الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اقتصاد السوق والأخلاق: عناق أم افتراق؟

18 يناير 2012
خالد وليد محمود كاتب أردني يعترف معظم المراقبين والخبراء الاقتصاديين بأن الأزمة المالية التي تعرض لها العالم وبشكل خاص الدول الرأسمالية، لم تخرج عن دائرة الأزمات الدورية التي لا تسلم منها السوق الحرة والاقتصاد الرأسمالي بحكم آليته ونظام عمله. ولعل أكثر ما أكدته الأزمة المالية هو الدور المؤثر والضروري للدولة في الرقابة على السوق وضبطه. وكما رأينا فإن البنوك المرتبطة بالدول لم يشملها اهتزاز السوق والأزمة المالية الخطيرة، خلافاً لبنوك الاستثمار التي تقدم القروض للسكن ولا تخضع لأية رقابة. وعند الحديث عن هذا الموضوع فلابد أن يدخل الفيلسوف الأسكتلندي "آدم سميث" على الخط، إذ أن أنصاره من دعاة السوق الحرة أكدوا في تطبيق نهجهم على جانب واحد من أفكاره التي طرحها في كتابه المعروف "ثروة الأمم" الذي ألفه عام 1776. ففي هذا الكتاب ركّز آدم سميث على أهمية السوق الحرة في تطور واستقرار النظام الرأسمالي. إلا أنه هو نفسه عاد ودقق في أفكاره عندما ألف كتاباً آخر تحت عنوان "نظرية المشاعر الأخلاقية"، وقد ركز فيه على العامل الأخلاقي وليس على أنانية المنافع الشخصية في المجتمع الرأسمالي، وهو ما يتطلب تدخل الدولة لتفعيل هذه الأفكار. والدوافع الأساسية التي تحرك الحياة الاقتصادية عند "سميث" تتركز في المصلحة الذاتية، حيث يمثل السعي إليها‏ بصورة فردية وتنافسية‏‏ مصدر القدر الأكبر من الخير العام،‏ ومن أشهر أقواله: "إننا لا نتوقع غذاءنا من إحسان الصانع أو الجزار أو الخباز،‏ وإنما نتوقعه من عنايتهم بمصلحتهم الخاصة‏، نحن لا نخاطب إنسانيتهم‏،‏ وإنما نخاطب حبهم لذواتهم‏"،‏ حيث إن الفرد‏ في هذه الحالة، تقوده يد خفية نحو تحقيق غاية لم تكن جزءاً من مقصده،‏ وبفضل هذه اليد الخفية،‏ وهي أشهر استعارة في الفكر الاقتصادي‏، فإن الشخص الذي يجمع الثروة لنفسه،‏ الذي كان موضع ارتياب وشكوك وسوء ظن أصبح بسبب مصلحته الذاتية عاملاً من أجل المصلحة العامة. وإذا ما نحينا جانباً ما أثبته التاريخ من رؤية "سميث" المتعلق بأفضلية اليد الخفية في تحقيق المصلحة العامة‏، فقد كشفت الأزمات الدورية لاقتصاد السوق الحرة (وخاصة الأزمة المالية العالمية الأخيرة) ما قادت إليه اليد الخفية من اختلالات في توزيع الثروة وإخفاقات في تخصيص الموارد‏. أما الأخلاق بمختلف نصوصها وفلسفاتها فإنها من بين أهم المكتسبات التي بدأت تفقد حضورها شيئاً فشيئاً بفعل تأثير ثقافة العولمة واقتصادات السوق الحرة وما تملكه من قوة جذب وإغراء. وعلى خلاف القواعد القانونية، فإن القواعد الأخلاقية ليست مدونة، ولكنها مدعومة بقوة الرأي العام، والتقاليد، والأعراف، والتربية وقوة المشاعر الباطنية للأفراد، فهي بهذا المعنى، تحدد اتجاه الناس فالقواعد الأخلاقية تتطور مع المجتمع، تحت تأثير التغيرات في الاقتصاد، والسياسة وخاصة علاقات الإنتاج. ففي المجتمعات البرجوازية وكما هو حاصل في العالم الرأسمالي وبوصفها عنصراً من البنية الفوقية، تمارس الأخلاق تأثيراً في كل الجوانب الحياتية والمجتمعية. وتعتبر الفردانية المطلقة، أو لنقل الأنانية، هي المبدأ الأساسي للأخلاق الرأسمالية فـ"الإنسان ذئب لأخيه الإنسان" أو "كل لمصلحته والدين للجميع"، وهذه هي القواعد التي تنبني عليها الأخلاق الرأسمالية ومن ثم النظام الاقتصادي العالمي، الجديد أو المتجدد. هذا على رغم توقعات المحللين وخبراء الاقتصاد بأن الرأسمالية ستنجو من الأزمة المالية حتى وإن أدت إلى ركود كبير،ونظراً لعدم وجود بديل تم إثبات موثوقيته بصورة معمقة. إلا أن من الإنصاف أيضاً القول إن الرأسمالية بعد هذه الأزمة المالية، لن تكون كما كانت قبلها، ويرجح الخبراء أن نظريات حاكمة للنظام الرأسمالي مثل "دعه يعمل دعه يمر" ‏و"اليد الخفية" ستجري إعادة صياغتها من جديد، والأرجح أن يكون ذلك لصالح دور أعلى لـ"رأسمالية الدولة" التي تعزز فرصها ‏وحظوظها عمليات التأميم الجزئي والكامل لمنشآت وبنوك عملاقة، ولصالح دور تنظيمي أعلى للدولة في ‏الحياة الاقتصادية.‏ والأرجح أن التداعيات الاجتماعية الكارثية للأزمة الاقتصادية العالمية، ستفرض على "نظريات السوق" بعداً ‏اجتماعيّاً جديداً. وخلاصة القول، إنه وبعد الأزمة العالمية الأخيرة لن تكون لرأس المال وحده وكذلك السوق الحرة، ‏الكلمة الفصل في تقرير مصائر البشرية. فالليبرالية الاقتصادية غير المقيّدة وغير المنضبطة إلا بقوانين السوق وقواعدها، ما عادت نظرية يمكن ‏الدفاع عنها طويلاً.‏ ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©