الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أمجاد يا مدارس

أمجاد يا مدارس
24 يونيو 2011 21:52
كنت محظوظاً في المدرسة مع زملائي الذين كانوا إما أبناء أبطال تاريخيين وإما أبناء شخصيات مهمة. وكانوا ينتمون إلى مختلف الدول العربية، بالإضافة إلى أبناء الإمارات بطبيعة الحال. وكان الحوار يسير هكذا: - كان أبي يقود دبابة فتعرّضت لثلاثة صواريخ مضادة للدبابات لكنه للأسف نجا ولم يُستشهد مثل عمي وخالي. - وأنا كان أبي ضمن قوات الصاعقة وممن عبروا خط «بارليف» الشهير. - أما أنا فقد كان أبي عميداً في القوات الجوية وتعرّض لمحاولة «اغتيال» مرتين. - اغتيال؟ وهل أنت ابن جمال عبدالناصر. - كلا، لكن أبي كان مهماً أيضاً، ففي العدوان الثلاثي سقط صاروخ على رأسه لكن لم يصب إلا بخدوش وتعرضت خوذته للتلف، وفي حرب النكسة تعرض لمحاولة اغتيال أخرى أثناء محاولته التحليق بالطائرة الحربية من نوع سوخوي التي كانت جاثمة على أرض المطار، لكن صاروخاً ضرب ذيل الطائرة واستطاع أبي القفز بالمظلة قبل أن تحترق الطائرة وسقط مصادفة في القدس الشرقية. - وأنا كان أبي.. - لقد أخبرتنا من قبل أن أباك مات مريضاً وهو شاب. - نعم أقصد أن أبي كان والده، الذي هو جدي، من أبطال حرب 1948. - وأنا كذلك كان جدي منخرطاً في صفوف المقاومة الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي. - أما أنا فقصتي مختلفة تماماً، فقد كان أبي قائد لواء عسكري واستشهد مرة واحدة على الأقل، وكان ذلك على هضبة الجولان، إذ تلقى صدره عشرين رصاصة، استطاع أن يمسك إحداها بيده واحتفظ بها في جيبه، لكنها ضاعت منه أثناء سقوطه من فوق الهضبة متدحرجاً إلى طبريا. والآن حين أتذكّر هذا الكلام أتساءل: لم كان آباء الجميع أبطالاً أشاوس؟ صحيح أن هناك أبطالاً حقيقيين استشهدوا أو قاتلوا في تلك الحروب، لكن لم كان أبناء الأبطال دائماً أصدقاء لي؟ ألم يكن بين هؤلاء الآباء أحد الفارين من الخدمة العسكرية؟ أو طباخ في القوات المسلحة؟ أو مجرد سائق شاحنة حربية؟ أو ممن أوكلت إليهم مهمة إنشاء السواتر الترابية؟ أو جندي في القوات الاحتياطية التي لم تطلق رصاصة واحدة؟ أو كان لا يزال يتدرب في معسكرات بعيدة عن خطوط التماس؟ أو كان ضمن كتيبة كانت في طريقها إلى ساحة المعركة لكن بوصولها كانت الحرب قد انتهت؟ وكان هؤلاء برغم ادعاءاتهم محظوظين لأنهم على الأقل يستطيعون اختلاق البطولات ويمكن تصديقهم، لأن الدول التي ينتمون إليها كانت فعلاً قد خاضت الحروب، وكان هناك استعمار وكانت هناك مقاومة، بينما نحن لم نخض حروباً حقيقية إلا مع غدر البحر وقسوة الصحراء، ومع هذا، فقد كان الحوار يسير على هذا النحو: - كان أبي ربّاناً شهيراً. - كان أبي مرافقاً شخصياً لكبار الشخصيات. - كان أبي يملك أسطولاً بحرياً يتكون من 30 سفينة. - 30 سفينة حربية أم تجارية؟ - أعتقد تجارية. - استطاع أبي أن يقتل ذئباً بيده. - وأبي قتل ثلاثة أسود. - أبي كان صاحب أول تلفزيون في الخليج. - وأبي كان أول من يمتلك هاتفاً في بيته. - وأبي صاحب ثاني رخصة قيادة. سبحان الله، أين أبناء الغواصين العاديين؟ وأين أبناء الذين كانوا يصبّون الشاي؟ وأين أبناء الحمّالين؟ وأين أبناء الذين كانت بيوتهم خالية إلا من الحصائر؟ لا أعرف، المصادفة وحدها هي جعلت أبناء الأشخاص المميزين زملاء لي. ورغم أنني كنت أكذب مثلهم، لكن في أشياء أخرى، إذ لم أكن أجرؤ على الكذب في الأمجاد العائلية، فأين ابن من يملك محل بقالة مع ابن لواء حرب، أو مع ابن صاحب ثاني رخصة قيادة؟ لا أعرف كيف يكذب أبناء مدارس هذه الأيام، لكن الذي أعرفه ومتأكد منه أنه بعد سنوات قليلة سيظهر أبناء الأبطال من جديد، خصوصاً أن أحداث هذه الأيام ستعطيهم هامشاً كبيراً للادعاء، فهذا ابن صاحب أول صرخة في «ميدان التحرير»، والآخر ابن الصديق الشخصي لمبتكر موقع «فيسبوك»، والثالث ابن الشخص الذي ذكره الرئيس الأميركي بالاسم في خطابه الشهير، وهذا ابن عضو في المجلس الانتقالي. ويبدو أنني سألقن ولدي الصغير بأن يقول لزملائه إن أباه حصل على ثلاث جوائز نوبل للآداب، وجائزة واحدة في الفيزياء، وقد استشهد مرتين. أحمد أميري me@ahmedamiri.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©