الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نماذج إشكالية مغيبة القسمات

نماذج إشكالية مغيبة القسمات
7 فبراير 2008 00:57
ربما كان صحيحا القول إن القصة الإماراتية خرجت من معطف الواقعية التي مثلت الخيار الأوضح في مسيرتها، لكن ذلك لم يمنع من ملاحظة وجود عدد من الكتاب الإماراتيين الذين رفضوا خيار الواقعية كنهج قصصي وحيد، ليمارسوا ضروبا من التجريب المفضي إلى قدر من الطرافة والإدهاش، والى متابعة لمقولات التحديث، وتعبير عن معطياتها الجديدة· ويمكن الزعم بأن القاصة سلمى مطر سيف تمثل علامة شديدة التميز في المشهد القصصي الإماراتي، حتى ليبدو نصها القصصي نصا استثنائيا في البنية والدلالة· تنطلق سلمى مطر سيف في تقديم شخصياتها، من رؤية حداثية، تنأى فيها عن الوقوع في أسر السرد التقليدي المفضي إلى الاحتفاء بسجلها الوثائقي والعناية بملامحها، من خلال تتبع ملامحها الجسدية وتاريخها السري أو اعتماد نسق السرد الخطي في بناء الحدث القصصي· بحيث تبدو ملامح أغلبها مغيبة، تغلب على انطباع المتلقي عنها سيكولوجيا الأعماق ودخائلها أكثر من حضور علاماتها الفارقة· يتصل بهذا الملمح تقديم القاصة شخصيات ذات نمط إشكالي، تستوي في ذلك الشخصيات العادية والشخصيات المثقفة الواعية منها· فهي شخصيات مستلبة معطوبة يتهمها الآخرون بالجنون، وتحيا حياة مليئة بثقوب العبث والوحشة والضياع، فضلا عن كونها تبدو مسكونة بهواجس سحرية وأوهام أسطورية· إنها في جملتها شخصيات منكفأة، أقرب إلى الإحباط منها إلى الحياة الطبيعية، إلى جانب كونها تنتمي في معظمها إلى طائفة النكرات والمهمشين، وتركن إلى ميراث من الوحشة على حد تعبيرها· انقطاع التواصل إن أبرز ما يميز علاقة الشخصيات القصصية ببعضها هو تمركزها حول قطب محوري، يتمثل في علاقة الرجل بالمرأة، حتى لتبدو هذه العلاقة ثيمة الحكاية السردية والمركز الأساس الذي تقوم عليه البنية القصصية للقاصة· لكن الملاحظ أن الطرف المبادر إلى إقامة جسور التواصل هو الرجل، وأنها علاقة محكومة بتجارب سابقة وهواجس مخربة وتهويمات نفسية وتأملات سحرية· لذا فإن نهايات مساعي الرجل صوب المرأة تأتي في شكل تداعيات ذهنية وإيهامات فكرية على الدوام، لتنتهي في غير صالح العلاقة السوية، معمقة حالة الانفصال وعدم التلاقي· ففي قصة ''الثعبان'' يفقد الرجل فرصة زواجه القصير الهانئ بالجنية التي أنقذته من حالة الضياع والقرف التي كان يعيشها· وفي قصة ''الصندوق الأسود'' يفترق الرجل عن زوجته، وتذهب محاولة عديله في إعادة زوجته إليه، وإن بطريق ممارسة التأثير السحري عليه، أدراج الرياح· وفي قصة ''اليراعة'' تنحصر محاولة الرجل الذي ترك زوجته في فراشها، وخرج باحثا عن أفق جديد، في التسمر في ظلال المقهى ومراقبة امرأة الشرفة، في محاولة للفت نظرها وتأسيس حالة من التواصل الإنساني معها· لكنها تصطدم بكونها رؤية أقرب إلى الوهم وصدى النفس والتهويم، لتظل المرأة كائنا أثيريا، بعيدا عن موقفة المنعزل المظلم· وفي قصة''وحشة الميراث'' تنتهي خطوات الرجل المحكوم بعقدة خيانة المرأة، الساعي إلى إدامة علاقته بأخرى متزوجة، تنتهي به إلى ضرب من ضروب الوحدة والاستغراق في أثير طيفها المتحرك في نافذتها· ولا تختلف قصة''عقد الياسمين'' عن سابقاتها، في رؤية الرجل المرأة التي يحلم بها طيفا بعيدا، تأتي حاملة ياسمينا أبيض، متجهة إلى سريره، على مستوى الحلم، بعد أن رأى عروسه من قبل وهي تتشظى صاعدة إلى السماء· وتتفرد قصة ''اليقظة الأخيرة'' عن سائر قصص المجموعة في تغييبها هذا الهم، بسبب من نزوعها إلى تناول فكرة تجريدية· يمكن القول إذن إن التجربة السردية للقاصة، التي تجسدها مجموعتها الثانية ''هاجر''، تعمق حالة الانفصال بين الرجل والمرأة، والعجز عن تحقيق لقاء بينهما، لتعلي من مستوى الرؤية الحلمية، على حساب التجربة الحياتية الواقعية· المرأة ضحية لا بد من التنويه هنا أيضا بحقيقة أن الأفق الإشكالي الذي تنطوي عليه شخصيات قصص القاصة يبقى أفقا ذا جذور اجتماعية وهموم واقعية، وأبعاد سيكولوجية متضخمة، أكثر منه أفقا ينطوي على أسئلة فكرية كبرى أو هموم إنسانية أو فلسفية أو تجريدية، وإن لم نعدم حضور بعض ملامحها· إنها الإشكالية التي تعبر عن نفسها في توق الرجل إلى المرأة، وعجزه عن الوصول إليها أو تحقيق علاقة إيجابية أو سوية معها، إلى جانب تضمنها أبعادا من التهميش والاغتراب والإحباط، لكليهما معا· في مقابل هذا تظل المرأة في النصوص السردية للقاصة مسمرة في وحدتها، لائذة بعزلتها وظلمتها، إلى جانب ما تعانيه من قسوة إضافية يلحقها الرجل بها تارة، والأعراف والمواضعات الجائرة تارة أخرى· ففي قصة ''الصندوق الأسود'' تذهب المرأة ضحية الإرادة الضعيفة للزوج الضعيف وعجزه وغرابة أطواره· وفي قصة ''اليراعة'' تبدو الزوجة المهجورة ضحية لانسياق الرجل لرغبته في ملاقاة من يتوق إليه، في فضاء العالم الموحش الصامت· ولا يختلف الأمر مع قصة ''وحشة الميراث'' التي تبدو الزوجة فيها ضحية وباعثا على تعلق الرجل بذكرى امرأة متزوجة أخرى، يظل يجد في البحث عنها دون جدوى· وهو ما يتكرر في قصة ''عقد الياسمين'' مع الزوجة التي تبدو ضحية استسلام الزوج لنداء مجهول، في الخروج مع طفلها إلى الفضاء الآخر، على الرغم من ممانعة الزوجة لهذا السلوك الغريب، وإن بدت الرؤية في شكل من أشكال الحلم· إن عنفا كبيرا يمارس بحق امرأة البحر العارية من قبل الحارس الذي انتهى إلى ضربها بسادية حتى الموت بعصاه الغليظة، على الرغم من زيف حجته في تطبيق القانون وتذبذب موقفه منها، بين الرغبة الشبقية الواضحة والتظاهر بتطبيق القانون· وهو العنف الذي نجده أيضا في سجن الأب ابنته الصبية في قصة ''ساعة وأعود''، ويتخذ هذا العنف مستوى أكثر ظلما وعنفا في قصة ''النشيد'' التي يمارس فيها الجد فعل الإيذاء بحق حفيدته التي تتعرف ببراءة إلى جارتهم الجديدة التي كان للجد تاريخ سري معها·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©