الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كتاب يرصد الوجود الإسلامي في إيطاليا ويبحث دور الإسلام الأصولي

كتاب يرصد الوجود الإسلامي في إيطاليا ويبحث دور الإسلام الأصولي
18 سبتمبر 2010 20:44
مازلنا مع واحدة من القضايا الملحة المطروحة بقوة على ساحة الفكر المحلي والعالمي، ألا وهي قضية العلاقة المتشابكة بي الإسلام والغرب، واليوم نرصد أبعاد هذه العلاقة من خلال دراسة الوجود الإسلامي في إيطاليا، موطن الفاتيكان، الذي يمثل رأس القوى المسيحية في العالم بما له من تأثير على نحو 1.13 مليار مسيحي كاثوليكي منتشرين في أصقاع الأرض، يعيش أغلبهم في الغرب، أو في بلاد تنتهج النظام الغربي في عقيدتها وفي أنماط الحياة فيها. الدراسة التي نحن بصددها تتأتى عبر تناول كتاب "الإسلام الإيطالي: رحلة في وقائع الديانة الثانية" للباحث الإيطالي د. استيفانو أليافي، والذي يوضح عبر صفحات مؤلفه أنه بعد أربعة عشر قرناً من التاريخ، حفلت بتأثيرات متبادلة وعميقة، بل أيضاً بصدامات دامية، حدث ما لم يكن في الحسبان، وما لم يخطر على بال، عالمان ثقافيان طالما تصارعا على مدى قرون طويلة، بدا فيها الواحد مانعاً للآخر، وبالتالي منفصلاً ومستقلاً عن خصمه، غير أنهما اكتشفا أن الواقع خلاف ذلك، وقد غادرا ذلك العهد ليعيش الواحد في الآخر ويتجاوران. روابط فردية يؤكد أليافي أن الأمل متعدد الأوجه، وهو جزء إضافي في نسيج الروابط الفردية لسلام قارّ ودائم، الأمل ربما في نظام عالمي جديد، أو بالفعل في حوار مستجد ومثمر بين الديانات الكبرى. أما الغمّ فيأتي حين يتسرب الخوف ويزحف داخل الزوايا المظلمة في وعينا وفي مدننا، فيتجلى في العناوين البارزة على الصحف، وحين يتعالى الصراخ على العدو الجديد، وربما يبلغ حد المناداة بحرب صليبية جديدة لمواجهة الإسلام. بداية يوضح المؤلف أنه يعيش في إيطاليا زهاء المليون من أتباع الديانة الإسلامية، وبالنسبة لإيطاليا، كما الشأن بالنسبة لبلدان أوروبية أخرى في المجال نفسه، يتعلق الأمر بمنعرج تاريخي صار فيه الإسلام الدين الثاني تقريباً في كل بلد على حدة، وفي القارة عموماً. يذكر أن الغرب ما انغلق في قوقعته المسيحية أبداً، أو على الأقل ما تيسر له ذلك، فقد حاول غزو دار الإسلام، بدءاً أثناء الحقبة الذهبية للاكتشافات، حقبة الاستشراق النبيل، والمغامرة الإيزوتيكية، وأيضاً مع الهيمنة الاستعمارية الفعلية والفظة، وكذلك اليوم مع عديد أشكال الموجة الاستعمارية الجديدة، مع انتشار اقتصاد السوق وأساطير الاستهلاك المرتبطة به من تغلغل التقنيات ووسائل الإعلام (الى حد انتشار تلك الهوائيات التي تلتقط بثها من الأقمار الصناعية في المدن العربية والتي ينعتها بعض تقاة المسلمين بالهوائيات الشيطانية) الى كل ما بات اليوم بمثابة موضة شائعة، ربما ذلك بشكل لا واع وبنوع من المركزية العرقية والشوفينية لغربنة العالم، أو كذلك ظاهرياً بنوع من الحياد جراء العولمة. رد الجميل كما يلفت الباحث الى أن الإسلام رد الجميل بشكل مغاير عبر الهجرة ووفود مئات الألوف (عدة ملايين في أوروبا) من الناجين من الغرق، تتقاذفهم أمواج البحار، بحثاً عن مستقبل أفضل في البلدان الغربية، التي تنعم بالرفاه أو فقط أن نزولهم بمثابة هبوط في مرسى ما كان دائماً مضيافاً، لكن فيه على الأقل يتيسر التواري، سخرية متعالية، ابتلاء تاريخي، ثأر لا واعٍ للمعذبين في الأرض. ويعود أليافي الى جذور الوجود الإسلامي في إيطاليا، ذلك الذي كان في جزيرة صقلية، فيبين أن تلك الجزيرة ولدت بشكل ما مع الإسلام، أو بالأحرى مع العرب الذين منحوا الجزيرة تاريخاً وفخراً، ثراء مادياً وفنياً خارقين، ليس أقل قيمة مما خلفه الإغريق من آثار بحيث بقيت آثار الفاتحين العرب المسلمين في العوائد، في اللغة، في أصول الكلمات، في الحضارة المادية، وغيرها من عواقب التأثير الثقافي الواسع جراء انفتاح بلاط النورمان على المساهمات العربية والتي لم تذهب سدى. فإيطاليا لا تمثلها منطقة أخرى من حيث تأثير الإسلام التاريخي، وبالحدة نفسها للإسلام المعاصر، انطلاقاً من منطقة مازارا دل فالو، التي تحتضن اليوم إحدى أهم الجاليات الإسلامية المشهورة في إيطاليا، والموقع الصقلي المظل على تونس، إفريقية قديماً التي ينحدر منها اسم القارة: (إفريقيا، وتلك التسمية مع عديد الجغرافيين والمؤرخين العرب ضمت صقلية أيضاً). الفتح الأخير كانت صقلية الفتح الأخير للإسلام العربي في أوروبا، تلت توطن الإسلام بالأندلس بعيد قرن من الفتح، مكثفة فيه إسبانيا ترزح تحت السيطرة الإسلامية ما يناهز ثمانية قرون، وهو ما خلف حضارة شامخة، ما زالت آثارها الى اليوم زاهية، لا تضاهي مقارنة صقلية بذلك الفضاء، مما تبقى من آثار بادية للعيان في فن المعمار، ولكن في العموم يتعلق الأمر بذاكرة تحتاج الى الاكتشاف على غرار ما نجده بالأندلس. خاصة -وفقاً للمؤلف- أن المؤرخين المسلمين خصصوا روايات متواضعة تشبه روايات الهامش لأحداث صقلية، كما أن كلاً من صقلية والأندلس شملهما فتح يعود لعائلات محددة ومستقلة بشكل ما، وأحياناً عدت مبتدعة من قبل الإسلام السني، الخاضع في تلك الحقبة الى الخليفة العباسي في بغداد نجد في صقلية أساساً الأغالبة العرب، والفرس، والأمازيغ، ممن شكلوا الموجة الأولى من البعثة الإسلامية، فقد كان الحاكم مستقلاً حتى وإن والى ظاهراً الخلافة في بغداد. أما العهد الفاطمي فقد شكل العصر الذهبي للإسلام في صقلية، ويعود تاريخ الغارة العربية الأولى على صقلية الى الفترة المبكرة من تاريخ الإسلام وتحديداً عام ثلاثين من الهجرة النبوية، ثم تتابعت المغازي الى أن بلغ التأثير الإسلامي في صقلية شأواً عظيماً في عام 280 هجرية، وهو ما دفع إركيمبيرتو، أحد رهبان مونتيكاسينو في القرن الحادي عشر الى وصف الفتح العربي بعبارات بليغة.. في ذلك الزمن كان العرب يشبهون خلية النحل، بأيادٍ ذات بأس شديد، وفدوا الى صقلية من بابل وإفريقية، اجتاحوا كل شيء في البلاد المجاورة، وأخيراً انتزعوا مدينة باليرمو الشهيرة، التي باتت محل سكناهم في الوقت الحالي، وفي تلك الجزيرة سقط عديد المدن والقرى، وفي وقت قليل أذعن الجميع لسلطانهم. جوهر الصقلي يشير المؤلف الى أن صقلية صارت تابعة للمجال الحيوي السياسي والثقافي الإسلامي في ذلك العهد، وهو ما نستشفه من بروز شخصية مثل جوهر الصقلي الذي كان قائداً لجحافل قوات الخليفة الفاطمي المعز لإخضاع مصر، التي شهدت بناء الحاضرة الجديدة القاهرة سنة 969م. وكان الإمام المازري، المولود بمازينا، من أسس بيت الدراسات الفقهية الشهير بمدينة المهدية. يدلف الكاتب الى منحى آخر يرصد به قوة وقِدم الوجود الإسلامي في صقلية، ألا وهو حركة الشعر والشعراء العرب التي ازدهرت في جزيرة صقلية أثناء الحكم العربي، منذ حلول الفاتحين الأغالبة، فمن بين أوائل من نظموا الشعر نجد إبراهيم بن الأغلب، أول أمراء الجزيرة، غير أن حركة الشعر تطورت تحت حكم الكلبيين. وصارت باليرمو مع نهاية القرن العاشر، مركزاً نشيطاً للشعراء. وتكلف بتدوين تلك المآثر ابن القطاع الصقلي، حيث دون ما يربو على عشرين ألف بيت تعود الى مائة وسبعين شاعراً، في أثره "الدرة الخطيرة في شعراء الجزيرة"، كما أن حركة الشعر تلك استمرت وتواصلت حتى أثناء حكم النورمان، من خلال مدح الملوك الذين باتوا من النصارى. تجربة منفردة من صقلية يصعد بنا أليافي قدماً نحو شمال إيطاليا حيث نصادف تجربة منفردة في منطقة بوليا التي احتضنت قاعدة تاريخية أخرى للإسلام، مع ما يعرف في التاريخ بإمارة باري، بقيادة الأمازيغي خلفون، تم ذلك في حوالى 847 م، ولاحقاً شهدت الإمارة عقدها الأخير حتى تاريخ 871م، وذك مع سدون المعروف بغاراته وبعمليات نهبه للمنطقة. حيث تعلق الأمر بإحدى القلاع الإسلامية القليلة والخاطفة، إذ فضلاً عن الفتح الموفق لصقلية، أقيمت مستوطنات أخرى بترانتو، وجاريليانو في جهة الشمال، وفي فورمياو جايتا. هنا فقط إن استثنينا التاريخ الخاص لمستعمرة لوشيرا، حيث تحول المسلمون في ظروف عقدين من أقلية الى أغلبية على مستوى عدد السكان، ولكن لم يتبق للمسجد الذي أقيم أي أثر، وإن كان المركز الرئيسي، لكن الذي يجعل ذلك المسجد مميزاً ليس ماضيه، بل المحاولة المثيرة لإعادة بعثه، وما صحبها من إحياء الإمارة من جديد واستئنافها. يبين الكاتب أن مشروع الإحياء هذا انطلق بمبادرة من مهتد إيطالي الى الإسلام، هو رجل أعمال له أنشطة مختلفة، اسمه ميكالي تريدانتي، ولتحقيق ذلك وظف صاحب الفكرة ثروة طائلة وخسر ما شاءت له المغامرة أن يخسر. حماس عارم بدأت الفكرة باهتداء ترايدانتي الى الإسلام. وفي موجة الحماس العارم قرر الانطلاق، وسط باري بمنطقة كازاماسيما، في مشروع بعث جامعة إسلامية، هدفت، في مخطط صاحبها رجل الأعمال البولييزي، لتجعل من مدينة باري مركز تكوين ودراسات للإسلام، يكون في خدمة الإسلام الأوروبي. انطلق الرجل في مشروعه، مستعيناً بمثقف لامع وفنان من معتنقي الإسلام أيضاً، كان يشتغل في ميلانو، اسمه غابريال ماندل، هو مؤلف لعديد من الكتب التي تعرّف بالإسلام، ومنجز لعديد الأعمال الفنية المستوحاة من الإسلام، بل أيضاً شيخ طريقة صوفية، كان تريدانتي من أتباعها، كن يتحبب نعته بالخان، التي تعني المعلّم، القائد. وفي تلك الفترة كان حمزة بوبكر إمام مسجد المعهد الإسلامي بباريس، تقدم له تريدانتي كمدير مؤسس للمركز الإسلامي، في حين ادخر لماندل منصب "العميد الشرفي" للجامعة، التي كان يزمع إنشاءها، بل أيضاً وبشكل هزلي، كأمير رابع لباري، امتداد لثلاثة سابقين عاشوا في القرن التاسع من التاريخ المسيحي، أثناء فترة الحكم الإسلامي القصيرة للمدينة. بلغ المشروع من ناحية الإعداد تقدماً لافتاً، حتى وإن كان بعض المليارات من الليرة القديمة، في تهيئة المقرّ. تهاوى الحلم الإسلامي لتريدانتي جراء المصاعب المالية، بل ربما بالأساس جراء المشاكل التنظيمية، وربما أيضاً جراء عدم القدرة، وجراء عدم التنسيق والارتباط بالجماعات والمنظمات الإسلامية، المحلية أو الدولية، الناشطة في إيطاليا، فحتى لو انضم هؤلاء لتطلب الأمر وسائل لقلب الحلم الى واقع. بل لقد كان الفشل أيضاً جراء الطموح المفرط، فضلاً عن الطابع الفولكلوري السائد، وهو ما ولّد خلافات وريبة وغيرة داخل الأوساط الإسلامية الإيطالية. أحياناً السبق الزمني له مضاره، ففي تلك الفترة كان الإسلام في إيطاليا نزوة شغف لا غير. كل ذلك أدى الى تعثر حلم تريدانتي الإسلامي. الأصولية والمساجد من القرون الوسيطة المتأخرة الى العصر الحديث يضع المؤلف رحاله مستعرضاً العلاقة بين الأصولية الإسلامية والمساجد الموجودة في إيطالياً، وأيضاً دور الإسلام الأصولي، فيقول: الإسلام الأصولي موجود، لذا فمن الواجب الحفاظ على انتباه "حسّاس" لهذا الموضوع. ولكن، هل غرس هذا الإسلام الأصولي جذوره؟ نقول، بالكاد. إنه أقلية. فالحضور الإسلامي بمعظمه، منهمك بأولويات أخرى، ومصالح أخرى: بما في ذلك القادة. يجب معرفة التمييز، مثلاً، بين دور بعض المنظمات الأجنبية ودور تمثيل الإسلام في بلدنا، وفي أوروبا بشكل عام. رغم أن المسلمين كغيرهم يشعرون بالارتباك: بعض القادة المسلمين يتميزون بهذا العيب. الإخوان المسلمون، على سبيل المثال - وفلك الجمعيات غير الوطنية، المرتبطة بالإخوان وبالجماعات المماثلة - عالم مترابط ومعقد. وأردت في ما مضى، في أحد بحوثي عن الأصولية الإسلامية، المقارنة بين الحركة الإسلامية والحركة الاشتراكية. والتشابه قائم وإن لم يكن مبعث سرور لهذه أو لتلك. فالإسلاموية، على سبيل المثال، رغم استنادها الى أسس دينية، فليست بحركة رجعية بل تقدمية، وإن تميزت بعض نتائجها وإنجازاتها بالتراجع. نشر الاسلام في الإسلاموية، كما في التقاليد الاشتراكية، تمييز بين الثوار، وغالباً ما يكونون متزمتين، يحثون على الاستيلاء على الدولة، وإن كان ذلك عبر الإرهاب والقضاء على الطغاة، حين يقتضي الأمر، وبين الإصلاحيين أو الاشتراكيين أو الديمقراطيين، الذين يهدفون لنشر الإسلام انطلاقاً من القاعدة، العمل الاجتماعي، والاستيلاء على السلطة عبر القبول بالعملية الانتخابية، ملتزمين بمنطق التحالف والتسوية، استيعاب المبدأ الديموقراطي، متوهمين أحياناً استحالة رفض النموذج المقترح، المدعوم بالشرح الوافي. ويعادي كلا النموذجين الغرب، لمناهضتهما الرأسمالية، أو على أقل تقدير لرفضهما العولمة أحادية الاتجاه، عولمة الأثرياء لصالح الأثرياء: نجد هذا الموقف من بلدان ليست كلا فقيرة، إذ تندرج بعض الدول الإسلامية بين الدول ذات الدخل الفردي الأعلى في العالم، لكنها تظل على الهامش، وليس في وسط عملية التحديث التقني وتوزيع المنافع، لذا فإنها تكتسب أهمية، إن لم نقل شرعية أعظم. الطريق المُعَبّد على صعيد المبادئ، يجد الشاب المسلم الطريق في أوروبا معبداً لاستيعاب المرجعيات الأساسية للثقافة الأوروبية: الديموقراطية، التعددية، علمانية المؤسسات، والانطباع أن الشباب، أكثر من الآباء الأكثرية، سيدافعون عن تلك القيم، شأنهم في ذلك شأن الأقليات الدينية والاجتماعية: لأنها بمثابة درع حامية من عجرفة الأكثرية. موقف يعادي الشمولية وغياب الديموقراطية والمساواة بين الرجال والنساء، على سبيل المثال، أمام القانون وفي المجال الاجتماعي، وغير ذلك من الأوضاع التي تعاني منها بلدان الآباء الأصل. كما سيعرف الشباب، بشكل أفضل من آبائهم، كشف النقاب عن الازدواجية الثقافية التي تلف الأحاديث، ومنطق الوزنين والكيلين الذي يميز الكثير من آرائنا الدينية وأفعالنا السياسية. لمحة عن المؤلف ستيفانو أليافي من مواليد 1958 بميلانو، أستاذ علم الاجتماع بجامعة بادوفا، من أبرز الباحثين في الإسلام في إيطاليا وفي أوروبا. أنجز عديد الأعمال في الشأن منها: “المسلمون الجدد: المهتدون إلى الإسلام” 1999، “مبررات واهية: رد على أوريانا فلاشي” 2004، “مسلمو الغرب: اتجاهات الإسلام الأوروبي” 2005.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©