الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مبادرات ومراجعات ما بعد الثورة

مبادرات ومراجعات ما بعد الثورة
22 يونيو 2011 20:23
صعدت الجماعة السلفية في مصر إلى بؤرة الأحداث في الفترة الأخيرة، وأثارت جدلًا إثر قيام عدد من أعضائها بتدمير أربعة أضرحة لأولياء الله الصالحين في القليوبية، وتهديدهم بتدمير أضرحة أخرى، خاصة في مدينة الإسكندرية، السلفيون لم يظهروا فجأة في مصر، كان لهم وجودهم، لكن الجديد أن هذا الوجود والحضور عبر عن نفسه بحرية في الفترة الأخيرة، فأثار الخوف والفزع خاصة لدى رجال الطرق الصوفية، فضلًا عن الأزهر نفسه، الذي ندد شيخه الاكبر بالسلفيين، ومايقومون به. الحركة السلفية في مصر كانت موضعاً للعديد من الدراسات والأبحاث، قام بها علماء اجتماع وعدد من علماء الدين، مثل الشيخ محمد الغزالي وغيره، وآخر تلك الدراسات تلك التي بين أيدينا بعنوان “الحالة السلفية المعاصرة في مصر” والسلفية من حيث التعريف، كما يقول أصحابها، تعني العودة إلى السلف الصالح، وما كانوا يقومون به، وذلك يعني العودة إلى الصحابة والتابعين في القرون الثلاثة الأولى للهجرة النبوية، ويصبح المعيار عندهم هو ما ورد في ظاهره النص القرآني الكريم، وان يكون كل تصرف محكوماً بالنص، وما قام به السلف الصالح. امتدادات وهناك خلاف حول السلفية في مصر، البعض يراهم امتداداً للمذهب الوهابي على أرض مصر، ومن ثم فهم ينفذون منهجاً لا يتناسب مع المجتمع المصري وقضاياه، وهم يعودون في أئمتهم إلى ابن تيمية، وابن القيم وابن عبدالوهاب، ويتجاهلون اسماء كبيرة، مثل الإمام محمد عبده والشيخ محمود شلتوت، والإمام محمد متولي الشعراوي، وغيرهم من العلماء والأئمة المصريين، في حين يرفض فريق من السلفيين ذلك الاتهام، ويدافعون عن أنفسهم بأنهم جزء من المجتمع المصري بكل قضاياه وهمومه، وأنهم يعدون الامام محمد عبده وكذلك رشيد رضا، وقبلهما جمال الدين الأفغاني شيوخهم ورموزهم. السلفية ليست كياناً ولا تياراً واحداً متجانساً، فهناك ما يعده الباحث السلفية العلمية، وقد ظهرت في عدد من جامعات مصر منتصف السبعينيات، وكان مركزها الرئيسي بجامعة الاسكندرية، وقادها محمد اسماعيل المقدم وسعيد عبدالعظيم ورفض هؤلاء الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين، وأطلقوا على أنفسهم اسم “المدرسة السلفية” ورفضوا أن يكون لهم أمير، باعتبار ان مسمى الأمير يعني رئيس الدولة أو الحاكم، واجتذبوا اتباعاً كثيرين من مختلف المدن المصرية، ورفضوا تماماً فكرة الأحزاب السياسية أو الدخول فيها، كما رفضوا انتخابات البرلمان ومجلس الشورى، والتنظيمات السرية المسلحة وأعمال العنف، والتصوف بأفكاره ورموزه وطرقه واجتهادات الفرق الإسلامية، كالمعتزلة والأشاعرة وغيرها. وتركزت دعوتهم في العودة إلى منهج السلف الصالح والالتزام بكتاب الله، وما ورد فيه، ولذا رفضوا تماماً القوانين الوضعية، وطالبوا بتطبيق الشريعة الإسلامية ولا يجوز ان تعرض الشريعة للاستفتاء على الناس تطبق أم لا؟ فالأصل عندهم أن تطبق، وفي 30 أكتوبر 2009 أصدرت هذه الجماعة مبادرة للإصلاح، نشرت على موقع “أنا سلفي” جاء فيها تنديد بمن هاجموا التوريث في مصر، وتحديد مدة الحاكم وتقول المبادرة: “تناسوا الحكم بما أنزل الله وصار الكلام عن منع التوريث وعن الدورة والدورتين” يحكم طوال حياته، ولكن بحكم بكتاب الله وسنة رسول الله، هذا مربط الفرس الذي لا يتكلم به واحد من أصحاب المبادرات، فالأمة المحبة لدين الله تريد أن تحكم بشرع الله ان الحكم إلا لله، ما المانع من ولاية العهد، وتقول المبادرة التي حملت اسم الشيخ سعيد عبدالعظيم إن يكون الحاكم مسلماً، ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلًا، الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه، فاليهودي والنصراني والكافر لا يتولى، ولا يصح أن يتولى أمر المسلمين، ولابد أن يكون رجلًا وما أفلح قوم ولو أمرهم امرأة. حركة غير السلفية العلمية ظهرت “السلفية الحركية” في نفس توقيت ظهور الأولى أي منتصف السبعينيات من القرن الماضي، وهي تشبهها في كل شيء، الأفكار والمواقف لكنهم زادوا في قضية واحدة، وهي تكفير الحاكم المسلم الذي لا يحكم بالشريعة الإسلامية، وقد انتشر هذا التيار، وصار له اتباع يقدرون بعشرات الآلاف، وتعرض هؤلاء للتضييق الأمني الشديد منذ 2001، حيث أفتى بعض رموزه لعدد من الشباب بجواز جمع التبرعات المالية وإرسالها الى الفلسطينيين في الأراضي المحتلة كما أفتى هؤلاء أيضا بجواز الانتقال الى الأراضي الفلسطينية للمشاركة في أعمال المقاومة المسلحة ضد المحتل الصهيوني، واثر ذلك جمع الشباب عدة ملايين من الجنيهات، كتبرعات، وقاموا بتهريبها الى غزة كما تدربوا على السلاح، وحاولوا دخول غزة عبر سيناء وألقي القبض عليهم جميعاً، وتم تقديمهم الى محكمة عسكرية في القاهرة، لكن المحكمة برأت الشيخين نشأت ابراهيم وفوزي السعيد، وتم الإفراج عنهما. السلفية الثالثة تسمى “السلفية الجهادية” وقد برزت في اوائل التسعينيات، وهي ليست قاصرة على مصر فقط، لكنها تضم عدداً من الجهاديين العرب، وهؤلاء يهتمون بالجهاد في المقام الأول. وترى الدراسة التي بين أيدينا أن هؤلاء هم اقرب إلى تنظيم القاعدة وفكرهم ينتمي الى فكر القاعدة، لكنهم يتسمون بالسلفية الجهادية لأنه مسمى أقل إثارة للقلق لدى الجهات الأمنية، فضلًا عن الرأي العام، وهم يؤكدون إيمانهم بجدوى استخدام العنف ضد أنظمة الحكم التي لا تطبق الشريعة أو ضد اعداء الأمة، وقد وجدت خلايا تابعة لهذا التيار في عدد من البلدان العربية واستطاعت السلفية الجهادية الدمج بين التوحيد بمعناه الحنبلي الجديد، كما أسسه تقي الدين ابن تيمية، وتوسع فيه محمد بن عبدالوهاب والمدرسة السلفية من جانب وفكرة الحاكمية، كما صاغها سيد قطب في عدد من كتبه، خاصة “معالم في الطريق”. وقامت هذه السلفية كذلك بالدمج بين تجربة الجهاد الأفغانية في جهاد العدو البعيد وجهاد العدو القريب، وهو أنظمة الحكم في معظم البلاد العربية وفق تصنيفاتهم، وقد تطور موقف السلفية الجهادية من السلفية التقليدية. فقد كان موقفهم منها موقف التعلم، ثم انتقل الى المناصحة، ثم الى التخطئة والرفض لهم بخاصة فيما يتعلق بمسائل الجهاد والحاكمية، وقد وضح ذلك إبان حرب الخليج 1990. وقد قام منظر السلفية الجهادية سيد امام الشريف بمراجعات لمواقفه وأفكاره، لكن هذه المراجعات لم تحدث اثرها الفعال بعد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©