الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كالعادة.. العرب يشربونها «سادة»!

12 فبراير 2016 03:43
كُلْما انتظمت مفاوضات وانفضّت أضحك، ولكنه ضحك كالبكاء. أضحك باكياً، وأبكي ضاحكاً من أمر العرب الذين تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى، والذين أعجبهم على ما يبدو طقس «جنيف»، وفنادقها، وأسواقها، وطعامها، وشرابها، ومعالمها السياحية، فودوا لو ظلوا فيها يتفاوضون طول العمر وحتى آخر قتيل من الأمّة التي لا يدري أحد إلى أي مجهول تمضي. لا يحتاج الأمر إلى عبقرية أو ذكاء أو قدرة على التحليل لنؤكد أن أي مفاوضات يكون العرب طرفاً فيها أو يكونون طرفيها تموت قبل أن تولد وتفشل قبل أن تبدأ، لأنّ الهدف الذي يتبنّاه ما يسمى المجتمع الدولي بأجهزة استخباراته التي تدير أمور أمتنا ليس حل الأزمات، ولكن الهدف هو إدارتها وإطالتها، فكلما طالت ابتعد الحل واقترب الحل. بمعنى أن يبتعد حل المشكلة، ويقترب حل الدول الوطنية العربية وترسيخ الظاهرة الميليشياوية بدلاً منها، وكل الصراعات والحروب والأزمات العربية مشتعلة تحت عنوان واحد هو تفكيك الدول الوطنية لتحل محلها أمة عربية من الميليشيات، وإذا كان السيناريو الميليشياوي قد كتبه المجتمع الدولي والقوى الإقليمية بليل، فإن أبناء الأمة هم منفذوه، وهم أبطال الفيلم الدامي، وهم أدوات اللعبة القذرة فلا لوم على من يخطط، ولكن اللوم على من ينفذ.. اللوم على العرب الذين يلعبون في الفيلم الكرتوني المرعب دور الجاني ودور المجني عليه. دور الضحية ودور الجلاد، ويُلْدغون من جحر جنيف المدينة السيئة السمعة للعرب آلاف المرات، ومع ذلك لا يستطيعون مقاومة سحرها ويهرولون إليها إذا أشارت إليهم. نحن نسير بسرعة الضوء على طريق حل سوريا، لا على طريق حل أزمة سوريا، وعلى طريق حل ليبيا لا على طريق حل أزمتها، وكاد السيناريو يبلغ نهايته في سوريا، والعراق، وليبيا، ويُراد أيضاً حل اليمن الذي لا يعلم أحد إلى أين يمضي.. ومبعوثو الأمم المتحدة إلى كل الأزمات العربية يحملون في حقائبهم سيناريوهات «حل الدول الوطنية» لا حل أزمات هذه الدول، وكل الطرق تقود إلى تفكيك الدول الوطنية وطرح السيناريو الميليشياوي بدلاً منها. وما زالت الثيران تؤكل واحداً تلو الآخر، ولا يتعظ أي منها بمصير من سبقه. من بدأ المأساة لا يريد أن ينهيها، ومن أشعل الحرائق لا يود أن «يطفيها»، والعرب ليسوا لاعبين، ولكنهم أدوات اللعبة، وهم حين يتفاوضون أو يتقاتلون ليسوا سوى دمى على مسرح العرائس يخيل إلينا من غفلتنا أنها تسعى، وكل الخيوط في أيدي لاعبي القوى الإقليمية والدولية والأزمات عربية، لكن القرار ليس عربياً.. وكل نظام وكل معارضة في الدول العربية المنكوبة محكومان من الخارج، فقرار النظام السوري ليس بيده وقرار المعارضة السورية ليس بيدها، وعندما تحدث المتحدثون عن ضرورة وقف النار تساءلت ضاحكاً كالباكي: من بيده وقف النار في سوريا؟ النظام السوري لا يستطيع لأن الأمر بيد إيران وروسيا، والمعارضة لا تستطيع لأنها موزعة الولاءات على قوى دولية وإقليمية أخرى.. و«داعش» لن يوقف النار، و«النصرة» لن توقف النار، ولا يستطيع أحد إلزامهما.. والمعارضة السياسية التي تتفاوض في فنادق جنيف ليست لها سلطة على المعارضة التي تقاتل على الأرض، بل إن المعارضة السياسية ليس لها وجود على الأرض السورية، والغلبة في الأزمات العربية للعسكرة وليست للسياسة، وعندما ينطلق الرصاص تخرس السياسة والدبلوماسية، ويصبح من العبث الحديث عن تفاوض أو حلول دبلوماسية، وكل فريق من المتقاتلين يريد أن يكسب أرضاً بالقتال ليخلق موقفاً تفاوضياً أقوى. ولا أحد من الفرقاء يكسب لأن أحداً من القوى الدولية والإقليمية لا يريد الحسم العسكري حتى لا يتحقق الحسم السياسي. والمفاوضات لا يمكن أن تنجح إلا إذا كان هناك منتصر ومهزوم في الحرب. وفي الأزمات العربية لا يوجد منتصرون، ولكن الجميع مغلوبون ويولون الدبر. وكالعادة أيُّها السادة نجد العرب يشربونها سادة... في القتال، وفي المفاوضات، وفي مؤتمرات المانحين.. هناك دائماً مسارات عدة في أزمات العرب.. المسار العسكري، والمسار السياسي، والمسار الإنساني.. إنها لعبة المسارات التي تنتهي دوماً بقبض الريح وإلى مزيد من الجعجعة بلا طحن. وما زال ضحكي كالبكاء، أو بكائي كالضحك مستمراً، وأنا أتابع الأخبار العاجلة الحمراء على الفضائيات العربية المسكونة بالغفلة والغباء، ومنها خبر يقول: «الولايات المتحدة تعلن التدخل العسكري ضد الإرهاب في ليبيا (إذا استدعت أو إذا دعت الضرورة)»... والجملة التي بين قوسين تنسف الجملة التي قبلها وتجعل الخبر الأحمر العاجل مثيراً للضحك، فالضرورة لا تدعو ولا تستدعي أبداً. والأمر لا يتطلب أبداً، والخلاصة أن المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة مستعد لحل الأزمات العربية، لكن إذا دعت الضرورة. والضرورة لا تستدعي الحل، ولسنا في أميركا والمجتمع الدولي في عجلة من أمرنا. ولا بد أن تصل الأزمات العربية إلى مرحلة اللاعودة واللاحل حتى يصبح الحل الوحيد هو الحل، أي حل الدول الوطنية وتقسيمها إلى دويلات ميليشياوية، ثم تقسيم المقسم إلى ما لا نهاية، وكل هذا لأن أمر العرب ليس بأيديهم ولن يكون، وتوزيع الأدوار في الفيلم العربي اقتضى أن يكون دور العرب هو أن يكونوا مجموعات الكومبارس المقاتلة والمتحاربة حتى يتفانى الجميع بعد أن (دقوا بينهم عطر منشم)، ثم يتدخل البطل في آخر لحظة ليحل العقدة المستعصية بمؤتمرات ومسارات سياسية وإنسانية (سادة) يشربها العرب كل مرة ثم يعودون لدوامة الموت والقتل والدمار، ونسمع عن «مؤتمر أصدقاء سوريا»، ونضحك ونتساءل: أي سوريا يعنون؟ ونسمع عن مؤتمرات المانحين لسوريا، وغزة، وليبيا، ونتساءل ونضحك كالباكين: إلى من تذهب المليارات المزعومة ومن سيتولى الإعمار والإغاثة؟ ونكتشف دائماً أنها كعكة الخراب التي قسمت على شركات المقاولات الغربية لتتولى إعادة الإعمار، ونكتشف أن العرب الذين يخربون بيوتهم بأيديهم وقعوا كالعادة بين شقي الرحى... ففي القتال هم تحت رحمة تجار السلاح، وفي المسار السياسي هم تحت رحمة تجار الكلام، وفي المسار الإنساني هم تحت رحمة مقاولي الهدم والبناء الذين فازوا بكعكة إعادة الإعمار، وليس للعرب أي دور في الفيلم الكئيب سوى أن يموتوا حرقاً، أو غرقاً، أو قتلاً، أو سحلاً، أو جوعاً. ليس لهم سوى دورين هما: القاتل والقتيل، وفي كل المسارات، وكالعادة نجد العرب يشربونها سادة! *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©