الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لغز «داعش».. كيف تراه كردستان العراق؟

7 يوليو 2014 00:51
جينا كرايسكي كاتبة مقيمة في أسطنبول في وقت متأخر من الليل، كان هناك رجل يجوب بين صفوف الخيام التي نصبت حديثاً في مخيم «خازر» للاجئين. فبعد يوم طويل بين النازحين- بضع مئات من العراقيين الذين فروا من الموصل بعد الاستيلاء عليها من قبل «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)- غلب النعاس على الرجل بجوار إثنين من عمال الإغاثة المحليين الذين جلسوا لتناول العشاء. وذكر لي المصور الكردي «علي أركادي» أنه شاهد الرجلين يسلطان أضواء هواتفهما المحمولة الخافتة على وجه جارهما الذي بدت عليه الصدمة وكأنه قد ألقي القبض عليه. لم يكن يسمح لغير المتزوجين من الرجال من النازحين بالدخول إلى كردستان العراقية، على الأقل دون المرور بعملية مطولة، تشمل تأمين ضامن محلي لإثبات أنهم لا يسببون أذى. وكان لابد أن يكون الرجل قد عرف أنه لن يمنح ملجأ في «خازر»، وعليه فإن «أركادي» وعمال الإغاثة افترضوا أنه لا يعتزم البقاء طويلا. «لذلك اعتقدنا أنه ينتمي لداعش»، كما قال «أركادي». وعلى الفور، اشتبه أركادي وعمال الإغاثة أن الرجل جاء لاختطاف الجنود العراقيين في هذا المخيم المقام في منطقة كردستان ذات الحكم الذاتي في شمال العراق، والتي أصبحت موطناً مؤقتاً للعراقيين الفارين من القتال إلى الجنوب من الحدود الكردية. وتركزت دعاية «داعش» في الآونة الأخيرة على نشر صور أو مقاطع فيديو مقززة لجنود الحكومة الذين تم إعدامهم من قبل الجهاديين أو الذين هم في طريقهم للموت. أما العراقيون الذين ذهبوا عبر نقاط تفتيش «البشمركة» الكردية للوصول إلى مخيم اللاجئين، فيسردون قصصاً مختلفة حول الجماعة المتطرفة التي اقتلعتهم من ديارهم. يقول «نذير محمد» (46 عاماً) إنه كان قلقاً بشأن القصف الانتقامي من قبل قوات المالكي أكثر من خوفه من «داعش». لذلك حمل أسرته بعيداً إلى الشمال، وقد رأيت أطفاله الصغار يصرخون في السيارة من شدة الحر. كان من المستحيل معرفة ما إذا كانت قصة محمد حقيقية أم أنه يرويها فقط حتى يصل بأولاده إلى بر الأمان. فهو يقول «إن داعش لا تتدخل في حياة الناس. ويقولون لنا ألا نخاف. وبالطبع نحن نعلم أن الأمر سيكون مختلفاً إذا كنا من الشيعة». هذا التقييم الذي يعد صادماً، لكنه مفرح أحياناً، كان يتردد في جميع أنحاء المخيم بينما يزداد عدد المقيمين به. وينظر بعض المراقبين والصحفيين إلى الأمر كدليل على أن الجماعة المتطرفة كانت تحظى بدعم زعماء سنة محليين، لديهم اتصالات شخصية بالنازحين داخل البلاد. أما البعض الآخر فيقرؤون الأمر على أن البعثيين الذين يتصفون بالدهاء السياسي، والذين هم في حالة كمون منذ سقوط صدام حسين، قد ساعدوا «داعش» في الاستحواذ على قلوب وعقول السكان. وأياً كان المعنى المتضمن في قصة محمد، فإن «داعش» في العراق تكشف عن نفسها كمنظمة أكثر تنوعاً من الصورة التي رسمت لها من قبل. أما «هيمن هورامي»، مسؤول العلاقات الخارجية في «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، فذكر لي أن «داعش هي مجرد غطاء. فليس لديها أكثر من ألفي مقاتل. فهل بإمكان هذا العدد السيطرة على مساحة شاسعة.. أكبر من كردستان العراقية بأكملها!» ومن كردستان، حيث رأى معظم الصحفيين الأزمة وهي تتكشف، كان من المستحيل أن نعرف بالضبط كيف كانت «داعش» تعمل، ومن الذي يملك السيطرة داخل الجماعة. كانت لقطات الفيديو التي تتخلل نشرات الأخبار تبدو وكأنها أخذت من حساب «داعش» على موقع «يوتيوب» الإلكتروني، بينما أخذت مجموعة هائلة من الصور من مصادر للجماعة على شبكة الإنترنت. كانت الجماعة تجتاح العراق، وتضم زعماء السنة المحليين وبقايا نظام صدام حسين. كما كانت ترفع علمها الأسود على المدن والبلدات العراقية، ما يجبر السكان المحليين، مثل «محمد»، على ترك ديارهم. وهي تفعل ذلك بعدوانية من خلال تخليد سمعتها التي تتصف بالوحشية. وتمتلك «داعش» المال والسلاح، وتحظى بدعم العديد من السنة الذين اعتبروها بداية ثورة ضد حكومة المالكي. وبينما تمضي الأيام، تفيد التقارير الواردة من الأشخاص النازحين والصحفيين بأن «داعش» بدأت في شن حملة على المناطق التي استولت عليها لتفعيل نسختها المتشددة من الشريعة الإسلامية. وذكر لي «هيوا عثمان»، وهو محلل سياسي كردي من أربيل، أن «نشوة الأيام القليلة الأولى، فيما يتعلق بطرد داعش للمالكي، على وشك أن تتبدد. وبينما بدأت الجماعة في تفعيل الشريعة الإسلامية، يتوقع عثمان أن يبدأ السكان المحليون في إدراك أن الثوار المفترضين ما هم إلا إرهابيين». كان عثمان نفسه يحاول تجميع لغز «داعش». فقد قال: «إن داعش نفسها كانت تقوم بالنشر على مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك. إنهم يقومون بعمل فعال حيث يضعون الصور التي تجعل الناس يشعرون بالهلع. أما البعثيون فهم يقدمون التوجيه ويساعدون داعش على الفوز بمعارك صغيرة في مختلف المناطق، ومن ثم ينشرون أخبار المعارك على الفيسبوك. بينما تجلب القبائل التأييد الشعبي». وفي مكان أكثر قرباً من ساحة القتال، كان التقييم أقل وضوحاً. ففي 20 يونيو، كانت مدينة كركوك، التي تم الاستيلاء عليها وإغلاقها من قبل البشمركة، بعد أن تخلى عنها الجنود العراقيون وحاولت داعش دخولها، قد تحولت إلى مدينة أشباح. فهذه الأراضي الغنية بالنفط يطالب بها كل من الأكراد والعرب والتركمان، كما أنها اعتادت أن تكون مركزاً للنزاعات. ينشر بترتيب مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©