الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خبيب بن عدي .. أول مسلم يستشهد مصلوباً

خبيب بن عدي .. أول مسلم يستشهد مصلوباً
9 يوليو 2014 00:12
أحمد مراد (القاهرة) هو خبيب بن عدي بن مالك الأوسي الأنصاري، صحابي جليل، تردد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ هاجر إلى المدينة، وآمن بالله رب العالمين، وشهد بدراً، وصفه حسّان بن ثابت بقوله: صقرا توسّط في الأنصار منصبه سمح الشجيّة محضا غير مؤتشب. في غزوة بدر كان خبيب بن عدي - رضي الله عنه - جندياً باسلاً، ومقاتلاً مقداماً، وكان من بين المشركين الذين وقعوا في طريقه إبّان المعركة فصرعهم بسيفه الحارث بن عمرو بن نوفل، وبعد انتهاء المعركة، وعودة البقايا المهزومة من قريش إلى مكة عرف بنو الحارث مصرع أبيهم، وعزموا على الانتقام من خبيب. وعاد المسلمون من بدر إلى المدينة، يثابرون على بناء مجتمعهم الجديد، وكان خبيب عابداً، وناسكاً، فكان يقوم الليل، ويصوم النهار، ويحفظ القرآن الكريم. وذات يوم أراد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يعرف تحركات قريش، واستعدادها لغزو جديد، فاختار من أصحابه عشرة رجال من بينهم خبيب وجعل أميرهم عاصم بن ثابت، وانطلق الصحابة حتى بلغوا مكاناً بين عسفان ومكة، ونمى خبرهم إلى حيّ من هذيل يقال لهم بنو حيّان فسارعوا إليهم بمئة رجل من أمهر رماتهم، وراحوا يتعقبونهم، ويقتفون آثارهم، وكادوا يزيغون عنهم، لولا أن أبصر أحدهم بعض نوى التمر ساقطا على الرمال، فتناول بعض هذا النوى وتأمله ثم صاح: «انه نوى يثرب، فلنتبعه حتى يدلنا عليهم». تسليم وساروا مع النوى المبثوث على الأرض، حتى أبصروا على البعد الصحابة، وأحس عاصم أمير العشرة أنهم يطاردون، فدعا أصحابه إلى صعود قمة عالية على رأس جبل، واقترب الرماة المئة، وأحاطوا بهم عند سفح الجبل وأحكموا حولهم الحصار، ودعوهم لتسليم أنفسهم بعد أن أعطوهم موثقاً ألا ينالهم منهم سوء، وهنا قال عاصم بن ثابت الأنصاري: «أما أنا، فوالله لا أنزل في ذمّة مشرك.. اللهم أخبر عنا نبيك» .. وشرع الرماة المئة يرمونهم بالنبال، فأصيب أميرهم عاصم واستشهد، وأصيب معه سبعة واستشهدوا، ونادوا الباقين، أنّ لهم العهد والميثاق إذا هم نزلوا، فنزل الثلاثة: خباب بن عديّ وصاحباه، واقترب الرماة من خبيب وصاحبه زيد بن الدّثنّة فربطوهما، ورأى زميلهم الثالث بداية الغدر، فقرر أن يموت، حيث مات عاصم وإخوانه، واستشهد، حيث أراد. وحاول خبيب وزيد أن يخلصا من وثاقهما، ولكنه كان شديد الأحكام، وقادهما الرماة البغاة إلى مكة، حيث باعوهما لمشركيها، وسارع بنو الحارث إلى شراء خبيب، وأخذوا يعدّون لمصير يشفي أحقادهم، ووضع قوم آخرون أيديهم على صاحب خبيب زيد بن الدّثنّة وراحوا يصلونه هو الآخر عذابا. أسلم خبيب قلبه، وأمره ومصيره لله رب العالمين، وأقبل على نسكه ثابت النفس، رابط الجأش، ودخلت عليه يوماً إحدى بنات الحارث الذي كان أسيراً في داره، فغادرت مكانه مسرعة إلى الناس تناديهم لكي يبصروا عجباً، فقد رأته يحمل قطفاً كبيراً من عنب يأكل منه، وكان موثقاً في الحديد ولا يوجد بمكة كلها ثمرة عنب واحدة، ولم يكن هذا إلا رزق رزقه الله خبيباً. مساومة وحمل المشركون إلى خبيب نبأ مصرع زميله وأخيه زيد - رضي الله عنه - وراحوا يساومونه على إيمانه، ويلوحون له بالنجاة إذا كفر بمحمد، وعندما يئسوا منه، قادوه إلى مصيره، وخرجوا به إلى مكان يسمى التنعيم، وما إن بلغوه حتى استأذنهم خبيب في أن يصلي ركعتين، وأذنوا له، وصلى خبيب ركعتين في خشوع وسلام، وتدفقت في روحه حلاوة الإيمان، فودّ لو يظل يصلي، ويصلي ويصلي، ولكنه التفت صوب قاتليه، وقال لهم: والله لولا أن تحسبوا أن بي جزعاً من الموت، لازددت صلاة. ثم شهر ذراعه نحو السماء وقال: اللهم احصهم عدداً .. واقتلهم بدداً» .. ثم تصفح وجوههم في عزم وراح ينشد: ولست أبالي حين أقتل مسلماً .. على أي جنب كان في الله مصرعي. وكانت هذه المرة الأولى في تاريخ العرب التي يصلبون فيها رجلاً، ثم يقتلونه فوق الصليب، فقد أعدّوا من جذوع النخل صليباً كبيراً ثبتوا فوقه خبيبا، واحتشد المشركون في شماتة ظاهرة، ووقف الرماة يشحذون رماحهم، وبدأت الرماح تنوشه، والسيوف تنهش لحمه، وهنا اقترب منه أحد زعماء قريش وقال له: أتحب أن محمدا مكانك، وأنت سليم معافى في أهلك؟ .. فقال: والله ما أحبّ أني في أهلي وولدي، معي عافية الدنيا ونعيمها، ويصاب رسول الله بشوكة. كان خبيب عندما رفعوه إلى جذوع النخل التي صنعوا منها صليبا، قد يمّم وجهه شطر السماء وابتهل إلى ربه العظيم قائلاً: «اللهم إنا قد بلّغنا رسالة رسولك فبلّغه الغداة ما يصنع بنا».. واستجاب الله لدعائه، فبينما الرسول في المدينة إذ غمره إحساس وثيق بأن أصحابه في محنة، وتراءى له جثمان أحدهم معلقا. ودعا المقداد بن عمرو، والزبير بن العوّام، فركبا فرسيهما، ومضيا يقطعان الأرض وثبا، وجمعهما الله بالمكان المنشود، وأنزلا جثمان صاحبهما خبيب، ودفناه، ولا يعرف أحد حتى اليوم أين قبر خبيب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©