العلامة والوسط الاجتماعي

ليست العلامات ظواهر طبيعية، ذلك أن الظواهر الطبيعية في ذاتها لا تقول شيئاً، أي شيء؛ إنها لا تحدث العلامة ''السيد سيغما'' إلا إذا كانت هناك تقاليد علمته كيف يقرأ هذه الظواهر؟· ''سيغما'' إذن يعيش وسط عالم من العلامات، لأنه يعيش وسط الطبيعة، بل لأنه يعيش وسط مجتمع حتى وهو يعيش وحده؛ فما لهذا المجتمع الريفي أن تقوم له قائمة لو لم يبلور سننه الخاصة به في تأويل المعطيات التي ستتحوَّل ـ حينها ـ إلى معطيات ثقافية· هذه المعطيات هي التي تسمح لنا بفهم ماذا يعني كتاب مخصص لدراسة مفهوم العلامة: إنه سيهتم بكل شيء؟· أمبرتو إيكو: (العلامة) المنفى والطرد النهائي المنفى ظاهرة تخترق التاريخ ولكنّها منغرسة في التاريخ· لا تتشابه المنافي عبرَ الحقَب ولا عبرَ الأماكن، ولئن كانت المعاناة الناجمة عن النفي متماثلة أغلب الأحيان، فهي تتراوح في كثافتها وديمومتها وآثارها تبعاً لثقافة المنفيّ الأصليّة وثقافة البلد ـ الملجأ· إنّنا لم نعد في زمن الكاتب اللاتينيّ سينيكا ولا في حقبة فيكتور هوغو، ولا في عهد أحمد شوقي ومحمود البارودي· كان الشاعر أو الفيلسوف المتمرِّد على سلطة العائلة المالكة أو على الاستعمار يجد نفسه وحيداً في بلاد غريبة لسنوات معدودة، حاملاً في داخله، في حالة النفي الاستعماريّ خصوصاً، يقيناً أو أملاً بإمكان زوالٍ سريعٍ لقامعيه· اليوم، صار النفي ظاهرة معمّمة، طويلة الأمد أغلب الأحيان، وله صوَر عديدة، وهو يقترن بحملات الإبادة المُبرمة، والتهجير الشامل، والطرد النهائيّ· كاظم جهاد : (في المنفـى·· العالـَم أجمـع أرض غريبـة) العقلية الشفاهية والعقلية التدوينية من التعبيرات الشائعة الممرضة في مجتمعاتنا العربية، تعبير: ''حبر على ورق''· جملة صادمة لا ريب· تكشف عن معاطب لا حصر لها· أقلّها وأوّلها أنْ لا أهمية لأي وثيقة ممهورة، وأنّ السلطة، مغبرّة أضابيرها· في مجتمع كهذا، تكون العقلية الشفاهية هي القوّة المنظِّمة للعلاقات بين الفئات المختلفة· وهي عقلية مزاجية خاضعة لظروف الفرد الشخصية، سواء أكان مسؤولاً حكومياً أم شخصاً عاديّاً، متعلّماً أم غير متعلّم· المجتمع المدموغ بالعقلية الشفاهية، مرهون بالمصادفات· تطوّره متقطّع وقد ينتكس للا سبب معقول· غير متواشج· متنافر، حتى لو بنى أحدث الجامعات ونشر التعليم من أقصى البلاد إلى أقصاها، ووصل المدن بأدقّ شبكة مواصلات· يكون البلد مثل شخص لا يأبه بالمواعيد وفي يده أفخر ساعة· صلاح نيازي: (الصراع بين العقلية الشفاهية والعقلية التدوينية)