الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فكر قبل أن تعمل (1 - 2)

29 يناير 2017 23:21
روي أن أحد الولاة كان يتجول ذات يوم في السوق القديم متنكراً في زي تاجر وأثناء تجواله وقع بصره على دكان قديم ليس فيه شيء مما يغري بالشراء. كانت البقالة شبه خالية وكان فيها رجل طاعن في السن يجلس بهدوء على مقعد قديم متهالك، ولم يلفت نظر الوالي سوى بعض اللوحات التي تراكم عليها الغبار. اقترب الوالي من الرجل المسن وحياه ورد الرجل التحية بأحسن منها، وكان يغشاه هدوء غريب وثقة بالنفس عجيبة وسأل الوالي الرجل، دخلت السوق لأشتري فماذا عندك مما يباع؟ أجاب الرجل بهدوء وثقة أهلاً وسهلاً، عندنا أحسن وأثمن بضائع السوق، قال ذلك دون أن تبدر منه أي إشارة للمزح أو السخرية، فما كان من الوالي إلا أن ابتسم ثم قال: هل أنت جاد فيما تقول، أجاب الرجل: نعم كل الجد فبضائعي لا تقدر بثمن أما بضائع السوق فإن لها ثمناً محدداً لا تتعداه، دهش الوالي وهو يسمع ذلك ويرى هذه الثقة، وصمت برهة وأخذ يقلب بصره في الدكان ثم قال: ولكني لا أرى في دكانك شيئاً للبيع! قال الرجل: أنا أبيع الحكمة، وقد بعتُ منها الكثير وانتفع بها الذين اشتروها ولم يبق معي سوى لوحتين، قال الوالي وهل تكسب من هذه التجارة، قال الرجل وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة: نعم يا سيدي فأنا أربح كثيراً، فلوحاتي غالية الثمن جداً، تقدم الوالي إلى إحدى اللوحتين ومسح عنها الغبار فإذا مكتوب فيها.. «فكِّر قبل أن تعمل»، تأمَّل الوالي العبارة طويلاً ثم التفت إلى الرجل وقال: بكم تبيع هذه اللوحة، قال الرجل بهدوء: عشرة آلاف دينار فقط، ضحك الوالي طويلاً حتى اغرورقت عيناه وبقي الشيخ ساكناً كأنه لم يقل شيئاً وظل ينظر إلى اللوحة باعتزاز، قال الوالي: عشرة آلاف دينار هل أنت جاد؟! قال الشيخ ولا نقاش في الثمن، لم يجد الوالي في إصرار العجوز إلا ما يدعو إلى الضحك والعجب، وخمَّن في نفسه أن هذا العجوز مختل عقلياً فظل يسايره وأخذ يساومه على الثمن، فأوحى إليه أنه سيدفع في هذه اللوحة ألف دينار والرجل يرفض فزاد ألفاً ثم ثالثة ورابعة، حتى وصل إلى التسعة آلاف دينار والعجوز ما زال مصراً على كلمته التي قالها، ضحك الوالي وقرر الانصراف وهو يتوقع أن العجوز سيناديه إذا انصرف ولكنه لاحظ أن العجوز لم يكترث لانصرافه وعاد إلى كرسيه المتهالك فجلس عليه بهدوء، وفيما كان الوالي يتجول في السوق فكَّر، لقد كان ينوي أن يفعل شيئاً تأباه المروءة، فتذكر تلك الحكمة «فكر قبل أن تعمل»، فتراجع عما كان ينوي القيام به ووجد انشراحاً لذلك، وأخذ يفكر وأدرك أنه انتفع بتلك الحكمة ثم فكر فعلم أن هناك أشياء كثيرة قد تفسد عليه حياته لو أنه قام بها دون أن يفكر. محمد أسامة - أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©