الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوروبا الجديدة وروسيا القديمة··· وعلاقات الخارج القريب

أوروبا الجديدة وروسيا القديمة··· وعلاقات الخارج القريب
7 فبراير 2008 00:17
رغم أن روسيا والاتحاد الأوروبي متجاوران من الناحية الجغرافية، إلا أنهما يعيشان في قرنين مختلفين ومتباعدين تماماً من الناحية الجيوسياسية؛ فمن جهة هناك زمن الاتحاد الأوروبي المتجذر في القرن الحادي والعشرين بتطلعه المثالي نحو المستقبل، وتعاليه عن صراعات السلطة في أفق بناء قاعدة متينة من المؤسسات والتشريعات؛ ومن جهة أخرى يبرز الزمن الروسي الملتفت أبداً إلى القرن التاسع عشر بصراعه التقليدي حول السلطة والنفوذ، وبالطبع يغترف الزمنان معاً من تاريخ يسير بسرعتين مختلفتين ويتجه نحو هدفين متباينين· فالاتحاد الأوروبي برغبته في تجاوز قيود الدولة وبناء فضاء مشترك بقواعد وقوانين متفق عليها، هو في حقيقته استجابة منطقية ورد فعل مفهوم للصراعات الدامية التي شهدها القرن العشرون، عندما كادت القومية المفرطة والتنافس على النفوذ أن يدمرا القارة الأوروبية؛ غير أن روسيا في ظل ''فلادمير بوتين'' تقيم تصورها للحاضر على فشل سياستها القومية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق· إذا كانت أسوأ كوابيس أوروبا هي الرجوع إلى سنوات الثلاثينيات من القرن الماضي، فإن كوابيس روسيا تكمن في عقد التسعينيات؛ فأوروبا ترى الحل لمشاكلها والابتعاد عن كوابيسها القديمة في تجاوز الدولة القومية والصراع على السلطة، بينما ترى روسيا الحل في الرجوع إليهما· فماذا يحدث إذن عندما تواجه قوة من القرن الحادي والعشرين قوة أخرى من القرن التاسع عشر؟ الحقيقة أن بعض مظاهر الصراع بدأت تبرز بالفعل على الساحة الدولية متمثلة في المعارك الدبلوماسية بين الطرفين حول كوسوفو وأوكرانيا وجورجيا وإستونيا؛ وفي الصراعات الناشئة حول الغاز وأنابيب نقله، بالإضافة إلى التوتر في العلاقات الدبلوماسية بين روسيا وبريطانيا، ثم رجوع روسيا إلى المناورات العسكرية غير المسبوقة منذ فترة الحرب الباردة· وفي ظل هذا الاستقطاب بين زمنين مختلفين يكاد يكونان متنابذين يشعر الأوروبيون، عن حق، بالقلق والتوجس؛ فقد راهنوا طيلة سنوات التسعينيات على غلبة العوامل الجيواقتصادية على الاعتبارات الجيوسياسية، واعتبروا أنفسهم بصدد مرحلة جديدة سيتمكن فيها الاقتصاد الأوروبي، بقدرته الإنتاجية العالية، من التنافس على قدم المساواة مع الولايات المتحدة والصين؛ لذا لجأت الدول الأوروبية، تماشياً مع هذه النظرة، إلى خفض موازناتها الدفاعية على اعتبار أننا في زمن القوة الرخوة وليس القوة الصلبة· وعلى هذا الأساس تصورت أوروبا أيضاً أن العالم بأكمله سيعمل على استنساخ نموذج الاتحاد الأوروبي، بعدما يتبين للعالم نجاعته على الساحة الدولية وتتحول أوروبا وفقاً لهذا المنطق، إلى قوة ما بعد حداثية تتجاوز المفاهيم التقليدية للسلطة والصراع، وتؤسس لعالم جديد قائم على العلاقات التجارية والتكامل الاقتصادي بين طرفي القارة الأوروبية الشرقي والغربي· وللحظة من اللحظات بدا وكأن الرؤية الأوروبية للعالم تتحقق على أرض الواقع، فبعد تراجع روسيا في بداية التسعينيات والجاذبية التي مارستها أوروبا متزامنة مع الضمانات الأمنية التي تتعهد بها الولايات المتحدة بدأت العديد من الدول في شرق أوروبا تحث الخطى نحو الفلك الغربي· لكن اليوم تباطأت عملية التوسع الأوروبي، إن لم تكن توقفت، ليس فقط بسبب تحفظ أوروبا على انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، بل أيضاً بسبب الصعود الواضح لروسيا؛ فقد أدركت الدول الأوروبية أنه بالتوسع شرقاً ستضم إليها مشكلة أوروبا الشرقية الجديدة، أو بالأحرى المشكلة القديمة بين روسيا ومحيطها القريب منها؛ والواقع أن المشكلة لم تكن مطروحة أصلا عندما كانت روسيا ضعيفة وحريصة بنفسها على الاندماج في المنظومة الغربية، أما اليوم وهي قوية وغنية لم تعد تحرص على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بل تريد أن تخط لنفسها طريقاً خاصاً يرجع بها إلى وضعها السابق كقوة عظمى· ولم يُخفِ ''بوتين'' تحسره على سقوط الاتحاد السوفييتي، بل يسعى اليوم جاهداً لاستعادة النفوذ الروسي القديم في دول البلقان وأوروبا الشرقية، بالإضافة إلى أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا وباقي الدول التي تطلق عليها روسيا ''الخارج القريب''، رغم انضمام دول أوروبا الشرقية إلى الاتحاد الأوروبي وخروجها منذ زمن من دائرة النفوذ الروسي· وهكذا تجد الدول الأوروبية نفسها غارقة في مواجهة تذكر بصراعات القرن التاسع عشر، فبعد الانسحاب الطوعي لروسيا تعود مجدداً لمواجهة أوروبا، مستخدمة وسائل النفوذ التقليدية مثل الطاقة، والعلاقات التجارية، حيث فرضت حصاراً تجارياً شاملاً على جورجيا، وقطعت إمدادات النفط عن لتوانيا ولاتفيا وروسيا البيضاء، كما عاقبت إستونيا بتعليقها خط السكك الحديدية وهجومها على النظام الإلكتروني للحكومة بسبب خلاف حول نصب سوفييتي يعود إلى فترة الحرب العالمية الثانية· والأكثر من ذلك تساند روسيا الحركات الانفصالية في جورجيا وتُبقي على قواتها المسلحة فوق الأراضي الجورجية وفي مولدوفا؛ وأخيرا وليس آخرا انسحبت روسيا من معاهدة القوات التقليدية في أوروبا لتتيح لنفسها إمكانية نشر قواتها بكل حرية في أي مكان تشاء على غرب حدودها· ليس غريباً في هذا السياق أن يصرح الرئيس الفرنسي ''نيكولا ساركوزي'' في العام الماضي قائلا: ''إن روسيا تفرض عودتها على المشهد العالمي من خلال استخدام مقدراتها، لا سيما النفط والغاز''؛ وحتى وزير الدفاع الفنلندي عبر عن مخاوفه من ''القوة العسكرية'' التي أصبحت مرة أخرى ''عاملاً أساسياً'' في الطريقة ''التي تدير بها روسيا علاقاتها الدولية''· روبرت كاجان كبير الباحثين في معهد كارنيجي للسلام الدولي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©