الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التاريخ يتكلم في «الشارة»

التاريخ يتكلم في «الشارة»
22 يونيو 2011 20:20
للتاريخ حكاياته.. للغة قواميسها.. للتراث شفاهيته.. تلك ثوابت توليها الشعوب أهمية، حرصاً، وأجمل ما يمكن تصوره حين نلتقط الماضي الحقيقي ونضعه بين دفتي كتاب سواء أكان تاريخاً أو لغة أو تراثاً. ومن البديهي أن نعرف حال الشعوب التي جاورت البحر، وتلك التي جاورت الصحراء، والثالثة التي جاورت الجبال، فأما الأولى فإن ركوب الموجة وأسرارها بين يديها، تبصر العمق فتعرف أن هناك رزقاً، وأما الثانية فإنها خلقت القيم والأديان، وعاشت شظف العيش وكونت لها مجتمعاً صارماً نهض فيه الحس الوجداني، حيث التعاليم نزلت هناك، والأفواه نطقت بالشعر والحكمة هناك، أما الثالثة فهي المتسلقة إلى الأعالي، وركوب رؤوس الجبال، والقبض على الغيمة الرصاصية وهي تمر قرب اليد الممدودة إليها. تلك هي الشعوب التي جاورت إما البحر أو الصحراء أو الجبال، وعليه نقول: ـ يندر حقاً أن نجد شعباً جاور البحر والصحراء والجبال معاً إلا على أرض الإمارات. تلك حقيقة نراها في الواقع ومن السهولة استنتاجها، ولكن أجمل ما أورثته هذه الظاهرة الاجتماعية السوسيولوجية الجغرافية ظهور تآلف وتوافق وتناغم في القيم والمفاهيم وكأن بعضها يكمل الآخر. ينثر البحر رذاذه في صيف الصحراء ويعطيك شتاء الصحراء ألق الحكاية ويشرئب الجبل طمّاحاً، باذخاً، يطاول أعنان السماء ـ كما يقول الشاعر الأندلسي ابن خاجة ـ حيث نجده وقد لاثت الغيوم حوله عمائم سوداء. تلك هي تنوعات بيئة الإمارات، ساحل ممتد من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، مياه زرقاء، ورزق وفير، وحكايات الجنيات وأنصاف الحوريات اللاتي أغرين الرجال بحثاً عنهن، ورمل أنقى من الذهب يعطيك ألق التشكل الذهني، الإبداعي، وأنت تتصور أكثر من ألف وخمسمائة عام من الشعر قد عاش فوق هذه الأرض، وثمة جبل يحكي أسرار الرجال حين قاوموا الغزاة، وكيف التجأوا إليه، وحينها فتح صدره للذين يدفعون عن أهلهم الأذى. عشق النخلة تلك الأرض جميعاً تحفل بالقصص والحكايات الشعبية التي صاغتها جموع من الناس بوعي أو لا وعي جمعي وهي تروى مع رائحة القهوة وبين بيوت الشعر وفوق سطح “بوم” يمخر عباب البحر الجميل بزرقته التي يتوهج تحتها اللؤلؤ، فلا بد حين نتحدث عن تلك الحكايات التي تناقلتها الشفاه في الأزمان البعيدة أن نمسكها بشباك صياد بارع يبحث عن لؤلؤته المنشودة. ذلك ما فعله سالم محمد بن كراز المهيري عندما نصب شباكه في عمق التاريخ الإماراتي ودون جانباً من تاريخ الإمارات، من مناقب قادتها وحكامها على مدى ثلاثة قرون وعرج على شخصياتها وثقافاتها وفنونها، وبعد كل هذا جاء إلى الحياة البرية منها، حيث الهجن وأوصافها وأدواتها وأمراضها وبيئتها الصحراوية ومظاهرها والحيوانات والزواحف في البر والطيور وطرق صيدها، والنبات كيف يعيش في عشق دائم مع الأرض، ومن تلك الحياة كان لابد للبحر أن يأتي ولابد للغواص أن يسبر الأعماق، وللسفن أن ترحل ولصيد السمك أن يتلألأ، وما بين تلك وهذه كانت النخلة عشق الإماراتي الجميل، النخلة التي تشبهت بها النساء، طويلة، وفارعة، ونظرةً، ومعطاء، وولوداً. كم عدد أسماء النخيل يقول السجستاني في كتابه “النخلة”: - كان يروي أصول النخيل فمات الرجل وعاش الفسيل. هي أرض النخيل، فاكهة الصيف، ومتعة الفقير، والمسافر، والجائع، طعام البدوي الذي يعبر المفازات بصرّة من تمر وقارورة من لبن. النخلة، أم التحولات الجميلة، الرشيقة بين الأشجار، الحنينة بين الضلوع. كان آباؤنا وفلاحونا قبل أن يضعوا الفسيل الصغير في الأرض يصلون ركعتين لوجه الله تعالى. كل ذلك حفزنا إليه كتاب “الشارة” في جزئه الأول للباحث سعيد بن كراز المهيري الذي جمع أكثر من 2218 سؤالاً وجواباًِ في الثقافة والتراث، فأصدر موسوعته التراثية تلك عن هيئة أبوظبي للثقافة والتراث. صروح الحكام يتساءل مبتدئاً: من الحاكم الذي تم في عهده اكتشاف المياه العذبة في جزيرة أبوظبي وأول من بنى برجاً بالقرب من بئر الماء المكتشفة؟ فيجيب: الشيخ ذياب بن عيسى آل نهيان 1761 ـ 1793م. ويروي المهيري، جانباً من حياة الشيخ ذياب بن عيسى آل نهيان حيث توحدت قبيلة بني ياس بزعامته ومنها أصبح بنظر المؤرخين أول حاكم لإمارة أبوظبي وأول من أسس وجوداً سكانياً للقبيلة في جزيرة أبوظبي، حيث بدأت في عهده جماعات من أبناء القبيلة في الانتقال إليها إثر اكتشاف الماء العذب فيها، إلا أن الشيخ ذياب بن عيسى فضل إبقاء مقر الحكم في سهل الحمرة الذي يقع إلى الشمال من الظفرة حرصاً منه على الوجود المستمر بين أفراد القبيلة، في الوقت الذي كان يزور الجزيرة بين حين وآخر، ولاسيما في مواسم الغوص. ولكل حاكم شاهد على عصره، شاهد معماري خلاق، حيث يرتحل سعيد بن كراز المهيري مع تلك الشواهد ليرينا كيف ظهرت وأصبحت منارة تدل على حاكم أبوظبي الذي شيده. ويسأل عن الحاكم الذي بنى المربعة داخل قصر الحصن في إمارة أبوظبي. ويجيب هو الشيخ شخبوط بن ذياب آل نهيان 1793 ـ 1816م. وحين نتصفح تاريخ الحكام نصل إلى الحاكم الشاعر، ناسج الأبيات والعبر والحكمة، الكريم، الشجاع، ناظم الحرف مع الحرف والكلمة مع الكلمة والبيت فوق البيت هو الشيخ خليفة بن شخبوط آل نهيان 1833 ـ 1845م، الحاكم الذي عاش شاعراً وولد قائداً بارعاً وقوياً هو الشيخ زايد بن خليفة آل نهيان 1855 ـ 1909، حيث دام حكمه أربعة وخمسين عاماً والذي لُقب بزايد الكبير وزايد الأول وصاحب المقام العالي وإمام الهناوية. وتصل قيادة أبوظبي ليد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله 1966 ـ 2004 حيث كانت الإنجازات في كل موقع والنهوض الحضاري في كل حقل معرفي، وتحول حلم الاتحاد إلى حقيقة، فتمثلت على يديه دولة ورفع علمها في الثاني من ديسمبر 1971م يجاوره في الحلم أخوه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي 1958 ـ 1990م. وتنتقل السيرة إلى منجزات الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، حيث كان اللقاء التاريخي بين الزعيمين الراحلين المغفور له الشيخ زايد رحمه الله، والمغفور له الشيخ راشد رحمه الله في منطقة السميح لتأسيس دولة الاتحاد “الإمارات العربية المتحدة”. بيت الشَّعر في الصحراء يحلو سمر الليالي، وثمة ثغاء بعير بارك على الأرض ليس ببعيد، حيث “الخواوير” وهي الإبل الأصايل التي بدأت تكثر من وبرها صيفاً، تتناغم القصائد بين المتسامرين. في بيت الشعر يأنس البدوي وهو يمتح من لبن الناقة صبوحاً وهيوراً “ظهيرة” وغبوقاً “مساءً”. وتتعدد الأسماء بلهجتها الإماراتية، فما بين الناقة الهشوش التي تدر لبناً سريعاً في الحلب، والناقة “مري” وهي التي يتم حلبها من دون مولودها، والثالثة “الغارز” التي لا يوجد في ضرعها حليب. وما بين “الخزام” من النوق التي شبهت بها النساء حيث وضعت حلقة معدنية في أنف البعير ويربط به حبل الخزام. وما يقرب معنى هذه اللفظة من اللفظة نفسها حين أطلقت على فتحة صغيرة في الباب الكبير، كما أنها لفظة تطلق على عقال من الصوف خفيف الوزن يسهل تشكيله وشده على رأس الشخص. أوصاف للهجن، ومعان لا حدود لها، أفعالها، صفاتها، حركاتها، أحوالها، نسلها، أمراضها، أصحابها، صفاتهم، أسماؤهم. بئر الصحراء للبئر تسمياته وأوصافه، فماء الخريجة مالح، والطوي قراح عندما يكون محفوراً حديثاً، والغرب هو الدلو الكبير، والمفرشة هو الدلو الصغير، والوذم هي خيوط تربط الدلو بالعرقاة وهي خشبة مصلبة تكون على فوهة الدلو وفيها يربط الرشا وتكون في العادة من الكتان لكي تتحمل الماء ولا تنقطع ويمكن أن تكون من الليف أيضاً. وكر الصقور من يعرف أن الصقر لا بد له من أن يأكل الريش؟ كي يساعد على الهضم وينظف معدة الطير. من هنا ننتقل إلى أسماء كثيرة تخص الطيور بعامة والصقور بخاصة وأدواتها من سبوق ووكر ومخلاة، ومنقلة وبرقع، أسماء ظهرت في الشعر العربي القديم، منها “الكشح” وهو اسم المخلب الخلفي للصقر، فاللهجة تاريخ، والتاريخ سجل للهجة. بطن اللؤلؤ النوخذة قائد محمل الغوص ونائبه الجعدي والسكوني “الرجل الذي يمسك دفة المحمل ويقوم بتسييره بالاتجاه الذي يحدده النوخذة”، هم ثلاثة يذهبون بالسفينة بعيداً إلى المغاصات حيث بطن اللؤلؤ. وحين يأتي اللؤلؤ يعرضه “الطواش” “تاجره الذكي الذي يعرف قيمة ما يعرض”. لؤلؤ جاء به البحارة البارعون على أنغام النهام “الذي قيل فيه المثل “نهام وممنوع من اليدام” أي من الطعام ويضرب في الشخص المهم الذي يهضم حقه هو المغني الجميل، الصوت العذب، الذي يذهب بنغماته مع البحارة منذ أول يوم “الدشة” للسفر حتى “القفال” آخر يوم للعودة. وخلال هذه الفترة يظل البحارة يسكنون الأعماق متشبثين بالسيب “وهو الشخص الذي يقوم بسحب الغواصين من الأعماق” خوفاً من “الدالوب” وهو إعصار بحري شديد يؤدي إلى تلاطم الأمواج ودوران السفينة علي نفسها. أسماء وأسماء. صفات وصفات. للسفن صفات، وللبحر صفات، وللحياة وقت، وللصيد وقت. السفن تحكي عن أوصافها من “الدقل” وهو السارية حتى “البومية أو الداعومة أو العنانة” في مقدمة السفينة. تأصيل المخزون التراثي أطلقت هيئة أبوظبي للثقافة والتراث الجزء الأول من الموسوعة التراثية الإماراتية المصورة التي تحمل عنوان “الشارة” من إعداد الباحث الإماراتي سعيد محمد بن كراز المهيري رئيس قسم البحوث في إدارة التراث المعنوي في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث. ويتضمن الكتاب الذي يعتبر وسيلة تثقيفية وتعليمية عبر توظيف السؤال والجواب والمشفوع بالصور والرسومات والمعلومات التراثية، كما وردت في اللفظ واللهجة المحلية ما يقرب من ألفين ومائتين وثمانية عشر معلومة تتعلَّق بالثقافة والتراث، وهو خلاصة الوثائق والبحوث التي قدمت في برنامج المسابقات التراثية “الشارة” الذي عرض على شاشة تلفزيون أبوظبي على مدى ثلاث وثلاثين أمسية العام الماضي. واستهل الكتاب أبوابه السبعة بعرض تاريخ قادة وحكام وشخصيات الإمارات المبدعة والاجتماعية، ثم أعقبه أبواب عن الحياة البرية وثالث عن الحياة البحرية ورابع عن البيئة الزراعية، ثم المأثورات الشعبية والأماكن والمواقع وأخيراً باب الأسئلة العامة. وتناول الكتاب البيئات الصحراوية والساحلية والجبلية ومكوناتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وعاداتها وتقاليدها ونماذج من حكمها وأمثالها وألغازها ومسميات تراثية وقصائد ومأثورات شعبية تتراوح في أبعادها بين الخصوصية الثقافية لمجتمع الإمارات والامتداد الإنساني للتراث، ويصل عدد صفحات الكتاب إلى ما يقرب من 191 صفحة بالقطع الكبير وقد عززت بالصور التراثية. وقال سعيد محمد بن كراز المهيري في كلمته بالمؤتمر الصحفي لإطلاق الموسوعة: “تضافرت عوامل عديدة لتوثيق برنامج المسابقات التراثية “الشارة” الذي قدم على شاشة تلفزيون أبوظبي على مدى ثلاث وثلاثين أمسية من أماسي شهر رمضان المبارك الماضي وعيد الفطر السعيد من عام 2010، ومن ثم تجميعه وتقديمه بشكل مكتوب في هذا الكتاب بالمسمى ذاته “الشارة”. وأضاف “ورغم تفرد الفكرة وحداثتها إلا أنها تنطوي على شيء من المغامرة والجرأة، إذ كيف يمكن أن يحلّ الكتاب كوسيلة تثقيفية محل التلفاز الذي يمسك بناصية كل وسائل الجذب والإثارة؟ ورغم ذلك فإنّ عوامل عديدة دفعت بنا في هذا الاتجاه، لعلّ من أبرزها الدعم اللامحدود الذي لقيه البرنامج من قبل الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والذي توج بزيارة سموه للبرنامج في ختامه”. الشعر والتراث شاعر وزير، وشاعر عازف ربابة، وشاعر تراثي، وشاعر لأغنية مشهورة، هم شعراء امتازوا بجمال القول وبراعة الفن في الحياة، أما الشاعر الوزير فهو الدكتور مانع سعيد العتيبة، والشاعر العازف فهو أحمد بن علي الكندي من عشيرة المرر بطن من بطون قبيلة بني ياس ولد عام 1940 ، وتوفي في 1985، والشاعر التراثي هو حمد بن خليفة بوشهاب، والشاعر الذي تميز بالقصيدة المغناة هو سالم سيف الخالدي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©