الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الطيار خليفة الشعالي.. صاحب الرقم الوظيفي 27 في «الداخلية»

الطيار خليفة الشعالي.. صاحب الرقم الوظيفي 27 في «الداخلية»
6 يوليو 2014 23:03
خليفة راشد الشعالي من جيل الخمسينيات الذي أدرك جزءاً من الماضي، وتتلمذ على يدي الأجداد الذين لم تخالطهم أي رياح دخيلة آتية من خارج هذا الوطن، خاصة أن الآباء كانوا يحرصون على أن يتعلم الأبناء ويرتقون، وفي الوقت نفسة يهتمون بالمحافظة على المعتقدات الدينية والأخلاقية التي يجب ألا تخرج من الفكر والقلب، وكأنها في حقيبة الذات الداخلية ترافقهم صغاراً وتكبر معهم، ولذلك كان أبناء الخمسينيات والأربعينيات والستينيات يطلق عليهم الجيل الذهبي الذي جمع الخلق والتميز والعطاء والوفاء والولاء، وعرف النخوة والشهامة والاستعداد بقوة للتضحية من أجل الوطن. موزة خميس (عجمان) عاش في ظل والده، رحمة الله عليه، تحت سقف بيت كبير مع الأشقاء والجد والوالدين والأبناء، بالإضافة إلى زوجتين وأبناء كل منهما، ولم يكن الأبناء يعرفون أيهما الأم التي أنجبت لتآخي الزوجتين وحب كلاهما لأبناء الأخرى، ومن بين أبناء راشد كان الدكتور خليفة راشد الشعالي، وهو قائد وطيار سابق في جناح الجو بشرطة الشارقة، كما كان قائد عام شرطة عجمان، وقد ولد في الخمسينيات وأدرك جزءاً من الماضي بقساوته وبداية انفتاحه على العالم، ويقول عن تلك الفترة إن حقبة الخمسينيات تاريخياً شهدت أموراً كثيرة غيرت مسار الأحداث في المنطقة. عندما التحق الشعالي بالتعليم الابتدائي كان من الجيل الثالث في التعليم النظامي، ولم يزل يذكر خلال مرحلة التعليم عندما بدأت تفد البعثات الخارجية من هيئات التدريس، الأستاذ إبراهيم البرغوثي وجودة البرغوثي وعبد السلام السيسي من فلسطين، ثم بعد ذلك انتقل لمدرسة الراشدية، ودرس خليفة مرحلة الرابع الابتدائي في إمارة دبي لأن العائلة انتقلت إلى هناك، ورغم أن والده، رحمة الله عليه، لم يتعلم وكان مشغولاً بالبحر، إلا أنه كان يقرأ ويكتب، وكان يهتم بأن يتعلم ابنه، وكان كثيراً ما يطلب منه أن يقرأ له من كتب الأدب والشعر التي كانت تخصه. صداقات ويكمل لنا الدكتور خليفة الشعالي: من الصف الأول المتوسط تعلمت في ثانوية دبي التي تجمع المتوسط بالثانوي، ثم انتقلت إلى المعهد الديني وكونت صداقات، ومن بين من تعلمت معهم الدكتور سعيد حارب وبلال البدور الوكيل المساعد لشؤون الثقافة والفنون في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، وإبراهيم بوملحة الذي شغل منصب النائب العام لإمارة دبي، وكان من معلمي المعهد أساتذة من الإمارات والسعودية، ومن حسن حظي أن بيت أعمامي وخالي في إمارة دبي، ولذلك كنت أقيم مدة أسبوع وأعود إلى عجمان نهاية الأسبوع، وقد كنت أعمل بوظيفة في بنك خلال فترة الصيف، ما أكسبني خبرة وفنون اللغة، وتزوجت قبل أن أحصل على الثانوية العامة، وعندما حصلت على الثانوية العامة كنت موظفاً بالفعل، لكني انتقلت للعمل في وزارة الداخلية عام 1972، ولذلك أحمل رقم 27 في الوزارة، ولكن رغم أني كنت موظفاً ولي راتب، إلا أني كنت أشعر بحاجة لأن أكمل تعليمي، وكذلك كانت زوجتي تريد ذلك وقد كانت قد سبقتني بالانتساب إلى جامعة بيروت، ولهذا سجلت لأدرس القانون، وعندما أنهيت دراستي كانت زوجتي قد سبقتني في العمل بالتدريس. أول دفعة عندما التحق الشعالي بأول دفعة للطيارين كان عمره 19 عاماً، وحصل على دبلوم طيران من باكستان، ولم يمنعه ذلك أن يكمل تعليمه للحصول على بكالوريوس في القانون، كما كان إلى جانب ذلك يلتحق بدورات في ألمانيا وبريطانيا وغيرهما، ليحصل على أعلى تأهيل كمدرس ومدرب طيران، وأصبح مدرساً للطيران من خلال معهد طيران الشارقة التابع لوزارة الداخلية، لكنه لم ينس رحلته الأكاديمية، خاصة أن هناك صعوبات تواجه الإنسان، حين يكون رب أسرة وموظفاً ودارساً، حتى أن بعض تلك المواقف كانت ستجعله يتوقف، وبعد الحصول على البكالوريوس سجل للماجستير حول القانون الجنائي في المغرب، وهناك وجد أفضل الأساتذة، حيث الأدب والرقي. ثلاث جامعات ولكن نظراً لبعد المسافة ولم تكن هناك رحلات مباشرة - والكلام على لسان الشعالي- قررت أن أبحث عن مكان قريب، وفكرت في بريطانيا وراسلت أكسفورد ووويلز ودبلن، وحصلت على قبول في الجامعات الثلاث، واخترت ويلز، وهي مدينة صغيرة، ولكن فيها جامعة كبيرة وعريقة، وخاطبت التعليم العالي في الإمارات وصدر لي قرار بتحضير الدكتوراه، وأخذت عائلتي معي، ولكن عندما تبدأ المدارس كانوا يعودون للإمارات، ولهذا بدأت أذهب إلى بريطانيا لأبقى أسبوعين بالاتفاق مع الأستاذ المشرف على الدكتوراه، ومن أطرف ما حدث لي أني عندما وصلت إلى مرحلة عرض الرسالة والمناقشة، سهرت حتى أراجع ما سأقول وقد أنهيت ثلاثة فصول استعداداً لمناقشة تمهيدية، وكنت أجلس في شرفة الغرفة في منزل تملكه سيدة عجوز، وفكرت لماذا أعرض نفسي لموقف ليس سهلاً وأنا من يملك المنصب والراتب ولدي شهادات كثيرة؟ قمت برمي كل الأوراق من الشرفة حتى لا يكون لدي أي شك أني سأغادر في اليوم التالي لأعود إلى الإمارات. حقيبة السفر ويتابع حديثه وبدت عليه ملامح استحضار اللحظة: في الصباح جهزت حقيبتي وجلست أتناول القهوة لأني سأخرج إلى المطار، فدخلت علي العجوز، وهي تحمل لي الأوراق الخاصة بالرسالة والتي قمت برميها، وهي تقول «مستر شعالي» بلكنتها، يبدو أن الهواء قد أطار أوراقاً مهمة، ووضعتها أمامي ولكني أخبرتها بالقصة وأني قررت العودة ولن أقدم العرض ولن يناقشني أحد، فقالت لي حسناً هل يمكن أن أجلس؟، فسمحت لها فقالت لي: أحمل الأوراق وأخرج ولا تلغي موعد السفر ولكن قبل ذلك لن يضرك شيئاً إن ذهبت وناقشت رسالتك، فالأمر والحكم لك في أن تغادر في أية لحظة.. وفعلاً اقتنعت وذهبت إلى المناقشة وقدمت أفضل عرض، وعدت بعدها مهرولاً إلى المسكن لأشكر تلك العجوز. وما يتذكره أيضاً الشعالي، أنه عاش هناك أيضاً في شهر رمضان، وكان ذلك المكان بعيداً عن الجامعة وكان يذهب سيراً على الأقدام، وكانت أحياناً تحدث له مواقف مع أحد المشرفين، ولكن وجود الأصدقاء حوله كان يخفف عنه ويشجعه على الاستمرار، ولم يزل يذكر أنه حتى يرضي فكر المشرف كتب آلاف الصفحات حتى تشعب موضوعه، ولذلك طلب مشرف آخر وساعده في الخروج من هذا المأزق، واستمرت المناقشة في النهائية لمدة ساعتين وأجزت للدكتوراه عام 1998. ويتوقف لحظة عن الكلام، ليتذكر الدكتور خليفة الشعالي أن قادة وزارة الداخلية وقتها كانوا يتعاملون مع العناصر التي تعمل في المجال الشرطي كأبناء لهم، فيصفهم بأنهم كانوا نعم الآباء وخير عناصر داعمة للعنصر المواطن، ويكمل: «رغم غلاء المعيشة في الخارج، قررت وزميل آخ أن ننقل أهلنا للعيش معنا، ولم يستطع زميلي أن يستمر على ذلك الوضع لأن نفقات المعيشة أكبر من الدخل، ولكني أبقيت زوجتي معي عند أول رحلة لباكستان، وأنجبنا أول طفل لنا هناك وأسميناه رائد، وبعد العودة تم إلحاق الطيارين للعمل على طائرات عسكرية، وفي بداية الثمانينيات انتقلت إلى مطار الشارقة خلف الديوان الأميري القديم، حيث كانت محطة القاسمية. نجونا من سقوط الطائرة.. لكن وجدنا مفاجأة في انتظارنا من الذكريات المؤلمة التي لا ينساها الدكتور خليفة، عندما حلق ضمن فريق مكون من أربعة طيارين كان هو واحداً منهم، ويخبرنا عن تلك القصة: في مكان ما فوق البحر حدث ما لم يكن في الحسبان، حيث سقطت بنا الطائرة في البحر لأسباب غير معروفة، ولا أتذكر كيف حدث السقوط ولا أتذكر كيف خرجت من البحر مع أثنين من الطيارين، وفوجئنا فيما بعد أننا فقدنا زميلاً غالياً علينا، ولكن شاءت الصدفة أن شخصين من إحدى الجنسيات الأوروبية كانا يجلسان على شاطئ البحر في أبوظبي، وهما من أخبرا الفريق الخارج من الماء وفريق التحقيق ما شاهداه، حيث ذكرا مشاهدتهما لثلاثة أشخاص يخرجون من وسط البحر، كما يقول الرجل: قام أحدهم وهو الدكتور خليفة بتأدية شيء من الطقوس، حيث جلس الثلاثة وكان الدكتور خليفة يقرأ شيئاً وهما يرددان خلفه، وعرف الرجلان الأوروبيان أنه كان يقرأ عليهم شيئاً من القرآن وهما يرددان. ويواصل تفتح ملف الذكريات: أغرب ما وجدته أن الحزام الذي يربط بالكرسي كان لا يزال يحيط بخصري، ولا أعرف كيف بقي الحزام معي وخرجت به سالماً من بقايا الطائرة التي تحولت إلى حطام، ورغم ذلك بقيت وواصلت عملي حتى جاء اليوم الذي شعرت كطيار أنني وصلت للتشبع، وعلي التحول إلى آفاق أخرى تتواصل فيها مسيرة العطاء، فتركت التحليق لأتولى منصب قائد عام شرطة عجمان بناء على توجيهات من صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي عضو المجلس الأعلى حاكم إمارة عجمان، وبعد أسبوع من العمل في السلك الشرطي وضعت أهدافاً واستراتيجيات كي أحد من حدوث الأخطاء، وأفخر أنني قمت بتفعيل التوطين في الشرطة، كما كنت قد نجحت في توطين الطيران بنسبة مائة في المائة بجميع أقسامه، ثم تركت العمل كقائد للشرطة لأتفرغ للعمل الأكاديمي، كأستاذ في الجامعة بإمارة عجمان. حياة أهل الفريج قال خليفة الشعال: بالنسبة للحياة في شهر رمضان في كل السنين التي مرت علينا، لها مذاق خاص ونكهة مميزة، خاصة الأمر الذي نفتقده اليوم وهو انفتاح أهالي الفريج الواحد على بعضهم، حيث أصبحنا اليوم نرى بعضنا بعد أن نطلب ممن نحبهم أن نراهم، وكل بيت يخبرك أنهم لا يجدون وقتاً للزيارة، ولكن في ذاك الزمن كانت الحياة شاقة لأن كل أمر يصنع باليد، فلا آله حديثة في العمل ولا أدوات كهربائية أو إلكترونية في المنزل، ورغم ذلك يجدون الوقت للصلاة مع بعضهم، والالتقاء يوميا خاصة بعد صلاة التراويح.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©