الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حراك السودان... ربيع أم صيف؟!

21 يونيو 2012
العالم مشغول هذه الأيام بالأخطار المالية والأزمات التي تواجه أوروبا، وبسبب الخوف كاد الناخبون اليونانيون يركبوا رأسهم ويصوتوا لجبهة الأحزاب التقدمية، التي رأت "إهانة" في الشروط التي فرضتها على اليونان الدول الأوروبية الشريكة، وبدا أن تيار الرفض الشعبي إذا نجح في الانتخابات فذلك سيعني أن اليونان ستكون أول دولة عضو في منطقة "اليورو"، تتخلى عن عضويتها في المنطقة، ما سيعني -على رأي رئيس وزراء كندا- مشاكل وأزمات لن تقتصر على أوروبا بل ستمتد آثارها إلى كندا، حيث إن البنوك والبيوت المالية الكندية غارقة في ديون اليونان والتي ظلت تمنح اليونان بلايين الدولارات! وليست الأزمة اليونانية وحدها هي التي تشغل العالم المتقدم، فأينما وجه المرء وجهه يرى ويقرأ الخوف مجسداً من تكرار أزمة الركود الاقتصادي، لكنها ستكون هذه المرة أشد وقعاً من ركود الثلاثينيات وأوائل الثمانينيات. لذلك فإن العالم المشغول والمهموم بقضايا وأزمات كبيرة، بدءاً من سوريا التي أعلنت الأمم المتحدة إيقاف عمل بعثة المراقبين فيها خوفاً على حياة أفرادها الذين تعرضوا لهجمات، وليس انتهاءً بالأزمات الباكستانية الأميركية والأفغانية... لم يولِ اهتماماً "إعلامياً" للتطورات الجارية في السودان هذه الأيام والتي فجرتها قرارات زيادة أسعار الوقود وارتفاع قيمة المواصلات والنقل، مما أضاف أعباءً جديدة على حياة المواطنين المرهقين أصلاً، حيث وصلت الحالة المعيشة درجة من الصعوبة لا يمكن أن يتخيلها المرء. هذا وقد ازداد الفقر في السودان وانهارت الخدمات الصحية. وكما يذكر تقرير نشره أحد مراكز البحوث الاجتماعية، فقد سُجل غياب الطلبة الصغار عن المدارس لعجز الآباء والأمهات عن توفير الزي المدرسي الرخيص الثمن، ووجبة الإفطار التي يعدونها لهم للذهاب للمدرسة. ويقول صديق لي عاد من زيارة للسودان بحالة من الاكتئاب والحزن، إن المخجل في ما رأى ولمس بنفسه هناك، أن الفقر أوصل أناساً كانوا يعدون من "وجهاء البلد"، إلى طلب العون من المغتربين من أصدقائهم وزملائهم السابقين، ناهيك عن ارتفاع أعداد الأطفال الذين يتصارعون حول أوعية القمامة. الحكومة في حالة إفلاس وعجز مالي لأسباب معلومة، زادها ارتفاع تكلفة الحرب الملعونة، ومشاريع التنمية وبيعها غير القانوني، والأراضي الزراعية التي استولت عليها من أصحابها وباعتها للمستثمرين (ومعظمهم مدفوعون بالجشع والطمع)، وما خلّفه ذلك من إشكالات قانونية دفعت بعض الملاك للتمرد على الحكومة... هذا رغم أن بلايين الدولارات دخلت إلى جيوب الحكومة. وعندما تتحدث الحكومة عن المستقبل الزاهر الذي تحققه لرفاهية السودانيين، يحتار المواطنون وتصبح الحيرة غضباً وإحساساً بالمهانة والخداع، فهم الذين يعيشون هذه الحالة الصعبة في حياتهم اليومية. إن أخطر أشكال الخداع هي خداع الإنسان نفسه لنفسه. وما أحسب أن الحكومة جاهلة أو غائبة عنها الحالة التي يواجهها شعبها. وعندما أعلنت قراراتها التي كان وقعها كالصاعقة على عامة الناس حذّرها بعض نواب حزبها في البرلمان من النتائج الخطيرة التي ستنجم عن زيادة أسعار الوقود والمواصلات والنقل، وتخوفوا علناً من انفجار الغضب الشعبي... لكن نائب رئيس حزب المؤتمر الحاكم الدكتور نافع قال بحماس شديد، إن الحكومة قد درست واستطلعت وتوصلت إلى نتيجة أن "الشعب السوداني العظيم" سيتفهم الزيادات وسيؤيد حكومته المنتخبة وسيتحمل الأعباء الجديدة. وسخر الدكتور نافع من أحلام المعارضة وتهديداتها بخروج الجماهير إلى الشوارع! لكن "الشعب السوداني العظيم" الذي انتخب الرئيس وأولاه ثقته، رد على سخرية الدكتور نافع، وها هو السودان -وليس الخرطوم وحدها- ومنذ الأسبوع الماضي، قد خرج إلى الشوارع رافضاً الزيادات والسياسات العقيمة مطالباً بإسقاط النظام الذي، على يديه، ذاق من الظلم والإفقار والفساد ما لم يشهد له مثيلاً منذ "التركية الأولى" (يسمي السودانيون احتلال محمد علي باشا باسم الخليفة العثماني)، ولا أيام الاستعمار البريطاني ولا "الحكومات الوطنية"، مدنية وعسكرية، التي حكمت السودان منذ ينايرعام 1956. إن الشرارة التي أطلقها طلاب جامعة الخرطوم، امتدت نارها لتشمل المدن والقرى البعيدة شرقاً وغرباً وشمالاً، واضطربت خطوات الحكومة ولجأت لسلاحها المعتاد؛ أي مواجهة المواكب والتظاهرات بقوة الأمن المسلح ومنع الصحف من نشر أخبار "الاضطرابات"، فنراها تحجر على مراسلي محطات التلفزيون الأجنبية أن تصور وتنقل أخبار "الاضطرابات التي تقف خلفها قوة أجنبية شريرة لا تريد الخير للسودان ولشعب السودان". فإذا كانت الحكومة فعلاً واثقة أن "الاضطرابات" مدفوعة بالأجانب الأشرار، فإنه يصح عليها المثل العربي "الجاهل عدو نفسه"! لكن إذا عادت الحكومة لرشدها وبحثت عن تلك القوة التي تقف وراء تلك الاضطرابات، ستجدها أمامها واقفة علانية وبوضوح وشجاعة لا تنقص السودانيين... إنها الجوع والفقر وسوء الإدارة والغرور والوهم الذي يصوره الحزبيون بأنهم رسل العناية الإلهية وأصحاب الرسالة والمشروع الحضاري الذي أنكره حتى مهندسه ومفكره أستاذهم القديم. في ندوة سياسية تضامناً مع الشعب السوري قال المتحدث عن حزب الجبهة، إن الذين يتحدثون عن "الربيع العربي" وينتظرون قدومه إلى السودان، سيطول انتظارهم. فالربيع السوداني قد بدأ وسبق الجميع قبل عشرين عاماً (إشارة إلى انقلاب "الجبهة القومية الإسلامية" المسمى "ثورة الإنقاذ")! قد تستطيع بشيء من اللعب السياسي، إخفاء الزيادات على المواصلات والنقل، وهو قرار غير قانوني، وسواء انتصر تيار الأمن في مواجهة المظاهرات والمواكب السلمية أم لا... فإن الربيع القادم للسودان قد يكون صيفاً شديد السخونة، يحرق ما تبقى من السودان، بما فيه سلطة الإنقاذ، وسيدفع الثمن الفقراء والمساكين والمظلومون. تُرى هل هنالك من يملك، داخل الحزب والتنظيم والحكومة، الشجاعة ويعيد إخوانه إلى رشدهم! سيقول كثير من السودانيين هذا حلم طيب، لكنه لن يتحقق! عبدالله عبيد حسن كاتب سوداني مقيم في كندا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©