الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خفايا مضيئة

خفايا مضيئة
21 يونيو 2012
لوحات الفنانة اللبنانية مريم شحرور، فيها الممتع واللافت والمفيد. ومن خلال رسوماتها عبّرت وأطلّت، على المثقّف والمتلقي العريق. فاعتمدت الأسلوب التصويري الذي تسهل قراءته واستساغة معانيه. نوّعت وعالجت وأضافت على الأسلوب الكوفي نسقاً جديداً. فهي كالأديب يتحسس الحقائق الباطنة، ويدرك معانيها بفضل ما يتمتع به من إشراق داخلي، يضيء له المكامن وخفايا الأنفس... تنتقل من عالم اللاشكل الى الشكل المألوف... فاستوحت الوجوه على اختلافها فأبرزت براءة الطفولة، وسحر عيون الفتيات، وهواجس الأمهات، وهموم الشيوخ، ورجولة الكهولة... لقد كانت ترسم بالألوان فعبّرت عن عواطفها وانفعالاتها، ففي حوار صامت بين اللوحة والعين، نسبر اعماقاً، نسبح في الضوء... تقول أثناء محادثتنا لها إن الفنان هو انسان، ولديه شخصية متميزة بجوهرها، وحدودها وامكاناتها. يختزن تجارب ذاتية في تكوين شخصيته، حيث يندفع الى التعبير الفني، ويندفع ايضاً الى التعبير عن نفسه. وعما يخالجه من ألوان المعاناة والتماعات الخواطر والمشاعر فكل ما تثيره المشاهد والأحداث في نفسه من رؤى وأحاسيس، وكل ما يتفاعل به مجتمعه، هو مادة للتعبير الفني. تعتبر مريم ان الفنان هو الفعالية المتجسدة بالتعبير الجميل عن حركة الذات في مواقفه من الطبيعة والمجتمع. بوسائل اللون، واللفظ، والحركة، والشكل والنغم أي بأنواع الفنون الجميلة. الفنان، هو فرد في جماعة ويعبّر عن فئة من الجماعة التي يعيش بينها عاكساً آراءها ومعبراً عن واقعها. تقول ايضاً إن الرسم يعلو على الكلمة، ويعلو على كل تعبير كلامي أو تعبير سمعي، فالتعبير اللفظي والتعبير السمعي. لا يتسعان لكل ما يجيش النفس من مشاعر. وتضيف بأن الله وهب الانسان القدرة على الاحساس بالجمال وتذوّق الفنون، فكان يضفي على كل ما يحيط به من لوازم وأوان، لمسات جمالية ويستمد من بين أحضان العالم المحيط به، والطبيعة الساحرة حولنا. تقول مريم شحرور ان استلهام عظمة الخالق من الطبيعة المخلوقة هو موقف وجودي عام يختص بالتقابل الحتمي بين الانسان والطبيعة منذ أقدم العصور، لا يقتصر على البحث النظري في الفن، لكنه يتعداها الى الموقف الديني الذي يحتم وجود الخالق من النظر الى خلق العالم والشعور بنظامه وابداعه. وتجد ايضاً في القرآن الكريم دعوة الى استلهام عظمة الكون وروعته، يدعو الى تهذيب الإحساس الإنساني بالجمال. فالخير والجمال مرتبطان ارتباطاً متيناً، والدليل على ذلك ما تميّز به اسلوب القرآن الكريم من جمال ومحسنات بديعية، مبدعة في تصوير مظاهر الكون الجميلة. تذكر الفنانة التشكيلية ان في هذا الوجود انسجاماً عجيباً يدهش المتأمل في اسراره، وارتباطاً غريباً بين كافة مكوناته، فالكون قائم على الجمال. ان تأمل الكون بكل ما فيه من صور الجمال والابداع هو الذي يغمر النفس بسعادة الاستمتاع بجمال وروعة الطبيعة ولحظات الفرح أو الشجن التي تبعثها هذه الصور في نفس الإنسان وعاطفته وعقله، تدفعه لتتحول الى الوان من التعبير كالغناء أو الشعر أو الرسم او النحت فيبدع الفن. تستمد مريم شحرور مواضيعها من التراث العربي القديم بمبتكرات حديثة ومن الطبيعة بخطوط والوان بسيطة، فهي كما تصف نفسها من عشاق الطبيعة والطابع الخليجي والبحر وأشجار النخيل. لوحاتها ليست منفصلة عن واقعها ومجتمعها كإنسانة وكامرأة شرقية تنهل من أعماق جذورنا الثقافية الفكرية تقول بأنها لاتلزم نفسها بمدرسة معينة من المدارس الفنية المعاصرة بل تستمر بكل امكاناتها الفنية لتظهر الموضوع الذي تريد معالجته، وليس عندها مانع في مزج المعالجات الحديثة مع المدرسة الواقعية لابراز الموضوع الذي تريد أن تطرحه، وعلى المزج التصويري مع التجريدي، جمعت عناصر المشهد شكلياً وتجريدياً، وهكذا يبقى المشهد معها موجوداً محافظاً على وجوده من خلال الرؤية الذاتية. تشير الى أن الفنان المحروم هو صادق أصيل، يخرج من أعماقه وعصارة فكره ومعاناته، في تحقيق رغبته في التعبير ويعود ويترك الحكم للناس، رغم انه لايمنع ان تجد مترفاً أعماله معبّرة وصادقة ومنوّعة. تعتبر ايضاً في وصفها للخط العربي بأنه يمثّل روح الابداع فهي تشعر بجماله وتتأثر به كثيراً لما يحمله من مفاهيم روحية وفنية، وتستخدمه في بعض لوحاتها. وفي رأيها انه لا يوجد فرق بين الفكر الرجالي والفكر النسائي في الفن التشكيلي، فالمرأة تعتبر رائدة في مجال الفنون التشكيلية، والفنان يمثّل روح أمته ويعكسها في أعماله بشكل غير تصويري بكل ما تذخر به حياة هذه الأمة من عادات وتقاليد وأساليب معينة للمعيشة اليومية في الحرب والسلم، سواء كان الفنان رجلاً او امرأة. لذلك نراها تبتعد عن الحداثيات المختلفة التي يضجّ بها العالم، تضيف الى ما عندها علم تعلمته في احدى اهم الجامعات في الخارج، منمنمات والرسم على الزجاج وحياكة السجاد، إذ أنها تشتغل المنمنمة بمزاج خاص، متأثرة بالمنظر اللبناني من جهة، وبجمالية اللون لدى الغرب من جهة ثانية، مع الحفاظ على قناعتها بضرورة روح الشرق وتراثه. مريم شحرور فنانة بامتياز تسعى دائماً في مشروعها الى استخدام وسائل جديدة وتقنيات جديدة، وانقيادها الى طواعية التجربة، تقودها الى خلق عالم فني جديد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©