الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ابنة إبليس!

ابنة إبليس!
20 يونيو 2013 20:43
عاد الرجل العجوز من صلاة الظهر كعادته يحمل الطعام لزوجته التي بلغت من الكبر عتياً وتجاوزت السبعين، ولا أحد منهما يعرف تاريخ ميلاده بالتحديد وما يعرفانه من عمرهما هو بالتقريب، غير أن المهم بينهما هو العشرة الطيبة لسنوات طوال أنجبا خلالها البنين والبنات، الذين تزوجوا جميعاً واستقلوا بحياتهم لكنهم يقيمون في المنطقة نفسها، فيلتقي الجميع كل يوم ويحرص جميع الأبناء على الالتقاء مع الأب والأم وتلبية جميع مطالبهما، ويعودون في آخر السهرة أو قرب منتصف الليل إلى بيوتهم محملين بالدعوات الطيبة، لكن العجوز يحمل على عاتقه متابعة زوجته المريضة التي تجمعت عليها أمراض الشيخوخة وهاجمتها بشراسة، فأضعفت قواها وأقعدتها في السرير إلا قليلاً من الوقت الذي تداعب فيه أحفادها. في هذا التوقيت يجب أن تتناول الطعام لأنه وقت الدواء للمرة الثانية بعد أن تناولت المرة الأولى في الصباح، وجلست لساعات عدة إلى أن خرج الزوج الحنون إلى الصلاة فخلدت إلى النوم، وقد بقيت وحدها في المنزل يغلبها النوم من كثرة الأدوية ويساعدها الزوج في تحديد المواعيد بالضبط، لأنها فقدت التركيز ويصيبها النسيان كثيراً في السنوات الأخيرة بسبب التقدم في السن وتأثير هذا الكم الكبير من الأدوية، والزوج نفسه بعد هذه الطقوس يخلد للنوم في القيلولة إلى أن يعود الأبناء والأحفاد من أعمالهم ومدارسهم تباعاً. خطوات فتح الباب بالمفتاح الذي يحمله دائماً في جيبه لأنه يعلم أن زوجته قد لا تسمع جرس الباب، وأيضاً لا تستطيع الوصول إلى الباب بسهولة، فيفتح بنفسه ثم يتوجه إلى غرفتها التي تقع في آخر الشقة، ووضع ما جاء به من فواكه وأطعمة في المطبخ وسار بخطوات بطيئة يتوكأ على عصاه حتى وصل إليها، ووجدها تغط في نوم عميق ساكنة تماماً في فراشها، لم يرد أن يزعجها أو يفاجئها حتى لا تقوم مفزوعة من نومها، فتقدم ببطء وربت عليها بهدوء وهو يناديها باسم ابنهما الكبير، فهو لم يعتد أن يناديها باسمها مجرداً منذ أن تزوجها حتى أن سكان المنطقة لا يعرفون اسمها الحقيقي ويتعاملون معها بتلك الكنية التي يناديها بها. كرر نداءه مرات عدة فلم تجبه ولم تتحرك وهو يعرف أنها تتعرض لنوبات من الغيبوبة بسبب السكري، فلم ينزعج وحاول أن يهزها أو يحركها وهرع ليأتي بالدواء كي تفيق من غيبوبتها، لكنها لم تكن كعادتها وارتجف قلبه الذي شاخ قبل أن يشيب رأسه ورفع الغطاء من عليها وربت على وجنتيها وحركها بقوة أكثر فلم تستجب، ولم تكن تلك عادتها، فحتى لو كانت في غيبوبة فإنها تئن وتتوجع وحاول أن يجلسها على السرير فلم يستطع، وتملكه الخوف من أن تكون فارقت الحياة، وهذا لم يكن وهماً بل حقيقة هي بالفعل جثة هامدة توقفت أنفاسها وتأكد من ذلك. دمعات لم يكن أمامه إلا أن يخبر أبناءها بوفاتها ليتحركوا لاتخاذ إجراءات الدفن والكفن والغسل ثم العزاء في اليوم نفسه في الشارع، كما اعتاد أبناء المنطقة ذلك منذ سنين، وسالت من عينيه دمعات رغماً عنه مع أنه حاول أن يتماسك ويسلم الأمر لله، لكن الدموع مشروعة وغلبته وهو بعد قليل سيودع المرأة التي شاركته الحياة بحلوها ومرها، ووقفت بجواره في تربية الأبناء ومسؤوليات المعيشة. شريط الذكريات يمر سريعاً يبدأ منذ أن تزوجها إلى تلك اللحظة الصعبة، وبعد أن انتهى من إبلاغ أبنائه عاد ليلقي عليها نظرات الوداع الأخيرة، لكنه لاحظ أن مجوهرات زوجته غير موجودة، فهي تتحلى بعقد كبير وعدد من الأساور والخواتم وقرط وسلسلة من الحجم الكبير، كل ذلك اختفى فأين ذهب؟ لا بد أن في الأمر شيئاً. عندما حضر ابنه الأكبر وهو يبكي أسّر الأب له بملاحظته فارتاب في الأمر، وتوجه ليلقي على أمه نظرة الوداع لكنه لاحظ أيضاً أن هناك خدوشاً في يدي ورقبة الأم، بما يشير إلى أنها تعرضت لمكروه وأن لصاً تسلل للمنزل، وهذا لا يجب السكوت عليه وحتى عندما حضر طبيب الصحة ليصدر شهادة الوفاة وتصريح الدفن، أكد هذه المخاوف بأن العجوز ليس فقط تمت سرقتها، بل أيضاً ماتت مخنوقة فآثار الأصابع واضحة على رقبتها، وقد تركت زرقة ليست خافية على من ينظر من أول وهلة. التحقيقات هناك جريمة ولا بد من إبلاغ الشرطة وجاءت ابنتها الكبرى التي صرخت وولولت وارتفع صوتها عندما علمت أن أمها ماتت مقتولة، وأصبحت الأحزان مضاعفة وتجمع أبناء المنطقة يتوعدون من ارتكب هذا الجرم بالانتقام فالمرأة طيبة إلى أقصى حد وعطوف على الجميع من الجيران. بدأت الشرطة تحقيقاتها وجمع الأدلة وسماع أقوال أفراد الأسرة وأولهم الزوج الذي اكتشف الوفاة، وبعد أسئلة كثيرة ومعاينات ورفع بصمات، أشارت أصابع الاتهام إلى ابنتها التي تجاوزت الخمسين من عمرها وهي مطلقة بسبب سوء تصرفاتها، فقد كانت ترتكب حماقات مع جيرانها وتحصل على مجوهرات النساء بحجة التجارة ثم تفشل، فيلجأ ضحاياها إلى زوجها الذي يعجز عن تسديد ديونها ويحذرها، لكنها لا ترتدع وتعود إلى ما كانت عليه حتى أخبر أسرتها، ولم يكن هناك بد من تطليقها منذ أكثر من عشر سنوات فعادت بطفليها إلى بيت أبيها. صحيح أنها عاملة نظافة في مستشفى لكن راتبها لا يكفي متطلباتها هي وابنيها اللذين وصلا إلى التعليم الثانوي، فقام إخوتها وأبوها بمساعدتها والإنفاق عليهم وتحمل مصروفات الولدين في المدارس. حاولت «فريدة» أن تراوغ وتخدع سلطات التحقيق، وادعت أنها كانت في عملها في لحظة وفاة أمها لكن دفاتر الحضور أكدت كذبها، وأنها لم تذهب إلى عملها أصلاً في ذلك اليوم، وأكد ذلك أن إحدى جاراتها شاهدتها من بعد وهي تخرج من المنزل قبل صلاة الظهر بدقائق، بل وتذكر أبوها أنه لم يجدها في عملها عندما اتصل ليبلغها بوفاة أمها وتأكد أيضاً من المعاينة أن الجاني دخل الشقة وخرج منها بمفتاح طبيعي، أي أنه من أهل الدار، وهكذا تجمعت الخيوط والأدلة في وجهها ولم تعد قادرة على الإفلات وادعت أنها أغمي عليها بعد أن حاول أخوتها الفتك بها، فتمت إفاقتها ونقلها إلى قسم الشرطة لاستكمال التحقيق وأصبح الجميع يتعجبون من سوء ما فعلت وليسوا قادرين على تصديق ما حدث. تفاصيل بدأت فريدة تروي تفاصيل جريمتها لكن قبلها عادت إلى الماضي، وقالت إنها تعترف بكل أفضال أسرتها عليها وأنهم تحملوا ما فعلت من قبل لكنها لم تجد المساواة مثل إخوتها الذكور، وترى أنها منبوذة منهم لأنهم يقسون في معاملتها بعد تصرفاتها المشينة وطلاقها، ومن ناحية أخرى فقد ساءت حالتها النفسية من تلك الأحداث القديمة، وهي قد بلغت الخمسين وتبددت فرصها في الزواج مرة أخرى، مما يعني أنها ستقضي بقية حياتها وحيدة بلا رجل وتعترف بأنها معقدة وحاقدة على من حولها وتتنكر لكل ما يفعلونه معها. تقول: أعرف أن أبي يخرج في الضحى ولا يكون أحد في المنزل، وتبقى أمي وحدها وهي تتحلى بكمية كبيرة من المجوهرات تكفي لتزويج ثلاثة أو أربعة عرسان، وقد أعماني الطمع فأنظر إليها بحسرة، وفكرت في سرقتها لكنها لا تتخلى عنها أبداً، وقررت أن أبحث عن وسيلة للحصول على الذهب الذي سيطر بريقه على كل تفكيري، ولم أهتم بالنتيجة أياً كانت والمهم تحقيق الهدف، ونسيت أنها أمي وادعيت أنني توجهت إلى عملي في الموعد اليومي المعتاد، واختبأت بعيداً وأنا أراقب كل أفراد الأسرة حتى غادر آخرهم أبي، وأنا أعلم أنه لن يعود إلا بعد صلاة الظهر وعدت إلى الشقة وفتحت الباب واتجهت نحو غرفة نوم أمي وأنا أتسلل على أطراف أصابعي، ودخلت فلم تشعر بي وكانت في نوم عميق، فأنا أعرف أن الأدوية تجعلها تصل إلى درجة فقدان الوعي. وأحضرت المقص من المطبخ وقمت بقص الأساور من يديها وحصلت على الخواتم وهي لا تحس بي، وقررت ألا أترك شيئاً فأدرت رقبتها وأخذت القرط من أذنيها ثم حاولت أن أحصل على السلسلة الذهبية، ففتحت عينيها ونظرت إليّ ثم حاولت أن تنهض وخشيت الفضيحة واكتشاف الأمر فجثمت عليها، وأطبقت بكلتا يدي على رقبتها وخنقتها بقوة حتى لفظت أنفاسها وفارقت الحياة وأخذت كل ما أحلم به من مجوهرات وخبأتها واختفيت حتى علمت بالوفاة وانكشف المستور. قررت النيابة حبس فريدة وإحالتها إلى محكمة الجنايات ووجهت إليها تهمة القتل المقترن بالسرقة وطالبت بتطبيق أقصى عقوبة عليها وهي الإعدام، وبالطبع رفض الجميع زيارتها في السجن. أحمد محمد
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©