الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مثل حسن

مثل حسن
31 يناير 2010 21:04
السيدة هدى تؤمن بالكثير من النظريات التربوية الفريدة من نوعها، ومن ضمن هذه النظريات المبهرة نظرية (إذكاء روح المنافسة). لدى السيدة هدى ولد اسمه (رامي) في الثانية عشرة من عمره، وهو طالب لا بأس به ومهذب إلى حد ما. لم يخنق طفلاً أو يشعل النار في متجر كبير .. لقد صار من الصعب أن تجد مراهقاً لا يفعل ذلك هذه الأيام. ذات يوم جاء إلى البيت مع صديق له اسمه (حسن). مراهق آخر مهذب وخجول كالفتيات. كان رأي السيدة (هدى) منذ اللحظة الأولى أن (حسن) ولد رائع.. ولد تفخر به أي أم. صحيح أنها لم تره سوى ربع ساعة، لكنها قررت أنه نموذج يجب على ابنها أن يقتدي به. يلعب (رامي) قليلاً فتقول له في عصبية: ـ«(حسن) لا يضيع وقته في اللعب بهذه الطريقة.. لابد أنه منكب على كتبه الدراسية الآن». يجلس (رامي) ليدرس فتعلن الأم أن (حسن) بالتأكيد يكتب فروضه بخط أجمل من هذا الخط يسهر رامي حتى الحادية عشرة مساء، فتقول السيدة (هدى) في حسرة: ـ«لا شك أن (حسن) نائم منذ ساعة الآن».. يقول لها (رامي) في تهذيب إنه من المستحيل أن تعرف كل هذا عن (حسن) فهي لم تره سوى ربع ساعة، فتقول في ثقة: ـ«هل تعرف؟ مستحيل أن يكلم (حسن) أمه بهذه الطريقة الوقحة». هكذا تتحول حياة الصغير (رامي) إلى جحيم.. (حسن) يطارده في كل مكان. (حسن) يحب أكل الكرفس والمقدونس.. بالتأكيد (حسن) لا يضيع وقته في لعب كرة القدم وهذه السخافات.. (حسن) لا يحب مشاهدة المسلسلات في التلفزيون.. (حسن) يستحم مرتين يومياً، ولا ينسى غسل أذنيه.. قلت لرامي إن (حسن) بالتأكيد نموذج ممتاز.. هنا انفجر يطلق الشتائم حتى أصابني الهلع.. عندما اتصل (حسن) بـ (رامي) يقترح عليه أن يزوره، انفجر رامي من جديد في سيل من السباب.. الحقيقة أنه لم يعد يتحمل سماع اسم (حسن) بأي شكل ممكن.. قالت السيدة هدى لابنها في برود: ـ«هل ترى؟.. حسن لا يغار من حسن بهذه الطريقة المجنونة» ! عندما جاءت نتيجة اختبار آخر العام وجدنا أن (رامي) حصل على درجة ممتازة فعلاً، لكن السيدة هدى لا تنوي التخلي عن حزمها التربوي، لذا قالت لابنها: ـ«بالتأكيد حسن حصل على درجة أعلى»! هرع إلى الهاتف وطلب صديقه.. سأله في لهفة عن درجته، ثم وضع السماعة، والتمعت ضحكة وحشية على وجهه وصاح: ـ«لقد رسب!.. (حسن) قد رسب!» قالت السيدة هدى: ـ«هل رأيت؟ (حسن) أفضل منك في كل شيء.. يدرك أن الناس يحسدونه بشدة، لذا يكسر عيونهم بزعم أنه رسب.. لا يذيع خبر تفوقه كالأبله في كل مكان مثلك»! ما فعلته السيدة هدى بنجاح هو أن رامي قطع علاقته بـ (حسن) نهائياً.. ظل طيلة حياته لا يفهم المعجزة التي جعلت أمه ترى كل هذه الروعة في حسن، وهي لم تره إلا ربع ساعة. بالتأكيد كانت ستزعم له أن (حسن) يطير لولا ما في ذلك من مبالغة.. لكنها كانت مصرة: لابد من خلق جو تنافسي.. لابد أن يشعر الصبي بعدم الراحة طيلة الوقت، وأن هناك من يسبقه بخطوة. رامي الآن في الثامنة عشرة من عمره، وهو يتقدم جداً في العلاج النفسي والحمد لله.. لم يعد يبكي ويعض أنامله ويتكور جوار الجدار كلما جاء ضيوف للبيت.. وقد قال الطبيب النفسي: ـ«إنه يعاني درجة متقدمة من انعدام الثقة بالنفس.. يجب ألا تطالبوه بما ليس في وسعه، وأن تكفوا عن مقارنته برفاقه». أطاعت السيدة هدى الأوامر حرفياً.. إن قلبها يمزقها من أجل ابنها، وقد قالت له: ـ«بالتأكيد (حسن) لا يعاني أمراضاً نفسية ولم يفقد ثقته بنفسه.. حقاً لا أفهم كيف يفقد إنسان عاقل ثقته بنفسه؟.. لابد أنه منحط وضيع «. عرفت أخبار (حسن) الأخيرة.. لقد رسب في المدرسة عدة مرات ثم وقع في قبضة الإدمان، وهو يعالج في إحدى المصحات.. كما أنه ضبط في متجر كبير يحاول السرقة. أخبرت السيدة هدى بهذه الأخبار فقالت في ثقة: ـ«لكنه سوف ينهض على قدميه ويكافح وينجح.. صدقني.. لو كان (رامي) مثل (حسن) لانتهت متاعبي كلها».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©