تبادلها تعكس في الواقع التزاماً أخلاقياً. وذهب البابا مذهباً بعيداً عندما دان «نموذج التكنوقراطية، الذي تحركه الكفاءة» متغافلاً عن أن الكفاءة في هذا السياق تمثل مبدأ أخلاقياً. وتسعير الكربون هو محور نظام السوق الذي يمتد من نظام تبادل الانبعاثات في أوروبا إلى ضريبة الكربون التي تعمل بها مقاطعة «بريتش كولومبيا» الكندية. وبهذا التسعير تتحمل كل الأعمال الاقتصادية والمستهلكين عبء العواقب البيئية لتصرفاتهم. إنها فكرة أخلاقية أيدها البابا فرانسيس نفسه في بيانه البابوي عندما وافق على أن «الكلفة الاقتصادية والاجتماعية لاستهلاك الموارد البيئية المشتركة» يتعين أن «يتحملها بشكل كامل المتسببون فيها». وهذه الفكرة التي تعرف بحساب كامل الكلفة هي تحديداً التي حفزت على تسعير الكربون. وعندما تعكس الأسعار كامل الكلفة الاجتماعية للاستهلاك، فإنها تسمح لنا بتقليص تبديد الموارد إلى أقل حد. ويكمن هذا الالتزام في جوهر مبدأ «الملوِث يدفع» الذي يدعمه البابا فرانسيس. ومعظم الناس تروقهم هذه الفكرة إذا قُرِأت على النحو التالي «إذا كنت تلوث فيجب عليك الدفع»، ولن تروقهم إذا قُرِأت كالتالي «إذا كنت مستعدا للدفع إذن يجب السماح لك بأن تلوث». والقراءة الثانية تؤذي الناس عندما يفكرون في أن الدول الغنية لا تقلص انبعاثاتها من الكربون، لكنها تدفع للناس في الدول الفقيرة ليفعلوا هذا نيابة عنها. لكن أي نهج معقول يجب أن يسمح بهذا بسبب التفاوتات الكبيرة في كلفة تقليص الانبعاثات في الدول المختلفة. ففي الدول التي تعتمد على الطاقة النووية مثل فرنسا، فإن تقليص انبعاث غازات الاحتباس الحراري مكلف للغاية. وعلى النقيض تستطيع الصين أن تقلص الانبعاثات بكلفة قليلة. لذا فمن المعقول أن يتم التقليص في الصين وليس في فرنسا. وهذا ما يسمح به تبادل الانبعاثات. وهذا ليس عداء من البابا لآليات السوق لأنه اشتراكي جامح كما أشار البعض. لكن لفهم موقف البابا علينا أن نتذكر أنه ليس ليبراليا رغم تبنيه موقفا تقدمياً بشأن البيئة. صحيح أنه يرفض أحد المبادئ المحورية لليبرالية وهي الاستعداد للاعتراف بالخلاف الحقيقي بشأن الخير. والمشكلة الأساسية في الأسواق في نظر البابا فرانسيس هي أنها تشبع رغبات الناس مهما كانت هذه الرغبات. والذي يجعل السوق مؤسسة ليبرالية هو أنه لا يحكم على المزايا النسبية لهذه الرغبات. فالزبون دائما على حق. والبابا فرانسيس يرفض هذا ويصفه بأنه جزء من «ثقافة النسبية». فالزبون في رأيه دائماً على خطأ. والبابا يريد نظاماً اقتصادياً يشبع ليس أي رغبات لدى الناس، بل الرغبات التي يجب أن تكون لديهم وهو نظام يدعم الخير العام وفقا لرؤية الكنيسة للخير. وهنا يكمن أعمق توتر في الإعلان البابوي. ففي مقدمة البيان، طالب الجميع بالعمل ليس فقط من أجل الكاثوليك، لكن من أجل كل الإنسانية في اعتراف بأن تغير المناخ يمثل مشكلة عالمية تتطلب تعاونا من كل الشعوب وكل الديانات لحلها. ثم قدم مفهوما عن الخير العام مسيحي في الأساس وانتقد الأسواق على أساس أنها لا تدعم هذا المفهوم. وإلحاح مشكلة تغير المناخ لا يمنحنا فرصة الانتظار حتى يتوصل الناس إلى نوع من الاتفاق الروحي. ما يمكننا المطالبة به هنا، والآن هو أن يدفع الناس كامل الكلفة التي يفرضها استهلاكهم على الآخرين بما في ذلك الأجيال المقبلة. جوزيف هيث * *أستاذ الفلسفة في جامعة تورونتو الكندية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©