الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

بلقزيز: إصلاحات المغرب العربي لا تمثل رغبة حقيقية في التغيير

بلقزيز: إصلاحات المغرب العربي لا تمثل رغبة حقيقية في التغيير
27 مايو 2006
غادة سليم:
تناول د· عبد الإله بلقزيز أستاذ الفلسفة بجامعة الحسن الثاني بالمملكة المغربية بعض أوجه التفاعل السياسي الرسمي تجاه مسألة الإصلاح في المغرب العربي ، وذلك من خلال بحث قدمه في المؤتمر السنوي السادس للإصلاح والتحول الديمقراطي في الوطن العربي· استعرض من خلاله استجابات النظم المغاربية للضغوط السياسية والاقتصادية المتفاوتة مع موضوع الإصلاح· ويرى د· عبد الإله بلقزيز أن دول المغرب العربي الخمس تجمع بينها ملامح وقسمات مشتركة احتكار السلطة، وكبت الحريات، والقمع السياسي ولا تملك تجارب متشابهة في مسيرة التحوُّل الديمقراطي نظرا لاختلاف الظروف الاقتصادية وتباين الأنظمة السياسية لدى كل دولة ومستوى نموّ العلاقة السياسية بين السلطة وقوى المجتمع· ورغم ذلك استطاع د· بلقزيز أن يقف على أوجه التَشابه في تجارب الإصلاح في دول المغرب العربي الخمس ويستعرض الحراك الاجتماعي والسياسي في نسيج العلاقة بين السلطة والمجتمع·
ولخص د· بلقزيز انتقاداته لأسلوب تعاطي نظم الحكم في دول المغرب العربي مع مطلب الإصلاح في ست نقاط نختصرها كالآتي: غياب رؤية برنامجية لمسألة الإصلاح· والذي يرجعه إلى غياب إرادة الإصلاح لدى النظم الحاكمة·ومحدودية الإصلاحات التي أقدمت عليها تلك الأنظمة من أجل احتواء الضغط وربح الوقت، والترحيل المستمر لاستحقاق الإصلاح السياسي من خلال التركيز على الإصلاح الاقتصادي·وصَمِّ آذان النظام السياسيّ لنضال حركات حقوق الإنسان وارتضاء التنازل للأجنبي والامتثال لأوامره! بالإضافة إلى المقاومة الشرسة للإصلاح التي تُبْديها قوى متنفذة داخل النظام السياسي تخشى على مصالحها من ذلك الإصلاح· وأخيرا·· الدور المتضخم الذي تنهض به المؤسسة العسكرية في إدارة الحياة السياسية في أغلب الدول المغاربية والذي يفقد السلطة والسياسة طابعهما المدني·
المغرب·· والإصلاح
وعن تجربة التحول الديمقراطي في المملكة المغربية قال د·عبد الإله بلقزيز: إن إصلاح النظام السياسي والبناء الديمقراطي لم تقف على محك الاختبار إلا في النصف الأول من سبعينيات القرن العشرين غداة المحاولتين الانقلابيتين الفاشلتين في عامي1971 و··1972وأضاف قائلا: إن اللحظات الأولى من الإصلاح بدأت عام 1971 في صورة حوار بين الحسن الثاني وقادة الكتلة الوطنية من أجل تشكيل حكومة وطنية، ومع أن الحوار لم يفض إلى نتائج سياسية توافقية في حينه إلا أنه عكس آثاراً إيجابية على العلاقة بين السلطة والمعارضة· ونتيجة للمحاولات الانقلابية سعى النظام إلى تحقيق إصلاحات ديمقراطية· كإطلاق سراح بعض المعارضين، ورفع بعض القيود عن صحافة المعارضة، واحترام حرية العمل النقابي والاجتماعي·
ويقول د· بلقزيز: ومع أن آلة القمع وطاحونة المحاكمات السياسية لم تتوقف، إلا أن وتيرتها قد خفت مع اتساع هوامش العمل السياسي والمدني··فلقد صدر عفو شامل عن كل المعتقلين السياسيين وعاد المغتربون لأسباب سياسية إلى المغرب ، ومُكِّنت الحركة الإسلامية من المشاركة في الانتخابات النيابية وتشكلت لجنة تعويضات لآلاف المعتقلين سياسيا وصرفت التعويضات فعلا·
ويشير د· عبد العزيز بلقزيز إلى المنعطف الحقيقي في مسار الإصلاحات بالمغرب فيقول: إنه الملك محمد السادس بدا أكثر تجاوباً مع مطالب المعارضة والرأي العام من والده· وحقق مكاسب ديمقراطية عديدة منها العفو عن زعيم المنظمة الماركسية ، ورفع الإقامة الجبرية عن مرشد جماعة العدل والإحسان، وإقالة إدريس البصري وزير الداخلية في كل العهود والحكومات السابقة·
كما حدثت إصلاحات عميقة في مجال حقوق المرأة· وبقيت المأثرة الأهم تتمثل في إغلاق ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بتشكيل هيئة الإنصاف والمصالحة للنظر في تعويض ثلاثة أجيال من المعتقلين السياسيين وعشرات مجهولي المصير· وتنظيم جلسات استماع لضحايا القمع بثت على الهواء مباشرة·
تونس·· والانفراج
يلخص د· بلقزيز تجربة الإصلاح في تونس في المفارقة التي اتسم بها طابع حكم الحبيب بورقيبة الذي رغم كونه حكما فرديا إلا أنه لم يكن استبداديّاً أو قمعيّاً في بدايات الثمانينيات، واستطاع أن يقوم بإصلاحات منحت المرأة حقوقاً لا تناظرها حقوقٌ من البلاد العربية وفي نظام التعليم وحرية التعبير· إلا أن د· بلقزيز سجل على تونس بورقيبة تراجعا في مجال الحريات العامة وحقوق الإنسان في بدايات الثمانينيات أثناء حملات التصفية الشاملة لحركة الاتجاه الإسلامي·
وأوحى التغيير الذي قاده زين العابدين بن علي على بورقيبة إلى أن البلاد على أعتاب وقف الصدام بين السلطة والتيار الإسلامي وفتح الطريق أمام استكمال مسلسل التحديث السياسي الذي بدأه بورقيبة· إلا أن الحكومات التونسية عجزت عن امتصاص آثاره وتكريس الاستقرار· لكن صدام النخبة السياسية الجديدة مع الحركة الإسلامية، في مطالع عقد التسعينيات، أعاد الحياة السياسية إلى ما قبل 7 نوفمبر ،1987 وبدأت تونس تشهد ظاهرة الحزب الواحد، وهي التي كانت رائدة في مضمار التعددية السياسية·
ويضيف د· عبد العزيز بلقزيز في بحثه قائلا: أطلت التسلطية مجدّداً على الحياة السياسية التونسية، وسريعاً بدأت البلاد تخرُج من حيّز المثال المرجعيّ في باب الليبرالية السياسية في منتصف الخمسينيات وبدايات الثمانينيات ،إلى حيّز المثال المرجعي في باب الشمولية السياسية منذ مطالع التسعينيات!··وفي مقابل التشدد السياسي كان هناك نجاح في تجربة الإصلاح الاقتصادي ضمن لتونس استقراراً مقبولاً·
الجزائر·· والتحول
وعن تجربة التحول الديمقراطي في الجزائر يقول د· بلقزيز: بدأت الجزائر تجربتها في الإصلاح في نهاية الثمانينيات لتنتكس سريعاً في بداية التسعينيات· فلقد أحدثت انتفاضة أكتوبر 1988 شرخاً عميقاً في شرعية نظام جبهة التحرير الوطني الذي حكم البلاد لأزيد من ربع قرن بعد أن دخلت إلى ساحة العمل السياسي قوةً اجتماعية وسياسية مثلَتها في حينه الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وفرضت تعديلاتٍ جوهريةً في قواعد النظام السياسي·
وأضاف: من باب الأمانة والإنصاف القول: إن نظام الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد استوعب سريعاً درس الانتفاضة وأبدى تكيُّفاً خلاَّقاً مع الحقائق الجديدة أنه لا مناص من إجراء إصلاحات سياسية عميقة وتوفر للبلاد التشريعات الضرورية لتحقيق عملية الانتقال إلى الديمقراطية·
ولقد شهدت الجزائر ورشة إصلاحات سياسية حقيقية وعميقة في العام 1989 مسَّتِ الدستور وقوانين الحريات العامة· ثم جرى الانقضاض على هذا المسار الديمقراطي سريعاً في يناير ·1992 وعلى مدار سنوات التسعينيات، اندلعت واحدةً من أشرس الحروب الأهلية والصدامات الدموية الواسعة في المدن والجبال بين الجيش النظامي والجيش الإسلامي للإنقاذ ثم بينه وبين الجماعة الإسلامية المسلحة· أزهقت فيها أرواح عشرات الآلاف من الجزائريين وتعمقت الجروح والأحقاد·· وخسرت الجزائر حياتها الديمقراطية والسياسية ووحدتها الوطنية وسلمها المدني·
ويضيف د· بلقزيز: إن الجزائر لم تستأنف مسارها الديمقراطي مع صعود بوتفليقة رئيساً للجمهورية· لكنها نجحت في أن تستعيد بعضا من أمنها الاجتماعي واستقرارها السياسي ونشاطها الاقتصادي بسبب نجاحه في التفاوض مع مقاتلي الحركة الإسلامية على الهدنة وإلقاء السلاح وإعادة الاندماج في المجتمع·
من ليبيا إلى موريتانيا
وعن الإصلاحات السياسية في ليبيا يقول د· بلقزيز إنها ظلت تمثل حالة استثنائية على صعيد نمط الحياة السياسية منذ ثورة الفاتح من سبتمبر، بكونها لا تُقر بنظام الحزبية والانتخابات العامة، ولا بالحق في تأسيس صحف مستقلة وجمعيات مستقلة· وتنحصر الشرعية التمثيلية في اللجان الشعبية ومؤتمر الشعب العام·
ويضيف د· بلقزيز: بالرغم من النضال الطويل الذي قامت به الحركة الديمقراطية الليبية من أجل تحقيق إصلاحات سياسية مطالبة وبشكل سلمي بإقرار نظام الحزبية وحرية التعبير والحق في إصدار صحف مستقلة، وإجراء انتخابات حُرّة ، وإقرار استقلال القضاء··· إلا أن النظام الليبي لم يستجب لأيٍّ من مطالبها بما فيها إخلاء السجون من المعتقلين والإعلان عن مصير المختفين والسماح بعودة المنفيين!
ويقول: واليوم، بعد تخلي النظام الليبي عن سياساته السابقة تجاه الولايات المتحدة ودول أوروبا، وتخليه طواعية عن برنامجه النووي، وتقديمه التعويضات السخية لعائلات ضحايا الطائرتين، وانقلابه على العروبة، بدأ يتمتع بهامشٍ واسع للتحلل من أية ضغوط دولية من أجل الإصلاح السياسي ،وكفت أميركا وأوروبا عن الحديث عن محنة الحريات العامة وحقوق الإنسان في ليبيا !· أما ضغوط الرأي العام الداخلي فتلك آخر ما يمكن أن تحفل السلطة في البلاد بأمرها·
أما عن موريتانيا فيقول د· بلقزيز: إنها شهدت نقلةً مثيرة في تاريخها السياسيّ المعاصر بالانقلاب العسكري الذي أطاح بنظام معاوية ولد أحمد الطايع والذي نجم عنه قيام المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية ، وعلى الرغم من أن البلاد عانت طويلاً من مسلسلٍ متصل من الانقلابات العسكرية إلاّ أنها ظلت تتمتع بحيوية سياسية عبر نشاط أحزابها ومنظماتها الجماهيرية وعراكها الشجاع مع النظام السابق·
ويضيف د· عبد الإله بلقزيز: إن المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية وعد الحاكم بتهيئة شروط الانتقال إلى الحياة الديمقراطية خلال مرحلة انتقالية لا تتجاوز السنتين تجري فيها إصلاحات سياسية· وفي هذه الأثناء تم الإفراج عن المعتقلين السياسيين واستعادت البلاد بعضاً من الحريات، وتنفَّس الناس الصعداء أملاً في أن تأخذ الحياة السياسية مجراها نحو الاستقرار والديمقراطية
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©