الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تلال الضلال: أجندات وأفكار إرهابية

تلال الضلال: أجندات وأفكار إرهابية
9 يوليو 2014 01:55
محمد أبوكريشة كاتب صحفي اعتدت أمراً قد يراه الناس عجيباً.. فالفيلم الذي يقول عنه الناس والفنانون إنه «مكسر الدنيا» وحقق إيرادات فلكية في دور العرض، أحكم عليه من دون أن أشاهده بأنه تافه.. والفيلم الذي يرفع من دور العرض بعد أسبوع من طرحه لأنه لم يحقق إيرادات، أحكم عليه من دون أن أشاهده بأنه فيلم جيد ورصين، والسلعة التي يتهافت عليها الملايين أراها رديئة، وتلك التي يعزف عنها الناس أراها جيدة.. والطبيب الذي عليه زحام ولا يكف عن الظهور في الفضائيات أراه ضعيفاً في مهنته.. ونظريتي العجيبة هذه لم تخطئ يوماً على الأقل في نظري.. وإذا أخطأت يوماً فسأخبركم وأعترف. السبب في ذلك أنني توصلت إلى قاعدة أقنعتني.. وهي أن الإجماع اليوم قد يكون على باطل وعلى تافه وعلى أمر خاطئ وأن الأغلبية توشك أن تكون غبية.. لأن الإجماع والأغلبية مصنوعان بالإعلام والإعلان والدعاية.. فهما إجماع وأغلبية إمعات.. وهما إجماع وأغلبية نقل لا عقل.. وإن الأكثر نفيراً هم الفائزون ولو كانوا على باطل.. والنفير هو المرادف للإعلام والدعاية والطنطنة والصوت العالي.. وديمقراطية الصندوق التي يتشدق بها البعض مزيفة.. وليس بالضرورة أبداً أن يكون الفائز فيها هو الأفضل.. بل كثيراً ما يكون الأسوأ لكنه الأعلى صوتاً والأكثر نفيراً والأكذب.. والانتخابات حتى لو تركت حرة بلا أي تدخل فإنها تفرز الأسوأ.. لأن إرادة الناخب نفسها مزورة ومصنوعة بالدعاية والنفير والصراخ والصوت الأعلى.. أي أن الإجماع أو الأغلبية قد يكونان على باطل.. والإجماع والأغلبية في رأيي لا يصلحان مصدراً من مصادر التشريع السياسي إذا صحت التسمية.. بل إن الإجماع عندي لم يعد صالحاً كمصدر من مصادر التشريع الديني.. لأن مصانع الرأي العام والأغلبية والإجماع لا تكف آلاتها عن الدوران ليل نهار.. وهذه المصانع ألغت العقل والتأمل وإعادة النظر، ليحل محلها النقل والتقليد والببغائية وثقافة الإمعات والتفكير عن طريق الآخرين. نحن نفكر عن طريق بعضنا وتحولنا إلى ملايين النسخ من كتاب واحد.. نحسن إذا أحسن الناس ونسيء إذا أساء الناس.. وغابت تماماً المرجعية السياسية أو الدينية التي يمكن الركون إليها.. وانفجرت مواسير الفتوى والتحليل حتى صار لكل امرئ منا عشرة مفتين وعشرون محللا. ونحن لا يعنينا ما يقال، لكن يعنينا من قال.. فإذا قال مـن نحبـه باطـلا وكذبـاً نسلـّم له عقولنا.. وإذا قال من نكرهه حقاً ننصرف عنه ولا نقتنع به.. وهذا إفراز عصر الصورة. ونحن لسنا معنيين بكلمات ولحن الأغنية ولا بصوت المطربة أو المطرب، ولكننا معنيون بملامح المطربة أو المطرب ووسامتهما وأناقتهما والصور الباهرة المصاحبة للكليب.. حتى الذين نراهم تقاة ورعين وعلى دين نحكم على ورعهم بملامحهم وأزيائهم، التقوى لم يعد محلها القلب، ولكن محلها العين.. والحكم للشخص أو ضده لم يعد محله القلب والعقل، ولكن محله العين والأذن أيضاً.. وقد قال أمير الشعراء أحمد شوقي واصفاً الشعب والإجماع والجماهير الهادرة على لسان كليوباترا: «يا له من ببغاء عقله في أذنيه». ولو أدرك شوقي عصر الصورة الحالي لقال: «يا له من ببغاء عقله في مقلتيه أو عينيه». وقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم الإجماع في زماننا هذا بقوله «جماعة على أقذاء».. ووصف الهدنة في زماننا هذا بأنها هدنة على دخن.. وقيل أيضاً: هدنة على دخل بفتح الدال والخاء.. وقيل: هدنة على دغل بفتح الدال والغين.. والأقذاء جمع قذى وهو ما يدخل العين من شوائب ترابية أو معدنية فيصيبها بألم شديد.. أي أن جماعتنا تغمض العين على أقذاء وضغائن وأحقاد.. وليست جماعة اقتناع وود ومحبة. والهدنة التي على دخن أو دخل أو دغل هي الهدنة على حقد وتربص وتحين الفرص للهجوم والانقضاض.. أي أن إجماعنا على باطل وهدنتنا على تربص وترصد.. وأغلبيتنا موجهة ومصنوعة وغبية. وإذا كنت أحذر القلة مرة فإنني أحذر الكثرة والإجماع والأغلبية ألف مرة.. وقد تدبرت القرآن الكريم مراراً فرأيت ذماً متواصلا للكثرة.. وقد كان هذا الذم وما زال في الماضي والحاضر والمستقبل.. ومن باب أولى أن تكون كثرة الحاضر والمستقبل أسوأ من كثرة الماضي. وفي غير موضع من القرآن نقرأ أن أكثر الناس لا يعلمون.. وأكثر الناس لا يفقهون وأكثرهم لا يعقلون.. وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين.. وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون.. ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم من الله شيئاً.. وهناك ثناء قرآني على القلة.. إلا ما رحم ربي وقليل ما هم.. وقليل من عبادي الشكور.. وما آمن معه إلا قليل (أي سيدنا نوح عليه السلام).. وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله.. والقلة قد لا تعني قلة العدد فقط ولكنها تعني أيضاً قلة الثرثرة والطنطنة والدعاية والنفير، أو هي ما نطلق عليه الآن الأغلبية الصامتة التي تكون أكثر عدداً وأقل نفيراً. ولــولا أن اللـه عـز وجـل قـد تكفــل بحفــظ القـرآن نصـاً مـن التحريف «إِنـَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لـَهُ لَحَافِظُونَ»، لأضعنـاه وحرّفناه بكثرة المتفيهقين والمتشدقين والمفتين فينـا.. ومـع حفظ اللـه عز وجل للقرآن نصاً، فإنني أزعم أنـه تعرض للتحريف فـي المعانـي والتفسير وتحميـل نصوصــه مـا لا تحتمـل وتوظيفهـا لصالح ولمصلحة جماعات وتنظيمات إرهابية رفعت القرآن راية حق يراد بهـا باطل.. فإذا كانت الكتب السماوية الأخرى قد تعرضت للتحريف في النصوص فإن كتابنا العزيز والعظيم تعرض للتحريف في المعنى، واتخذ الكثيرون إلههم هواهم في فهمه فَضَلوا وأضلّوا.. والتهديد والوعيد والويل للذين يكتبون الكتـاب بأيديهم ويقولون هذا من عند الله.. ليس لأهل الكتاب وحدهم بل هو أيضاً وعيد لكثيرين من المسلمين ممن يقولون على الله ما لا يعلمون، ويخطون كتباً يقولون إنها فتاوى وتفاسير لآيات الذكر الحكيم والسنة المطهرة، وكلها أهواء وتأويلات توافق مراميهم وتلوي عنق النصوص خدمة لأجندات وأفكار إرهابية دموية مريضة وسوداء.. وهكذا أصبحت تفصلنا عن الهدي والحق تلال من الضلال.. رحمتك يا رب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©