الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السوط بلا صوت

السوط بلا صوت
21 يونيو 2012
الحياة بتجاربها المختلفة وتراكم حكاياتها وخبراتها، ومشاهداتنا وقصصنا الشخصية، قد تغري المرء لأن يفكر مباشرة في كتابة هذه العوالم متكئا على مخزونه من كل ذلك، وغالبا ما كانت الرواية هي الوعاء الذي يختاره سلفا أو هو الأكثر شيوعا. إذ يرى البعض سهولته ويراه البعض مجالا للبوح والحكي، لكن الكاتبة موضي الزهراني من السعودية كانت أكثر التصاقا بالواقع وكتبت في كتابها الجديد “نساء مضطهدات” عن تلك الحكايات مأخوذة عن الواقع بكل تفاصيلها، ولعله من الكتب الحقوقية المهمة القليلة التي تناقش تداعيات وحالات النساء في المجتمع، وما يعانينه من اضطهاد وقسوة وصمت وهضم للحقوق وتعذيب وظلم. ومع كل حكاية تحكيها أو تنقلها موضي الزهراني يظهر اختلافا وتباينا بين الحالات التي تعبر عن حالات أخرى كثيرة في المجتمع، وما كانت تلك الحكايات إلا نموذجا وشريحة تعبر عن الجمعي، بين الحالات الغريبة التي لها علاقة بالجهل من قبل الرجل أو العنف أو القائمة على المفاهيم المغلوطة، وهذا ما يترتب عليه ضرر لا يلحق بالمرأة فقط بل يتجاوزه إلى الأطفال، ومن ثم إلى المجتمع الذي ينشأ وفي داخله كل ذلك الصراع العنيف والإحساس بالاضطهاد والظلم، وما يتصل به من كرامة تفقد وضياع وتشتت وتيه. وكل ذلك ليس بعيدا عن آثار أخرى كما تقول الزهراني، فهي مرتبطة بمعرفة الإنسان بحقوقه وما عليه فعله، إذ أن كثيرا منهم لا يعرف مجرد معلومة أن من حقه أن يتساءل ويطلب حقوقه ويعرفها أو أن له حقوق أصلا، وهذا يحدث غالبا بتأثير من ثقافة المجتمع سواء تلك التي سيطرت عليها الذكورية، أو الأخرى التي تنظر للنساء نظرة قاصرة دون وجه حق وعبر أزمنة مديدة، وهذا كله ما يعضده التفسير النفسي السيكولوجي الذي ألحقته المؤلفة موضي الزهراني بعد كل قصة، فهي تفسيرات تقدم حلولا دقيقة يضعها أهل الاختصاص ويحاولون من خلالها ـ وضمن هذا التحليل ـ أن يلمسوا شرارة المشكلة وبذرتها وجذرها الأول وما كان يجب فعله مع كل حالة. وقد نلاحظ في كل الحالات/ الحكايات التي ترويها المؤلفة، أنها ترتكز على جهل الضحايا فيها بحقوقهم المشروعة أو بعامل الخوف والعادة والتقاليد، وقد يكون كل ذلك ليس صحيحا فأحيانا يكون الرجل هو المشكلة لوحده سواء كان مريضا أو مدمنا أو ذو شخصية معقدة على سبيل المثال. والجميل أن المؤلفة تخرج من حالات التعنيف التي تتعرض لها النساء، والتي غالبا ما تجري في صمت مطبق وكأن السياط التي تأكل أجسادهن خرساء، لكي تطرح سؤالا عمليا هو: متى تحتاج المرأة إلى الحماية؟ وأجابت عنه في عدة نقاط مهمة تتعلق بتلك الحالات التي يتدخل فيها السلوك العدواني المنذر بالخطر، مثل: التهديد باستمرار العنف، والمنع من الخروج للعمل، أو الدراسة، أو زيارة الأسرة، أو العلاج، واستخدام عبارات سيئة أو ساخرة أو محتقرة، أو أخذ راتب وظيفتها بالقوة، أو عدم تحمل مسؤولية البيت أو الأطفال أو الأسرة، أو الحبس ومنع الطعام، أو الضرب والركل والتقييد والخنق والحرق، أو إهدار المال.. ومع كل هذا تراعي الزهراني مسألة محاولة الإلمام بحالة المعتدي كمريض أو مدمن على المخدرات واتخاذ إجراء صحيح لا يلغيه وعوده بالتعديل أو الإصلاح، ومعرفة أن بعض الأشخاص بحاجة حقيقة وملحة للعلاج، وذلك العلاج قد يتطلب وقتا طويلا خصوصا ما هو نفسي أو له علاقة بالإدمان، كذلك لا بد من إن يعرف الشخص الجهة التي يمكنه الذهاب إليها، وهذا ما تفرد له الزهراني مساحة في آخر أوراق الكتاب تذكر الجهة وتخصصها ومكانها وعنوانها سواء ما كان ضمن اتفاقيات عالمية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حيث صادقت السعودية على إعلان حقوق الإنسان الصادر عام 1990، أو اتفاقيات تتعلق بنوع واحد من الحقوق أو محدد كالاتفاقية التي قامت على فكرة القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقيات حقوق الطفل، والإدارة العامة للحماية الاجتماعية، وجمعيات حقوق الإنسان المنتشرة في العالم، وهيئات حقوق الإنسان، وبرامج الأمن الأسري، وجمعيات حماية الأسرة، والخيريات الأخرى المؤسساتية العالمية أو الخاصة التي كانت عبر أفكار طرحها أشخاص مهتمين مثل جمعيات خاصة بالطلاق واختصاصات أخرى مثل جمعية سمت نفسها “واعي” ومقرها الرياض وتهدف إلى تنمية الوعي والسلوك الحضاري لدى الفرد والمجتمع، ومراكز الاستشارات النفسية والأسرية وتسمى مراكز الإرشاد الاجتماعي، وهي أيضا تقدم خدمات اجتماعية وقائية وعلاجية لكل المشكلات الأسرية بالأخص، كما افتتحت كثيرا من مراكز الحماية الخاصة بالمستشفيات وهي تبحث وتخدم أي حالة تراجع المستشفى بحثا عن العلاج بسبب العنف الواقع عليها وبالتعاون مع الجهات الأخرى ذات العلاقة، كما أن هناك لجانا وطنية لمكافحة المخدرات وتسعى إلى الحد من انتشار المخدرات بين إفراد المجتمع وتوفير برامج الدعم الذاتي للمتعافين من الإدمان على المخدرات. وقد احتوت فصول الكتاب على عدة حكايات حقيقية واقعية، متبوعة تحليل وتفسير نفسي، وهناك فصل عن قصة حيرة وأخرى عن بائعة في حديقة عامة وأكذوبة “ضرب الحبيب مثل أكل الزبيب”، وقصص عن سنوات طويلة من العناء عانتها بعض النساء وعزلة فتيات السطح وضياع طفولة معذبة.. إن البحث في النسق الاجتماعي سيكشف عن الكثير من السلبيات التي يمكن محاورتها ودراستها للخروج من هذه المشكلات بسلام، ومثل هذه الدراسات الهامة قليلة للأسف، مع أن العالم بدأ يحتاجها بشكل منقطع النظير، ومع أنها شائعة في أوروبا والعالم الغربي عموما ولا يكاد يمر شهر دون إصدار حديث أو أكثر عن قضايا معاصرة حقوقية أو كتجربة حياتية أو أيا من قضايا المجتمعات المدنية..
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©