الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مخترعو القنبلة الذرية·· روّاد حرفة القتل الجماعي

مخترعو القنبلة الذرية·· روّاد حرفة القتل الجماعي
15 فبراير 2009 01:00
في عام ،1945 عندما ألقت إحدى الطائرات العسكرية الأميركية أول قنبلة ذرية في التاريخ على مدينة هيروشيما، راح مساعد قائد الطائرة الذي يدعى روبرت ليويس يراقب ما حدث عند انفجارها من ارتفاع كبير، فانصعق من المشهد وقال: (يا إلهي ما هذا العمل الشنيع الذي اقترفناه)؟ وفي الحقيقة، لم تكن هذه الجريمة الإنسانية إلا (ثمرة) نجاح مشروع مانهاتن الأميركي لصنع القنبلة الذرية الذي تم تبنبّه وفقاً لتوصية عدد من العلماء كانوا يراقبون تطورات أحداث الحرب العالمية الثانية· ففي اليوم الثاني من شهر أغسطس من عام ،1939 قبل نحو شهر على اندلاع الحرب، كتب العالم ألبرت آينشتاين رسالة شارك في صياغتها فريق من كبار علماء الذرة والفيزياء النووية إلى الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت أخبروه فيها أن ألمانيا النازية بزعامة أدولف هتلر تقوم بجهود حثيثة لفصل اليورانيوم 235 بطريقة التخصيب من أجل صنع قنبلة ذرية· وكان وقع هذا الخبر على الأميركيين مخيفاً إلى درجة دفعت الرئيس روزفلت لإعطاء أوامره بالبدء الفوري بتنفيذ خطة لإنتاج القنبلة الذرية وفقاً للنصائح والتعليمات التي وردت في رسالة آينشتاين· وأطلق على تلك الخطة الإسم الحركي (مشروع مانهاتن) Manhattan Project. ويعد تخصيب اليورانيوم خطوة أساسية للحصول على المادة المتفجرة الأساسية للقنبلة الذرية، وهي من أكثر خطوات هذه المهمة تعقيداً· ويمكن تفسير صعوبة الحصول على نظير اليورانيوم 235 ذي الندرة الشديدة، في أن الخامة الطبيعية من اليورانيوم التي تستخرج من باطن الأرض وتشتهر بإنتاجها النيجر، تتألف من نظير اليورانيوم 238 (تتألف النواة الذرية من 92 بروتون و 146 نيوترون) بنسبة 998 بالألف· وهذا النظير لا يصلح لصنع القنبلة الذرية أبداً؛ ويقتضي الأمر استخلاص النظير اليورانيوم 235 (تتألف نواته من 92 بروتون و143 نيوترون) منه بطريقة الطرد المركزي التي تتطلب عملاً شاقاً وتشبه من حيث المبدأ طريقة فصل الزبدة عن الحليب، وهي التي يطلق عليها مصطلح (التخصيب)· وغالباً ما يتم الاعتماد على مبدأ الطرد المركزي لتحقيق مهمة فصل النظيرين عن بعضهما بواسطة عملية الدوران السريع بعد تحويل النظيرين إلى الحالة الغازية· وتستعمل لهذه الغاية بضعة آلاف من أجهزة الطرد المركزي التي لا يزيد حجم كل منها عن حجم غسالة الملابس· وتؤدي القوى الطاردة المركزية الناتجة عن الدوران إلى طرد اليورانيوم 238 الأثقل إلى الحافة الخارجية لجهاز الطرد المركزي والإبقاء على اليورانيوم 235 أقرب إلى محور الدوران· ليتم بعد ذلك تقشير وجمع الكميات القليلة جداً التي تتجمع منه في كل جهاز· إنجازات أوبنهايمر عمدت الحكومة الأميركية إلى إنشاء محطة ضخمة لتخصيب اليورانيوم في ضاحية (أوك ريدج) بولاية تينيسي الأميركية، حيث انطلقت فيها البحوث الهادفة لتطوير هذه العملية المعقدة بقيادة فريق من العلماء الذين يحملون فوق أكتافهم أضخم الأدمغة على سطح الأرض· واستمر العمل في المشروع ليلاً ونهاراً بين عامي 1939 و1945 وبلغت تكاليفه حتى ذلك الوقت ملياري دولار· وتمكن الفريق من استنتاج واشتقاق المعادلات ووضع المخططات اللازمة لتنفيذ مشروع بناء أول قنبلة ذرية· ويعزى الفضل الأساسي للنجاح في هذا العمل للعالم الكبير في الفيزياء النووية روبرت أوبنهايمر، وهو يوصف بأنه الإنسان الذي تمكن من نقل المشروع من المرحلة النظرية البحتة إلى المرحلة العملية القابلة للتنفيذ· وبعد هذا المجهود الكبير، بلغ مشروع مانهاتن مرحلة (العطاء)، وجاء اليوم الذي اكتمل فيه بناء أول قنبلة ذرية في التاريخ· وكان ذلك عندما بلغت الحرب العالمية الثانية أوج عنفوانها، وكان لابدّ من الوصول بها إلى نهاية حاسمة· وأصبح في وسع الولايات المتحدة الآن، وبفضل أوبنهايمر وفيرمي وآينشتاين وغيرهم، فرض الاستسلام على اليابانيين الذين كانوا الجناح الأقوى في دول المحور الثلاث التي تضم أيضاً ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية· لماذا اختير اليابانيون لأن يكونوا الضحايا الأوائل للقنبلة الجديدة؟ عندما اقترب عام 1945 من منتصفه، كانت جيوش هتلر قد بدأت تتذوق طعم الهزيمة فوق ثلوج روسيا· وراحت تتقهقر إلى الوراء بسرعة كبيرة أمام ضربات الجيش الأحمر لتوحي باقتراب أسطورة الرايخ الثالث· وكان زعيم إيطاليا الفاشية موسوليني يعاني بدوره من الإنزال البحري الذي حققه الجنرال الأميركي آيزنهاور بنجاح جنوب البلاد ليؤذن بنهاية نظامه· ولم يبقَ من دول المحور إلا اليابانيون الذين كانوا يحتفظون بقواهم العسكرية الكاملة في البحر والبر والجو· وكان الأميركيون الذين قادوا قوات التحالف المضاد لدول المحور، مصممين على الانتقام من اليابانيين الذين أغرقوا الجزء الأكبر من أسطولهم في ميناء بيرل هاربور بجزر هاواي في 7 ديسمبر من عام ·1941 وجاءت اللحظة الحاسمة في تمام الساعة الخامسة و29 دقيقة من صباح السادس عشر من شهر يوليو عندما أطلقت طائرة عسكرية أميركية أول قنبلة ذرية في التاريخ على مدينة هيروشيما لتفتتح بها عصر الحروب النووية المرعبة· فلقد ظهر مكان الانفجار في بداية الأمر، لهب أبيض ساطع سرعان ما تحول إلى اللون البرتقالي؛ وكان يرتفع في السماء بسرعة 120 متراً في الثانية ليزداد احمراراً ويتخذ شكل نبات فطر الغراب، وما لبث أن تحول إلى سحابة من البخار المشع وصل ارتفاعها إلى أكثر من عشرة كيلومترات· وأما على الأرض، فلقد أدت درجة الحرارة الهائلة الناتجة عن الانفجار إلى صهر التربة والصخور والأحجار لتحيلها إلى نوع من الزجاج الأخضر· وكان الضوء المنتشر عن الكرة الملتهبة التي انتشرت في السماء كافياً لدفع الناس الذين يسكنون على بعد بضع مئات الكيلومترات عن هيروشيما إلى الظن بأن الشمس قد أشرقت مرتين في ذلك اليوم المأساوي· ويروي اليابانيون أن فتاة عمياء تمكنت من رؤية اللهب بالرغم من أنها لم تتمكن من رؤية أي شيء آخر منذ ولادتها· وحتى أولئك الذين يعيشون على بعد 200 كيلومتر عن مدينة هيروشيما كان في وسعهم رؤية اللهب بكل وضوح· وجاءت ردات الفعل العالمية عنيفة إزاء هذا العمل الانتقامي المروّع، وقال عالم الأحياء إزيدور رابي معلقاً على المشهد أن التوازن الطبيعي القائم في علاقة الأحياء ببعضها البعض على سطح الأرض قد زال من الوجود بعد أن أثبتت قنبلة هيروشيما أن من يمتلكها يكون قد امتلك القدرة على إبادة جزء كبير من الأحياء التي تستوطن الأرض· وبالرغم من أن أوبنهايمر كان مزهوّاً بنجاح مشروع مانهاتن الذي كانت له اليد الطولى فيه، إلا أنه بدا مندهشاً من هذه النتيجة المأساوية لتفجير القنبلة الأولى وراح يردد الجملة الشهيرة التي نطق بها أحد الآلهة المزعومة في الديانة الهندوسية عندما قال: (لقد أصبحت أمثل الموت·· أنا مدمّر العوالم)· وتصاعدت أصوات احتجاج الجماعات المدافعة عن حقوق الإنسان في الولايات المتحدة وخارجها، وخاصة عندما بدأت السحابة الكثيفة من الغبار المشعّ تنقشع عن مدينة هيروشيما المحطمة لتظهر في أطرافها مشاهد الجثث المتفحمة بما فيها الرضّع والنساء الحوامل والشيوخ· المشاركون في تنفيذ مشروع مانهاتن بعد الرسالة التي تلقاها الرئيس فرانكلين روزفلت من ألبرت آينشتاين بتاريخ 2 أغسطس من عام 1939 مقترحاً فيها ضرورة الإسراع بتنفيذ مشروع بناء القنبلة الذرية، سارعت الحكومة الأميركية إلى استقطاب فريق من أدهى علماء الذرة والفيزياء النووية في أميركا وأوروبا وكان بينهم علماء ألمان يهود هربوا من الحملة النازية لاعتقالهم ومنهم ألبرت آينشتاين وكلاوس فوكس، وهم بحسب الترتيب العشوائي: روبرت أوبنهايمر، دافيد بوهم، ليو زيلارد، أوجين ويجنير، زوتو فريش، رودولف بيرلز، فيليكس بلوخ، نيلز بور، إميليو سيجر، جيمس فرانك، إنريكو فيرمي، كلاوس فوكس، إدوارد تيللير· انتشار الأسلحة النووية بعد نجاح مشروع مانهاتن لصنع القنبلة الذرية الأميركية والقائها على مدينتي هيروشيما وناجازاكي، بدأت دول العالم الكبرى تتسابق لامتلاكها· وكان الاتحاد السوفييتي قد تمكن من سرقة أسرار الاكتشافات التي تمكن روبرت أوبنهايمر وإنريكو فيرمي ورفاقهما من التوصل إليها من خلال مشروع مانهاتن· وكان من المفارقات الغريبة أن تسريب أسرار القنبلة الذرية من أميركا إلى روسيا تم عن طريق أحد العلماء المشاركين في مشروع مانهاتن ويدعى كلاوس فوكس الذي سبق أن تعرضنا لسيرته الكاملة في صفحة وجوه تحت عنوان (أشهر الجواسيس في العالم)· ولم تتمكن بريطانيا وفرنسا والهند والكيان الصهيوني من صنع القنبلة الذرية إلا بمساعدة الولايات المتحدة تقنياً فيما يعود فضل تطوير الأسلحة النووية في الباكستان إلى جهود العالم الكبير عبدالقادر خان· ولا يقف علماء مشاهير وراء سعي إيران لامتلاك نواصي التكنولوجيا النووية، وهي المشكلة التي تثير جدلاً كبيراً منذ سنوات، بلغ الآن ذروته· وتقول تقارير الخبراء إن إيران لا تمتلك الآن أي سلاح نووي على الإطلاق· وهذه حقيقة مؤكدة لدى الدوائر التي تتابع بقلق تطور البرنامج الإيراني بما فيها دوائر الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية· إلا أن هذه الدوائر مقتنعة بأن لإيران اهتماماً كبيراً بتبني خيار التسلح النووي· وجاء في تقرير نشره جيوفري كيمب عام 2001 تحت عنوان ''الخيارات النووية لإيران'' أن مصالح الاستخبارات الألمانية والإسرائيلية والبريطانية والأميركية أكدت تبني إيران لبرنامج طويل المدى لصناعة الأسلحة النووية· وجاء في تقرير آخر صدر عن وزارة الدفاع الأميركية في العام ذاته تحت عنوان ''انتشار أسلحة الدمار الشامل: الخطر وطرق مواجهته''، أن الوزارة تأكدت بوسائلها الخاصة من أن ''إيران هي واحدة من الدول الأكثر تعطشاً واهتماماً بامتلاك الأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية بالإضافة للتكنولوجيات الصاروخية المرتبطة بها''· ويقول تقرير ثالث: ''تمتلك إيران التكنولوجيا النووية والبنى التحتية الأساسية اللازمة لبناء القنبلة الذرية· ويعتمد نجاحها في امتلاك هذه الأسلحة بشكل أساسي على سياساتها في الحصول على المعدات والمواد الضرورية من روسيا والصين، وعلى مدى نجاح الإيرانيين ذاتهم في الحصول على الكميات الكافية من اليورانيوم المخصب القابل للاستخدام في صنع الأسلحة النووية· روبرت أوبنهايمر بعد نجاح مشروع مانهاتن، أصبح اسم أوبنهايمر لصيقاً بالقنبلة الذرية· ولد عام 1904 وتلقى علومه المدرسية في نيويورك وأثبت تفوقاً مبكراً في المواد العلمية والرياضيات، وتمكن بجهده الشخصي من إجادة عدة لغات هي اللاتينية واليونانية والفرنسية والألمانية· وكان أيضاً رجلاً متميزاً من حيث الشكل، فهو بالغ الطول، ونحيل وذو ملامح يغلب عليها الجدّ والصرامة· حصل على شهادة دكتوراه الفلسفة في العلوم من إحدى الجامعات الألمانية بعد أن تخرج من جامعة هارفارد الأميركية عام 1925 ثم تتلمذ بعد ذلك في جامعة كمبريدج العريقة على يدي العالم الذري الشهير إرنست رذرفورد· وفي عام ،1929 عاد إلى الولايات المتحدة وعمل في مهد كاليفورنيا التكنولوجي في بيركلي فأثبت أنه محاضر لا نظير له في علم الفيزياء الذرية· ومن أشهر إنجازاته أنه تنبأ بوجود عدة دقائق دون نووية سرعان ما اكتشفها العلماء بعد ذلك وهي: النيوترون والبوزيترون والميزون، كما كان له فضل اكتشاف النجوم النيوترونية· تقلد الكثير من المناصب العلمية في جامعة أميركا الكبرى وانصرف للعمل في مشروع مانهاتن لبناء القنبلة الذرية وكان من أهم مطوري أجهزة تخصيب اليورانيوم· وظل يمارس عطاءاته واكتشافاته العلمية حتى توفي بسرطان الحنجرة عام ·1967 إنريكو فيرمي من مشاهير الفيزيائيين التجريبيين في النصف الثاني من القرن العشرين· ولد في روما في 29 سبتمبر من عام 1901 واشتهر بالتفوق والتميز في علوم الفيزياء والرياضيات خلال حياته الدراسية وحصل عام 1922 على درجة الدكتوراه في الفيزياء من جامعة روما· وفي عام 1926 اكتشف قوانين الاستاتيكا التي أصبحت تعرف فيما بعد باسم (استاتيكا فيرمي)· وعمل أستاذاً محاضراً في جامعة روما· وفي عام 1938 أصبح العالم الأكبر على الأطلاق بخصائص النيوترون الذي يوجد في نوى الذرات· وبين عامي 1939 عمل في جامعة كولومبيا في نيويورك فيما كان عالماً أساسياً في مشروع مانهاتن لبناء القنبلة الذرية·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©