الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مخطوطات شرق الهند.. تصوير نابض بالحياة

مخطوطات شرق الهند.. تصوير نابض بالحياة
8 يوليو 2014 00:22
د. أحمد الصاوي (القاهرة) لم يتح لسلطنة دلهي قبل عصر المغول رغم تاريخها العتيد أن تضيف لفن المنمنمات الإسلامية شيئاً يذكر، على الرغم من إسهامات بلاط دلهي في تشجيع أعمال الخطاطين، ويرجع ذلك إلى انهماك سلاطينها من مختلف الدول في توطيد أركان الحكم الإسلامي في مواجهة التهديدات الهندوسية وغزوات المغول، فضلاً عن أن بعض السلاطين، وفي طليعتهم فيروز شاه الطغلقي كانوا يقفون موقفاً عدائياً من التصوير لأسباب دينية. وجاء عهد السلاطين من أسرة لودي الأفغانية ليدشن بداية ظهور مدرسة تصوير محلية للمخطوطات في منطقة شرق الهند وبالتحديد في المنطقة الممتدة بين دلهي وجانبور، وذلك بعد أن قضى بهلول حاكم لاهور على الفوضى التي عمت الهند بعد اجتياح تيمورلنك لها في العام 803 هـ، فقد أزاح بهلول المنتمي لأسرة لودي الأفغانية حكم ملوك الأشراف الذي لم يتجاوز حدود دلهي، واستعاد سيطرة المسلمين على وسط وجنوب الهند مرة أخرى، وأسس بذلك لحكم اللوديين الذي زال بمقدم بابر المغولي في العام 932 هـ. مخطوطات ويعود الفضل في العناية الأولى بإنتاج مخطوطات مزخرفة بالمنمنمات لجهود السلطان عادل نظام الدين بن بهلول، والذي يعرف في التاريخ الهندي باسم اسكندر شاه الذي شجع النهضة الثقافية للبلاد بمسامراته مع العلماء والأدباء، سواء من المسلمين أو الهندوس، الأمر الذي شجع على إنتاج مخطوطات أدبية حفلت بالتصاوير التي توضح موضوعاتها. وتنسب عدة مخطوطات مزخرفة بالتصاوير لفترة حكم اسكندر شاه الذي حكم البلاد فيما بين 894 هـ / 1488 م و923 هـ / 1517 م وبعضها تم إنتاجه في دلهي التي كانت مقراً للحكم حتى عام 909 هـ قبل أن ينتقل اسكندر شاه للإقامة في أجرا. مزيج فريدويتوارى في المخطوطات التي قام فنانون من الهنود بعمل صورها وفقاً لمزيج فريد من تقاليد التصوير الإسلامي في هراة وفارس وتقاليد التصوير الهندي المحلي المعروف في مخطوطات الهندوس.ومن المخطوطات التي تحمل تأثيراً إيرانياً واضحاً في تصاويرها نسخة مخطوطة من خمسة أمير خسرو تعود للنصف الثاني من القرن 15 م صورت في دلهي، حيث صورت خلفيات صورها بطريقة تماثل الطبيعة في الهند، بينما ظل أسلوب الرسم وتوزيع عناصر الصورة قريباً من أسلوب مدرسة هراة وقريب منها في الأسلوب التصويري نسخة مخطوط من كتاب كليلة ودمنة مؤرخة بالعام 1492 م محفوظة بالمتحف الوطني بنيودلهي ونظراً لمناظرها الطبيعية التي تعكس واقعاً هندياً محلياً اعتقد البعض أن المصور الذي قام برسم المنمنمات فيها إنما هو فنان هندي، ولكن أسلوب رسم عناصر الصورة، كما لو كانت معلقة في الهواء وسط تصميم دائري للصورة يحمل على الاعتقاد بأن الفنان الذي عمل في تزويد المخطوط بالصور، إنما هو فنان إيراني جاء إلى الهند، فضلاً عن أنه لا يمكن لفنان هندي أن يصور الفيلة بتلك الطريقة البعيدة عن تمثيل الواقع. أعشاب وأوراق ومن أهم الصور بتلك المخطوطة صورة للأسد، وهو يفترس الثور الأحمر، وقد رسما بلا ثقل أو عناية بالتجسيم على أرضية بها أعشاب وأوراق وزهور نباتية بأسلوب يكاد يماثل أسلوب تصوير المناظر الخلوية في تصاوير مدرسة هراة. بيد أن الروح الهندية تبدو واضحة في بعض المخطوطات الخاصة بالنخبة الفارسية الثقافة، سواء من العلماء أو البرجوازية التجارية، ومنها نسخة مخطوطة من حمزة نامه محفوظة بالمكتبة الوطنية ببرلين. ويبدو واضحاً من تصاوير هذه المخطوطات أنها أنتجت بأيدي فنانين هنود محليين وقعوا تحت تأثير التصوير الإيراني بمدارسه المحلية المختلفة، وتلك المخطوطات يعتقد أنها أنتجت في النصف الأخير من القرن 15 م خلال عهد اسكندر شاه في جانبور بإقليم أوتار براديش جيت كانت آنذاك أحد المراكز الثقافيـة الكبرى فـي دولة ســلاطين آل لودي. ومن ذات هذا الأسلوب المحلي لدينا تصاوير من مخطوطة مهمة تحتفظ بها المكتبة العامة بنيويورك تم نسخها في العام 1501 م في بارسا القريبة من جانبور، وهي تفصح عن وجود فنان من مدرسة هراة ولعله هو الذي ترك تأثيره الفني على أعمال المصورين الهنود مثلما تركت طريقة مزجه للألوان تأثيرها أيضاً على عمل الفنانين الهنود الذين قاموا بإنتاج بعض مخطوطات من القصص الشعبي الهندي، منها نسخة مخطوطة من القصص الهندية الرومانسية المعروفة باسم لاور شاندا محفوظة في متحف أمير ويلز في بومباي، ورغم أنها أنتجت في بداية حكم جلال الدين أكبر المغولي، إلا أنها تحمل سمات تصاوير المدرسة المحلية لشرق الهند في عهد اسكندر شاه اللودي. شبه القارة الهندية عالم حافل بأجناس وعقائد ولغات شتى، ومنذ القدم هذا العالم له شخصيته المستقلة وفلكه العقائدي والفلسفي الخاص، اقتحم الإسكندر الأكبر بلاد الهند غازياً وخلف وراءه تأثراً كبيراً بفنون الإغريق، ولكن دون تبديل كبير في شخصية الهند. وبدءاً من عام 92 هـ دخل الإسلام إلى الهند من جهة السند والبنجاب، ولكن نجاحه الأكبر كان في جنوب البلاد عبر التجارة الموسمية لينتشر الإسلام سلمياً بين الطبقات المقهورة والفقيرة هناك، وبدورهم نقل الهنود المسلمون دعوة الإسلام وحضارته إلى ما جاورهم من جزر المحيط الهندي وسواحله الجنوبية. أدرك المسلمون مبكراً أنهم يدخلون عالماً خاصاً فتعاملوا معه برفق يناسب البلد الذي كتب عنه البيروني كتابه الشهير «تحقيق للهند من مقولة في العقل أو مرذولة»، فكان الإنتاج الفني للهند في العمارة والفنون الإسلامية عروة وثقى بين روح الفن الإسلامي وشخصية الهند التليدة، هنا وعلى مدار الشهر الكريم نعرض لأهم ملامح إسهامات الهند في الفن الإسلامي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©