السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الدولتان الخلجية والطغلقية.. متناقضات للمظالم والفتوحات والخير

الدولتان الخلجية والطغلقية.. متناقضات للمظالم والفتوحات والخير
6 يوليو 2014 23:04
د. أحمد الصاوي (القاهرة) لم تشهد شبه القارة الهندية قدراً من التقلبات السياسية الحادة في تاريخ حكم المسلمين بها يعدل ما عاينته من أعمال الخير والعدل والفتوحات من جهة وما اكتوت به من مظالم وسفك للدماء من جهة أخرى خلال حكم دولتين إحداهما أفغانية وهي الدولة الخلجية والثانية سلاطينها من أصول تركية وهي الدولة الطغلقية. بدأ جلال الدين فيروز شاه حكم الدولة الخلجية ذات الأصول الأفغانية في عام 689 هـ، وهو في السبعين من العمر، وكان من قادة غياث الدين بلبن المملوكي واشتهر عن هذا السلطان حلمه مع خصومه. إسكندر الثاني ولكن هذا الحلم والتسامح مع الخصوم أودى بحياة جلال الدين على يد ابن أخيه علاء الدين الخلجي الذي تمرد على عمه فعفا عنه وذهب بنفسه لاستجلاب رضاه، فما كان من علاء الدين، إلا أن طعن عمه وهو يحتضنه مصافحا عند ضفة النهر فخر صريعاً في عام 695 هـ. بدأ علاء الدين حكمه بغزو دلهي العاصمة والتنكيل بأسرة عمه حتى إنه سمل عيني ولديه ليحول بينهما وبين التفكير في تولي الملك وباشر من بعدها الحرب ضد أمراء الهند إلى أن نجح في بسط نفوذ دولته على الدكن ومعظم أقاليم شبه القارة الهندية، ومن أجل ذلك لقب علاء الدين باسم اسكندر الثاني تشبها بالإسكندر المقدوني الذي غزا الشرق وصولاً للهند. فعل علاء الدين ذلك وهو لا يعرف القراءة والكتابة وفكر مع نشوة النصر في أن يبتكر ديناً جديداً يجعل فيه من نفسه إلها آخر يضاف لآلهة الهند، ولكن قاضي دلهي حال بينه وبين ذلك الأمر. الرأفة بالرعية ومهما يكن من أمر، فإن علاء الدين فضلاً عن مهارته كقائد عسكري دافع عن الهند ضد غزوات التتار ووسع مملكته وكان حاكماً يجمع بين الرأفة بالرعية، وخاصة الفقراء منهم ويبذل المال بكرم المنفق الذي لا يخشى تلفاً وبين الميل لسفك الدماء لأتفه الأسباب، حتى إن ابن بطوطة يقول: إن ببابه دائماً إما فقير يغنى أو رجل يقتل. وقيد السلطان حريات وملكيات الأمراء وصادر معظمها، لأن بعض حواشيه فسر له تمرد البعض منهم عليه بغناهم فعاقبهم بذلك فضلاً عن القتل والسمل وألزمهم بأداء الصلوات وعدم شرب الخمر، وكان يقتل منهم من لا يلتزم بأداء الصلوات جماعة. وعلى النقيض من ذلك كان علاء الدين مهتماً بتخفيض أسعار الأطعمة والمنسوجات لرعاياه ويعد أول حاكم يضع معايير للتسعير بالهند. أسرة جديدة أما كرم علاء الدين، فكان لا يحد حتى أنه كان ينثر الذهب نثراً على قادة عمه استرضاء لهم ومع ذلك فقد قتلهم جميعاً نظير ما اعتبره خيانة لسيدهم وأكرم فقط ثلاثة منهم رفضوا قبول هداياه الذهبية منوها بوفائهم وإخلاصهم لملكهم الراحل، وبعد وفاة علاء الدين في العام 716 هـ تفرق أبناء بيته ولقى أولاده جميعاً حتفهم في حوادث مختلفة ليذهب الحكم إلى أسرة جديدة هي أسرة غياث الدين طغلق شاه التركي الأصل. اشتهر طغلق شاه الذي حكم الهند فيما بين العامين 721 و725 هـ بالغازي، لأنه صد هجمات المغول على الهند وحاربهم في 29 معركة انتصر فيها جميعاً نصراً مؤزراً. ولكن الرجل ذهب ضحية مؤامرة ابنه محمد الذي بنى له بيتاً من خشب لاستقباله خارج دلهي وهو عائد من غزوه للبنغال وأمر محمد بن طغلق أن تمر الفيلة قرب البيت الخشبي لينهار على رأس أبيه وهو ما حدث بالفعل ليموت طغلق تحت الأنقاض ويقفز ابنه لعرش الهند. وعلى النقيض من سمعة أبيه المشهور بالتقوى والصلاح كان محمد بن طغلق الذي عرف بالسلطان الجائر المشهور بالعادل، فلم ير مثله في الملوك والسلاطين في بذل الأموال الطائلة وسفك الدماء المعصومة حسبما قرر ذلك الرحالة ابن بطوطة. الاستقلال كان محمد بن طغلق تقيا شديد الورع محافظاً على الصلوات، ولكنه بالمقابل كان عنيفا قاسيا على رعيته ويقتل المرء لأتفه الأسباب، ولذلك شهد عصره تمردا واسعا من حكام الأقاليم الذين فضلوا الاستقلال بما تحت أيديهم من الولايات على الخضوع لرجل لا تؤمن بوائقه حتى لم تبق تحت سيطرة حكومة دلهي سوى ولايتي دواب والبنجاب فقط. ويعتقد بعض المؤرخين أن محمد بن طغلق كان يعاني انفصاماً حاداً في الشخصية فهو تارة الحاكم الورع المتمسك لأقصى مدى بأهداب العدل وهو تارة أخرى سفاح قاسي القلب يقتل ضحاياه بدم بارد، فمن نوادره أن هندياً ادعى عليه أنه قتل أخاه بدون موجب واستدعاه للقاضي فذهب إلى مجلس القاضي بدون سلاح ماشياً على قدميه وأمر القاضي ألا يقف إليه وارتضى بكل تواضع حكم القاضي ودفع دية كبيرة لأخ القتيل، ويذكر ابن بطوطة أنه رآه يعطي عصا لصبي ليضربه، كما فعل هو سابقاً معه، وذلك تنفيذا لحكم القاضي بالقصاص منه وضربه الصبي حتى أطاح بقلنسوته من فوق رأسه بمجلس الملك على مرأى ومسمع من رجال البلاط. وعلى النقيض من ذلك كانت للسلطان وقائعه القاسية، فقد أمر على سبيل المثال بنتف لحيتي شيخين لأنهما لم يوافقا على الانضمام لبلاطه وقطع رقبة ثالث بعد أن أطعمه العذرة عنوة لأنه وصفه بالحاكم الجائر. ولمحمد بن طغلق واقعة مشهورة مع أهل دلهي العاصمة فقد كانوا يكتبون بطائق فيها شتمه وسبه ويكتبون عليها «وحق خوند عالم» أي سيد العالم لا يفتحها إلا هو فلما كان يفتحها ويجد فيها شتائم له أمر أهل العاصمة بالامتناع عن ذلك فأبوا فأمر بخروجهم من المدينة مهددا من يبقى بالقتل فغادروها وأطل السلطان من فوق قصره على المدينة فوجدها خاوية ولا نار ولا دخان ولا سراج فيها، وتنفس الصعداء قائلاً: «الآن طابت نفسي»، وبالطبع كان أكثر رأفة من نيرون مع روما. أما وريث عرشه فيروز شاه وهو ابن عمه، فقد حاول إصلاح ما أفسده ابن طغلق فعني بإقامة العدل وتخفيف الضرائب وإنصاف من ظلمهم الملك السابق. شبه القارة الهندية عالم حافل بأجناس وعقائد ولغات شتى، ومنذ القدم هذا العالم له شخصيته المستقلة وفلكه العقائدي والفلسفي الخاص، اقتحم الإسكندر الأكبر بلاد الهند غازياً وخلف وراءه تأثراً كبيراً بفنون الإغريق، ولكن دون تبديل كبير في شخصية الهند. وبدءاً من عام 92 هـ دخل الإسلام إلى الهند من جهة السند والبنجاب، ولكن نجاحه الأكبر كان في جنوب البلاد عبر التجارة الموسمية لينتشر الإسلام سلمياً بين الطبقات المقهورة والفقيرة هناك، وبدورهم نقل الهنود المسلمون دعوة الإسلام وحضارته إلى ما جاورهم من جزر المحيط الهندي وسواحله الجنوبية. أدرك المسلمون مبكراً أنهم يدخلون عالماً خاصاً فتعاملوا معه برفق يناسب البلد الذي كتب عنه البيروني كتابه الشهير «تحقيق للهند من مقولة في العقل أو مرذولة»، فكان الإنتاج الفني للهند في العمارة والفنون الإسلامية عروة وثقى بين روح الفن الإسلامي وشخصية الهند التليدة، هنا وعلى مدار الشهر الكريم نعرض لأهم ملامح إسهامات الهند في الفن الإسلامي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©