الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

روضة المطوع.. رحلة الحلم الصعب

روضة المطوع.. رحلة الحلم الصعب
8 يوليو 2014 00:55
شـهيرة أحمد «سيدة المهام الصعبة».. هكذا كان اسمها حين عرفتها في أوائل ثمانينيات القرن الماضي.. هذا اللقب الذي لا يبرز فقط عزيمة امرأة رائدة، وإنما يؤشر إلى امرأة من هذه الأرض.. عاشقة لها كما ينبغي للعشق أن يكون. امرأة مختلفة، في زمن كان الاختلاف فيه صعباً على الرجل فكيف بالمرأة!. تلك المرأة هي الدكتورة روضة عبدالله المطوع «رحمها الله» التي كانت تختزل في حكايتها الشخصية حكاية وطن وحلم شارك الجميع يومها في صياغته.. حلموا معاً، وعملوا معاً.. وحققوا وتحقّقوا معاً.. أولئك هم الرعيل الأول من بناة الوطن الذين رفعوا عيونهم عالياً لتحلق وتجرؤ على الحلم.. ثم أعادوها وقد اتسع الأمر على نحو فاق توقعاتهم... ولأنهم كانوا معاً، كثيراً ما يحضرون إلى الذاكرة... معاً. عتبات روحية لم تكن روضة المطوع تكنّ أو تهدأ.. كانت تعمل بحب حقيقي لما تفعله، وكأن العمل جواز سفرها إلى الحياة.. كأنه النسغ الذي يروي روحها التي لطالما حملت هموم النساء وأحلامهن أيضاً.. فيما القلب والعقل يحملان حلماً أكبر كان يعيش في حنايا هذه السيدة، ويدوزن خطواتها على الأرض. كانت تعمل بكل حرص لكي تعكس صورة إيجابية عن المرأة في الإمارات.. عن طموحاتها الكبيرة في التعليم والعمل، ولما كانت تُسأل عن قضايا المرأة كانت تركز على التعليم والصحة.. كانت ترى «رحمها الله» أن العلم هو عتبة المرأة الروحية الأولى لإتقان الحياة، وأنها لن تكون فاعلة في هذا المجتمع، ولن تقوم بدورها الوطني والإنساني إلا إذا (تعلمت)، وأنار العلم عقلها. من هنا، كان التركيز على تعليم المرأة يأخذ الجزء الأكبر من جهود الحركة النسائية في تلك الأيام. ذات مرة سألت روضة المطوع عن القوة التي جعلتها تحقق هذا الحضور في مجتمع تقليدي، يحمل الكثير من الأفكار النمطية التي تحصر المرأة في زاوية العناية بالبيت والأولاد، فأعادت السبب إلى الإيمان بالهدف، والاقتناع به، والعمل بكل عزيمة لبلوغه.. وإلى والدها القاضي المتنور الذي لم يبخل عليها بالتعليم والنصيحة. كبرت بنت القاضي في محيط يقدس العدل، ويحترم العقل ويعلي من شأنه، فصادقت عقلها في كل القرارات التي اتخذتها في حياتها، فكان خير صديق لها.. وبفضله تمكنت من إكمال دراستها رغم الصعوبات، وسافرت من رأس الخيمة إلى الشارقة سعياً وراء العلم، ثم طاردته إلى جامعة العين ثم القاهرة حتى حصلت على شهادة الدكتوراه لتحقق حلماً شخصياً لطالما روادها... لم تكن الرحلة سهلة.. لم تكن الطريق معبدة بالورد أمام فتاة، لكنها تمنطقت بالجرأة، وتأزّرت بالوعي، وخاضت الطريق المحفوف بالمصاعب حتى نجحت. كانت من أوائل النساء اللواتي حملن همَّ المرأة والوطن، وعبَّدنَ الدروب من أجل فتيات اليوم وليس من قبيل المبالغة القول: إن ما تحظى به المرأة في الإمارات اليوم من امتيازات وحقوق ونهضة في مجالات التعليم والعمل كان لهؤلاء الرائدات فضل كبير فيه، فلطالما توغَّلن في أعماق الوطن وذهبنَ إلى المناطق النائية من أجل افتتاح الفروع للجمعيات النسائية وحث النساء على الالتحاق بدورات محو الأمية، ناهيك عن العمل الدؤوب في الملتقيات العربية والعالمية من أجل تطوير أوضاع المرأة في الإمارات والارتقاء بها عبر الاستفادة من التجارب العربية الشقيقة. في كل حقل.. روضة كثيرة هي الحقول التي عملت وأعطت فيها روضة المطوع، وقد تنوع إسهامها في مجالات العطاء الاجتماعي، والتربوي، والنسوي، والاقتصادي، والثقافي، وهو الأمر الذي لم يشتهر عنها كما حدث مع نشاطها المجتمعي، فهي كاتبة، وشاعرة، لكنها ذهبت في العمل النسوي إلى حد أنها نسيت الكتابة، فيما ظلت الأخيرة تزودها بالوعي المتقدم الذي يستلزمه هذا النوع من العمل. أما أجمل اللحظات وأكثرها قيمة في مسيرتها فتعود، كما قالت لي ذات حوار، إلى منتصف الستينيات، عندما اجتمعت مع أخوات لها من رائدات العمل النسائي في الدولة وأنشأن أول جمعية نسائية في إمارة رأس الخيمة عام 1967م، المكان الذي سقط فيه رأسها وسقط قلبها في حبه، عندها كانت الرؤية واضحة رغم صغر العمر، وكان القلب مفتوحاً على آخره للمستقبل. لا بأس هنا، توخياً للدقة، من استعارة لسان حال تلك المرحلة التاريخية وظروفها، فقد كان الكل يعمل وينتج ويقدر العاملين.. هذا ما حدث مع روضة التي بدأت رحلتها مع العمل التربوي مدرسة ثم ارتقت في بسبب إخلاصها وتميزها حتى وصلت إلى وكيل وزارة لتصبح أول امرأة تتسنم هذا المنصب، كما تسلمت منصب أول رئيسة جمعية مرشدات في الإمارات. سيشكل عام 1984م عاماً مفصلياً في حياتها، حيث انتقلت روضة المطوع إلى العاصمة أبوظبي لتكون أول مستشارة لشؤون المرأة بمكتب سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، ومديرة لمكتب سموها، وهو الأمر الذي سيفتح لها باباً واسعاً على الإنجاز على المستويين الشخصي والعام. في تلك المرحلة تقلدت روضة المطوع عدداً من المناصب الفاعلة والمهمة، منها: الأمينة العامة للجنة تنسيق العمل النسائي بالخليج والجزيرة العربية، أمينة مساعدة لشؤون الإعلام بلجنة تنسق العمل النسائي بالخليج والجزيرة العربية، أمينة مساعدة للشؤون الخارجية بمكتب الأمانة العامة للاتحاد النسائي العربي. كما مثلت الدولة في أكثر من خمسين مؤتمراً محلياً وخليجياً وعربياً وعالمياً في مجال المرأة والعمل التطوعي والحركة الإرشادية. كما مثلت الدولة في الدورة الأربعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بعد المؤتمر العالمي للمرأة في نيروبي. في سنواتها الأخيرة، انشغلت الدكتورة روضة المطوع بالأعمال الحرة والتجارة، باعتبارها مجالاً آخر من مجالات العطاء، فأسست مجلس سيدات الأعمال بهدف مشاركة المرأة في عملية التنمية الاقتصادية في الدولة من خلال إيجاد مشاريع تنموية تخدم المرأة. وفي عام 2003 حصلت على جائزة سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي للتميز. وفي عام 2004 فازت برئاسة أول مجلس نسائي لسيدات الأعمال الخليجيات، في أول انتخابات نسائية من نوعها على مستوى دول الخليج العربية. وفي عام 2005 كرمها الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة كأول شخصية ضمن جائزة أبوظبي، فكان هذا مسك الختام لمرحلة حافلة بالعطاء. وإذ أكتب الآن عن الدكتورة روضة عبد الله المطوع، أستعيد زمناً بعيداً لكن وقع خطواتها لا يزال طازجاً في الذاكرة.. وأرى صورتها وهي ترتب التفاصيل، وتوزع المهام، وتعد العدة لملتقى سيأتي أو تعلن عن حدث يحمل المزيد من فرص العلم والوعي للمرأة في الإمارات. ورغم أن تلك الطموحات كانت كبيرة وأشبه بالحلم في ذلك الوقت، إلا أن روضة المطوع لم يداخلها الشك ولو مرة في أن المرأة الإماراتية ستكون في مقدمة النساء.. بدا لي ذلك في بعض الأحيان شيئاً من الخيال!، واليوم.. إذ أرى ما حققته المرأة في الإمارات من تقدم لا أملك إلا أن أهمس في سرّي: «رحم الله روضة ورفيقاتها من رائدات العمل النسوي».. فيما شيء من الراحة يغمر القلب لأن هذه السيدة كرمت في حياتها، وبعد موتها، ورأت شيئاً من حلمها يتحقق وهي على قيد الحب.. قيد العطاء.. قيد الحياة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©