الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البسطات التجارية تحتل أرصفة الشوارع الدمشقية

البسطات التجارية تحتل أرصفة الشوارع الدمشقية
18 سبتمبر 2010 20:40
اختفت منذ نهاية الثمانينيات ظاهرة شَغل صغار الباعة والمتكسبين لأرصفة شوارع الأسواق التجارية أو الأحياء السكنية في دمشق عبر افتراش بضائعهم على الأرض فوق غطاء من البلاستيك المشمّع “البسطة”، ، خاصة أن وزارة الداخلية ووزارة الإدارة المحلية وبلديات المحافظة طاردت على مدى سنوات هؤلاء الباعة، متذرعة بأنها تريد تكريس أحياء حضارية ومنسقة ونظيفة في العاصمة، وأنها أوجدت الحل البديل والمتمثل بمئات الوظائف في مصانع ومعامل بما فيها ورشات تأهيل مهني، لتكفي باعة الأرصفة شر العوز والبطالة والانحراف ولكن الظاهرة عادت من جديد. بعد مرور 15 عاماً على غياب مشهد باعة البسطات والعربات الخشبية، وخلو أرصفة الشوارع منهم وبضائعهم، عاد الجميع إلى نقطة البداية، فعاد المشهد إلى الظهور، وطلّت الظاهرة برأسها من جديد، دون اعتراض من الحكومة وبلدياتها أو من التجار وأصحاب المحال. ينطبق هذا الحال على أرصفة وزوايا الأسواق التجارية وشوارع الأحياء الكبيرة، بحيث ضاعت ملامح الأرصفة في ذاكرة أبناء المدينة، ولم يعد هناك من يفرق حدود الأرصفة في الأسواق التجارية، أو حتى يحصي زوايا العربات الخشبية المتحركة في الأسواق العصرية. نقطة البداية يلاحظ المتابع لهذه الظاهرة أنها لم تعد للظهور تلبية لحاجة البيئة المحلية فقط! بل هي أحد الحلول البديلة لمجاميع من الناس الذين اضطروا إلى ترك بلدانهم تحت وقع الحرب. يفسر ذلك الباحث بشير يونس- أستاذ بجامعة دمشق، ويقول: “فسحت بلدية دمشق ما كانت تمنعه بالأمس فيما يخص “باعة البسطة” امتثالاً منها لإيعاز رسمي يتصل بمواقف سورية القومية، وباتت البلديات تسمح بل تغض النظر عن هؤلاء الباعة -خاصة غير السوريين- من منطلق إنساني يفرض التعاطف مع أوضاع أوطانهم تحت الاحتلال ولجوئهم إلى دول الجوار الشقيقة هرباً من الحروب والمحتل، وإتاحة فرصة العيش لمن لم يجد له وظيفة في التجمعات العمالية التي أطلقتها الحكومة السورية منذ عام 2004 واستقطبت عدة آلاف منهم (إناث وذكور) أو لدى جمعيات النفع العام التي ساهمت بإيجاد مئات الوظائف لهم، أو لدى التجار الدمشقيين وأصحاب المحال التي تمتلئ بها أسواق دمشق أو الشوارع العامة”. ويسترسل مضيفاً: “الجديد ذكره هنا أن التجمعات العمالية والاتحادات النسائية راعت في أولوياتها إيجاد فرص عمل للسيدات والأرامل اللواتي هجرتهن الحرب، وما تبقى من فرص عمل ذهبت للذكور.. لذا تنتشر ظاهرة البسطات والعربات في محيط الذكور حصراً”. ضيق و تذمر عادت البسطات إلى حالها كما كانت سابقاً منتشرة هنا وهناك، لكنها كما يبدو انتشرت بشكل عشوائي غير منظم، دفع بالعديد من التجار وأصحاب المحال في الأسواق الشوارع العامة إلى إبداء الضيق والتذمر. في ذلك، يقول مصطفى البوطي- بائع بمحل حلويات: “للأسف أي بائع يجد مكاناً شاغراً فوق الرصيف يضع يده عليه ويفرش بضائعه فوقه، ولا يهمه إن حجبت بسطته مدخل محلنا، ثم يترك الرصيف متسخاً دون أي تمتع بحس المسؤولية أو التقدير لجهود تنظيفها من قبل عمال البلدية”. يتقاطع مع رأيه محمد سواس- بائع أدوات منزلية، ويقول متأففاً: “بات بعض الباعة يصرخون في وجوهنا “نحنا قاعدين على أرصفة الحكومة” والبعض منهم يستهتر في هيئة الشوارع والأسواق ويرمون أكياس بضائعهم أو بقايا أغراضهم في الشارع وعلى الأرصفة، مما يؤدي إلى تكاثر البعوض وانتشار الرائحة الكريهة”. تعاون ونشاط تنتشر في سوق القصاع بمنطقة “باب توما” عدة بسطات فوق الأرصفة بجوار المتاجر، كما تتوقف في زوايا السوق بضع عربات خشبية. وتعرض البسطات والعربات على حد سواء شتى المنتجات من ألبسة للأطفال وقمصان رجالية وأحذية وجلديات وإكسسوارات للفتيات وأدوات منزلية للمطبخ. ويلاحظ المارة أنه رغم الازدحام في السوق، فإنه لا يوجد ما يعكر صفو العمل بود وتعاون وهمة ونشاط، فصاحب المتجر يقدم الماء لبائع العربة المتجول، وصاحب متجر آخر يقدم المناديل الورقية لبائع بسطة. في هذا الإطار، يقول عدنان حسن- صاحب متجر ألبسة: “نتعاطف نحن تجار السوق مع الباعة، فمعظمهم من البسطاء سواء ممن قدموا من القرى المجاورة لدمشق أو العراق أو فلسطين. وهم جميعاً يتسمون بالخجل والطيبة والصوت الخفيض، فلا ينادون على بضائعهم، بل يكتفون بعرضها على الناس فوق الأرصفة أو يعلقونها على الجدران الشاغرة”. أما السيدة ندى صافي- صاحبة محل ألعاب أطفال، تقول: “يلبي باعة البسطات احتياجات بعض الناس محدودي الدخل، ونحن أيضاً لدينا زبائننا، ولا يمنع أن “يسترزق” أي واحد منهم من زبائني، فالله خيّر يحب الخيرين”. عيب وحرام في الإطار ذاته وبحماس أكبر يقول جوزيف مخول- صاحب متجر أدوات بناء: “ملكية الشوارع العامة بأرصفتها ليست مسجلة كملكية خاصة للتجار وأصحاب المحال، بل هي ملك للدولة. وهي ارتأت السماح وغض البصر عن الباعة الجوالين الذين يفترشون الأرصفة، فلماذا نعترض؟ ولماذا نحارب الناس في رزقها، حرام والله.. خاصة أن معظمهم بمثابة ضيوف على البلد”؟ يتدخل ابنه مؤيداً، ويضيف: “لم يقم أي واحد من أصحاب البسطات بالتجاوز على حرمة الرصيف، بل اكتفى كل بائع بعرض بضاعته داخل حدود مساحة محددة لا تمنع أي عابر من المرور ولا تعيق حركتهم، كما أنهم لا يزعجوننا بأي شيء؛ لأن الرزق من عند الله وحده”. في حين تقول حياة نجّات- إثر خروجها من متجر بيع أحذية: “لو وجدت ضالتي لدى باعة البسطة كنت اشتريت منهم، خاصة أن أسعارهم متهاودة وتقل بنسبة 35%” “بالشكر تدوم النعم” وحول الضيق الذي قد يسببه وجودهم للمارّة وزبائن المتاجر، تقول نجّات: “أنا ضد من يحارب هؤلاء في رزقهم، ومن المعيب أن نبدي امتعاضاً وتذمراً من وجود باعة فقراء وبسطاء يسعون وراء اللقمة الحلال”. على الرغم من قسوة الحياة وتشابك الظروف ضد معظم باعة الأرصفة، نظروا إلى العمل برضى وقبول، وأبدوا اعتزازهم أنهم يأكلون لقمتهم “حلال”، معتبرين أنه نعمة تدوم بالشكر. يقول البائع صلاح - 33 عاماً: “بصراحة أنا لا ألقي بالاً إلى بعض المتذمرين من وجودنا في السوق -إن وجِدوا- فنحن بحماية الدولة ولا نقوم بأي عمل أو فعل فاضح لا سمح الله. بل نعمل ونسعى لتأمين رزق أولادنا بعد أن هجّرتنا الحرب، ونشكر الله صار لدينا زبائن يقصدوننا أينما كانت البسطة ليشتروا منا”. فيما يوضح البائع رضا- 21 عاماً نوعية عمله ومنتجاته، يقول: “أبيع مجموعات متنوعة من الإكسسوارات الخاصة بالفتيات والفتيان تشمل (أغلفة موبايلات، ميداليات مفاتيح، أقلام مميزة، أمشاط للشعر، محفظة نقود، ومستلزمات أخرى أشتريها بالتقسيط من مصنع في منطقة “حوش بلاس” والحمد لله أتمكن من دفع إيجار البيت وأنفق على أخي، خاصة أن والدي وخالي استشهدا قبل 5 أعوام”. إضاءات ينتشر باعة البسطات في الأسواق التجارية القديمة كسوق الحميدية، ومدحت باشا، والعمارة. - يتوزع باعة العربات الخشبية المتحركة في زوايا الأسواق العصرية كسوق القصاع، والحمراء، والجسر الأبيض. - امتد انتشار باعة الأرصفة في ضواحي دمشق مثل: جرمانا، جوبر، السيدة زينب، دومّر، قدسيا. - تتناسب أسعارهم مع مختلف القدرات الشرائية وتعتبر متهاودة، إذ تقل بنسبة 25%- 35% عن المتاجر. - تبدأ أسعار بضائع البسطات والعربات من مختلف القطع 130 ليرة سورية/ 10 دراهم. - معظم المنتجات هي صناعة محلية أو عراقية. وغالباً هي ملبوسات أو ألعاب أطفال أو إكسسوارات. - امتلأت أرصفة شارع الرئيس وساحة عرنوس طيلة شهر رمضان بباعة أرصفة من الصين (إناث وذكور).
المصدر: دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©