الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الرئيس الفرنسي المحتمل .. "ثاتشري" فرنسي على يمين ساركوزي

الرئيس الفرنسي المحتمل .. "ثاتشري" فرنسي على يمين ساركوزي
28 نوفمبر 2016 12:24

إذا ما استمرت شعبية الرئيس فرانسوا أولاند على حالها الراهن، دون تحسن خلال الأشهر القليلة المقبلة، فذلك يعني على الأرجح أن الرئيس القادم لفرنسا سيكون فرانسوا فيون، الذي اجتاز آخر عقبة أمام تسميته مرشحاً عن يمين الوسط الفرنسي لانتخابات الرئاسة المقررة في يونيو المقبل. ففي المحطة الأخيرة من الانتخابات التمهيدية داخل حزب «الجمهوريين»، استطاع فيون، أمس الأحد، التغلب على منافسه الشرس آلان جوبيه، بعد أن تمكن في الجولة الأولى من الفوز على ستة منافسين بينهم الرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي حل ثالثاً، فخرج من السباق وأعلن انسحابه من الحياة السياسية، وطالب أنصاره بالتصويت لصالح فيون.

 

فرانسوا فيون رجل دولة فرنسي وعضو بحزب «الجمهوريين» (وسط اليمين) المعارض، وهو برلماني ورئيس حكومة سابق بارز، لكن فوزه بالانتخابات الداخلية لوسط اليمين على رئيس سابق (ساركوزي) كان رئيساً لوزرائه، ورئيس وزراء سابق أيضاً (جوبيه) كان أحد وزرائه.. فاجأ معظم المتابعين وأطاح بتوقعات المراقبين وبعض استطلاعات الرأي. ولد فرانسوا فيون عام 1954 في لومان، عاصمة مقاطعة «مين» على نهر سارث شرق البلاد، لوالديه ميشل فيون (الكاتب العدلي)، وآن سوليت (المؤرخة والأستاذة الجامعية). تلقى تعليمه في مدرسة خاصة في «بارينييه لو بولان»، ثم في مدرسة سيدة «الصليب المقدس» في لومان. حصل في عام 1972 على شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) في الفلسفة، وأراد أن يصبح صحفياً، وحصل على فرصة للتدريب الصيفي في مكتب وكالة «فرانس برس» بإسبانيا، ثم على فرصة ثانية في صيف العام التالي (1973) بمكتب الوكالة ذاتها في بروكسل. لكن فيون عدل عن ذلك الخيار، والتحق بجامعة مين، في لومان، ليحصل منها على شهادة المتريز في القانون العام سنة 1976، ثم على دبلوم الدراسات العليا في القانون العام من جامعة باريس ديكارت.

 

 

 

وخلال الدراسة الجامعية التقى فيون «بينيلوب كلارك»، البريطانية الويلزية التي ستصبح زوجته في عام 1980، لينجب منها خمسة أطفال. وفي ذلك الوقت كان الإعجاب بالجنرال ديغول، كرمز لفرنسا قوية ومستقلة، قد استحوذ على ذهن فيون ومعتقداته السياسية، لاسيما أن والديه كانا عضوين في حزب «اتحاد الديمقراطيين من أجل جمهورية»، الذي أسسه ديغول عام 1967، وتغيرت تسميته عدة مرات ليصبح حزب «الجمهوريين» حالياً. وقد ظل فيون حتى أواخر التسعينيات مقرباً من الوزير السابق فيليب سيغان ممثل «الديجولية الاجتماعية».

 

الخطوة الأولى لفيون في عالم السياسة كانت عمله في عام 1976 كمساعد للنائب البرلماني «جويل لوتيل» الذي أصبح وزيراً فيما بعد، ثم تم انتخاب فيون عام 1981 عضواً في عمومية منطقة «سارث» عن كانتون «سابليه سير سارث»، وفي العام نفسه تم انتخابه لعضوية الجمعية الوطنية ممثلاً للدائرة الرابعة في منطقة سارث، قبل أن يصبح في عام 1983 عمدة لبلدية «سابليه سير سارث»، ويترأس المجلس الإقليمي لـ«بلاد لوار» بين عامي 1998 و2002.

 

وتقلد فيون أول حقيبة وزارية في حياته عام 1993، وكانت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في حكومة إدوارد بالادير، ثم وزارة البريد وتقنية المعلومات (عام 1995)، ومن بعدها وزارة البريد والاتصالات والفضاء في حكومة آلان جوبيه (1995). وبعد إعادة انتخاب جاك شيراك في قصر الأليزيه عام 2002، شغل فيون وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والتضامن. وعلى مدى عامين أجرى إصلاحات تتعلق بساعات العمل والمعاشات التقاعدية. وبعد تعيينه وزيراً للتربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي، عام 2004، صوت البرلمان الفرنسي على ما سيعرف لاحقاً بـ«قانون فيون للتعليم»، لكن فيون اضطر للتراجع عنه عقب اضرابات طلابية مناوئة. وعلى خلفية الإضرابات، وخسارة فيون الأولى أمام الاشتراكيين في المجلس الجهوي لمنطقة «بلاد لوار»، تم استبعاده من حكومة دوميناك دوفيلبان في يونيو 2005، ليلتحق بفريق المؤيدين لساركوزي في مناهضته لدوفيلبان داخل يمين الوسط.

 

أما بعد فوز ساركوزي بالانتخابات الرئاسية عام 2007، فتم اختيار فيون ليصبح رئيس الوزراء رقم 19 للجمهورية الفرنسية الخامسة، فقاد ثلاث حكومات وظل في منصبه حتى مايو 2012، حين هُزم ساركوزي في الانتخابات الرئاسية على يدي أولاند. وبذلك أصبح فيون ثاني أطول رئيس حكومة فرنسي بقاءً في «الماتنيون» بعد جورج بومبيدو. وربما يعود طول بقائه إلى نمط شخصيته المرنة والهادئة، وكونه على استعداد للامحاء أمام رئيس قوي ونشط وطموح مثل ساركوزي. وقد استطاع الاثنان معاً وضع العديد من الإصلاحات التشريعية والاقتصادية موضع التنفيذ خلال خمس سنوات أمضياها في سدة الحكم.

 

وبعد خروج حزبه من السلطة إلى المعارضة، قرر فيون نقل نشاطه السياسي من سارث إلى باريس، وترشح ممثلاً للدائرة الثانية في العاصمة خلال انتخابات الجمعية الوطنية لعام 2012، فترأس المجموعة البرلمانية لحزبه «الاتحاد من أجل حركة شعبية»، ودخل في منافسة محتدمة مع «جان فرانسوا كوبيه» على زعامة الحزب، وهدد بتأسيس حزب آخر، لكنه أخيراً رضي بتنظيم انتخابات تمهيدية مفتوحة لاختيار مرشح اليمين لانتخابات الرئاسة في عام 2017. وأعلن عن نفسه في 2013 باعتباره «المرشح الذي يقترح قطيعة مع الماضي، ويحقق لفرنسا طموحها في أن تصبح القوة الأولى أوروبياً خلال عشر سنوات».

 

وقد خاض فيون حملته الانتخابية في هدوء وبعيداً عن وسائل الإعلام التي ظلت تتوقع فوز ساركوزي أو جوبيه، دون ما ذكر تقريباً لفيون، الذي بقي صامتاً ورافضاً الدخول في حوارات عدائية، مما أكسبه صورة «الرجل الهادئ والمسؤول والقادر على إدارة فرنسا». وقد اختار استراتيجية انتخابية على هذه الشاكلة، ترتكز على تجنب الإعلام وعلى تنظيم اللقاءات الميدانية المباشرة، خاصة في الأقاليم الفرنسية والمناطق الريفية، معلناً أن خياره هو «الحقيقة مهما كان الثمن». والحقيقة بالنسبة لفيون تلخصها الأهداف الرئيسية لبرنامجه: ضرورة تحرير الاقتصاد (مع تخفيض الضرائب)، الحاجة إلى استعادة هيبة الدولة لحماية الفرنسيين (محاربة الإرهاب)، وتأكيد قيم الدولة الفرنسية (في مواجهة الإسلام السياسي).

 

وبتلك الاستراتيجية «الترامبية» وهذا الخطاب «التاتشري»، مع وعود «بوتينية»، استطاع فيون أن يفوز يوم الـ19 من الشهر الجاري على ستة مرشحين، وأن يفاجئ الجميع بحصوله على 43.6% من الأصوات، يليه جوبيه الذي كان يتصدر التوقعات بـ 26.7%، بينما حل ساركوزي في المركز الثالث بـ 22.9%، ليعترف بهزيمته ويعلن مساندته لفيون قائلاً: «أكن الكثير من الاحترام لجوبيه، لكن الاختيارات السياسية لفيون هي الأقرب، سأصوت لصالحه». ولعل مما يشد ساركوزي إلى رئيس وزرائه السابق، توجهه المحافظ جداً ومفهومه الضيق للهوية الفرنسية، خاصة حين يعلن أن «الشمولية الإسلامية هي العدو».

 

خطاب الحملة الداخلية في وسط اليمين، ونتائج محطتها الأخيرة أمس الأحد (وقد منحت التتويج لفيون)، يعطيان صورة عن مصير الديغولية في فرنسا، وقد أصبحت أقرب إلى التاتشرية. ومع اندثار الحدود بين اليمن واليسار الفرنسيين، فيما يخص الهوية والنظرة إلى «الآخر» ودور الدولة، ومع استمرار مستويات شعبية الرئيس أولاند في رحلة انخفاضها.. ينفتح المجال واسعاً أمام الفرس الأبيض لمراهنات اليمين الذي كان ذات يوم ديغولياً، وأصبح ساركوزياً على يمين ساركوزي!

 

محمد ولد المنى

 
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©