الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

التيار الديني والأيديولوجيات المتصادمة

21 مايو 2006
غادة سليم:
لا أحد يمكن أن يختلف على أننا جميعا من مشرق الوطن العربي إلى مغربه نريد الإصلاح السياسي، ولكن عند الدخول في تفاصيل البرامج الإصلاحية تظهر الخلافات وتتفجر الانقسامات ويتعثر مشوار الإصلاح من قبل أن يبدأ· إلا أن البعض يلحظ بارقة أمل تتمثل في حراك سياسي ملحوظ بين سائر القوى الوطنية في المنطقة العربية على اختلاف مشاربها الأيديولوجية وأهدافها السياسية وملامحها الاجتماعية ، تسعى من خلاله للتقارب معاً وتحقيق المكاسب والبحث عن المصالح المشتركة· فلقد باتت المرحلة الراهنة تفرض على كافة التيارات والاتجاهات والأحزاب فهما جديدا للديمقراطية ينطوي على استيعاب التعدد والتباين والاختلاف والبحث عن القضايا المتوافقة وسط الأيديولوجيات المتباينة·
ولقد كان جليا في عدد من الأقطار العربية توافق التيارات العلمانية واليسارية والقومية مع التيار الإسلامي الذي حقق مكاسب سياسية· وهو لا شك أمر كان أقرب إلى الخيال قبل سنوات قليلة· فإن صح هذا القول لن يكون مستبعدا أن يتم تحقيق الاندماج القومي في الوطن العربي من أجل الإصلاح الديمقراطي· وحول هذه القضية يتحدث عدد من أبرز المفكرين وأساتذة العلوم السياسية العرب وهم : د· علي فخرو ، د· كلوفيس مقصود ، د· نصر عارف، عبد الرحمن النعيمي ، فهمي هويدي ، في تحقيق خاص لـ(لاتحاد):·
ردا على سؤال حول ارتباط مشروع الإصلاح السياسي في العالم العربي بالعامل الديني واقتراب بعض الأحزاب السياسية ذات الصبغة الدينية من دوائر صناعة القرار· قال المفكر الخليجي د· علي فخرو : ليس عيبا أن يحاول الإنسان أن يقف مع الآراء التي يؤمن بها، وأن يقدم نفسه للناس في إطارها· والذي يهم هنا هو : كيفية تعامل هذه التيارات مع القضايا الوطنية، وما موقفها من التنمية السياسية ؟· وما هي الإجابات التي تقدمها للأسئلة الصعبة التي تواجهنا الآن ولا نجد لها إجابات واضحة لدى الأنظمة العربية · فما هو موقفها من الفساد ؟· وهل هي مع أو ضد الاحتلال في العراق؟· وكيف ترى الحكم الاستبدادي في الأراضي العربية ؟·
وأضاف: لا يمكن أن نطلق تعميمات على القوى والتيارات والأحزاب السياسية ونقول هؤلاء إسلاميون أو قوميون· فداخل كل أيديولوجية أشكال لا حصر لها من التباينات ولا تنصب كلها في قالب واحد · والمحك هو البرامج السياسية المطروحة وكلمة الشعب في الانتخابات· وقال د· فخرو: لا بد أن نتعلم حرية التعبير والحق في الاختلاف واحترام رأي الآخر· وهذا ما توصل إليه كثير من الإسلاميين واليساريين في الآونة الأخيرة· وهو أن العمل معاً على تحقيق الإصلاح السياسي لا يعني بالضرورة أن نكون معا في نفس الخندق· وهذا مؤشر أن الأمور قد تغيرت كثيرا عن المرحلة السابقة التي طغت فيها القناعات الأيديولوجية على المصالح الوطنية· فالأرض العربية تشهد حراكا بالغ الأهمية· وهناك تطور نوعي هائل في تقبل أصحاب الأيديولوجيات لفكر بعضهم الآخر·
فوضى الإصلاح
أما المفكر العربي د· كلوفيس مقصود فقد قال : عندما نتحدث عن وجود العامل الديني بوضوح في مرحلة الإصلاح السياسي ، نقول إننا لا ننكر تداخل وتفاعل العامل الديني في مجتمعاتنا العربية وتأثيره على الحياة السياسية· لذلك لا يمكننا أن نصادق على مقولة فصل الدين عن الدولة· لكننا نؤيد فصل الدولة عن المرجعية السياسية للمؤسسات الدينية · وهذا لا علاقة له بالعلمانية· فالعلمانية لا يعنيها أن يرشح رجل دين نفسه في الانتخابات ويختاره الناس· لكنها تمانع أن تلعب أي مؤسسة دينية دور المرجعية السياسية للدولة· وأضاف د· مقصود: وعندما نقول إنه لا يجوز رفع شعار سياسي يقول : ' الإسلام هو الحل' نقول أيضا أن رفع شعار 'العلمانية هي الحل' مرفوض أيضا· فالإسلام يمكن أن نستمد منه حلولا لكثير من القضايا وإنما العلمانية في ظل الظروف الحالية يمكن أن تكون الإطار التنظيمي لعملية الإصلاح السياسي·
وقال د· كلوفيس مقصود ردا على سؤال حول استغلال بعض القوى السياسية العربية هوجة الإصلاح في المنطقة لجني مكاسب طائفية ومذهبية وعرقية: إنه عندما يتفكك الوطن العربي وتعمه الفوضى يصبح التشرذم الداخلي وظهور النعرات امتدادا طبيعيا للوضع العام· ففي ظل اختلال المفاهيم يطغى الخاص على العام والحزبي على الطائفي ويتم تصوير الصراعات السياسية بين تيارات ذات أيديولوجيات متنافسة أومتحالفة أو متصادمة تسعى للوصول إلى السلطة وكأنها نزاعات بين الطوائف والأديان· والحل يكمن في ديمقراطية حقيقية تعمل على تصفية الطائفية والمذهبية والتعصب الديني دون شطب الطوائف والمذاهب والأديان وستؤمن تعايشا سلميا بين مختلف الجماعات اللغوية والإثنية والدينية والثقافية المختلفة·
شعارات ··منتهية الصلاحية
وحول ظهور العامل الديني بقوة في مسيرة الإصلاح السياسي الحالية ، يرى د· نصر عارف أن الإشكالية في استخدام العامل الديني لتحقيق التحول الديمقراطي ، حيث يفترض أن يكون الدين عاملا مكونا لجميع البرامج الحزبية والسياسية في المجتمعات الإسلامية· لذلك لابد أن نفرق بين المرجعية الدينية والبرامج الحزبية· فلم يعد مناسبا أن نرفع شعار 'الإسلام هو الحل' كشعار سياسي لأنه شعار للتمييز وينفي الإسلام عن المعارضين وكأنهم خارجون عن حظيرة الإسلام· نعم ·· الإسلام هو الحل لإنقاذ كل البشرية، لكن المطلوب من الحزب تقديم برنامج سياسي تفصيلي واضح في التعليم والاقتصاد والزراعة والعلاقات الخارجية وغيرها من القضايا· وقال: إن تجربة الإخوان المسلمين في مصر جيدة وأثبتت فاعلية، لكنها بحاجة إلى ممارسة سياسية· ولا بد من التمييز بين حركة الإخوان كحركة تجديد شاملة لها تاريخها وجذورها وبين حزب سياسي يتم تأسيسه فينجح بعد ذلك أو يفشل· وقال: إن ما تحمله التيارات والأحزاب الدينية من شعارات ما هي إلا جزء من الفوضى الخلاقة التي فرضتها دعاوى الإصلاح الأميركية على المنطقة لكي ننشغل بأنفسنا وننقسم حول قضايانا·ولو أنني رجل متآمر على هذه المنطقة لطلبت من العرب إصلاح كل مواطن الخلل والعيوب في مجتمعاتهم ثم تركتهم يموجون في بعض وينقسمون حولها·
وعن دور العامل الديني في الإصلاح السياسي ·قال المفكر الإسلامي البارز فهمي هويدي: إن واقعنا العربي مليء بالتحديات التي لا يختلف عليها لا إسلامي ولا علماني ولا قومي ولا أي شريك في الوطن· وقناعات هذه التيارات اليوم تختلف عنها قبل ثلاثين عاما· فعلى سبيل المثال هناك العديد من الحركات الإسلامية الآن تقبل على الصيغة الحزبية وتنخرط في الصف الوطني الداعي للتغيير الديمقراطي· وأضاف: إن الساحة الإسلامية شهدت خلال العقدين الأخيرين تطورا هاما في مجال أبحاث الفكر السياسي·
وإن هذا التطور لم يلحظه الكثيرون بسبب التركيز المتعمد طوال الوقت على أفكار التطرف والإرهاب، بهدف إقناع الرأي العام بأن ما هو قائم أفضل مما هو قادم· وهذا التطور الفكري شمل انتباه تيارات الاعتدال إلى ضرورة ترسيخ الديمقراطية وإرساء قيمها، وأن تركيز الإعلام على أفكار التطرف والإرهاب حفزها على إبراز الموقف الحقيقي للإسلام باعتباره منظومة تكرس الدفاع عن الحريات· كما أن اقتراب بعض الحركات الإسلامية من مواقع السلطة أو دخول ممثليها إلى المجالس التشريعية بالانتخاب أتاح للرموز الإسلامية فرصة الاقتراب من خرائط الواقع والتحول من دعاة إصلاح إلى مشاركين فيه بدرجة أو بأخرى·
تسييس الدين
ويختلف المفكر البحريني عبد الرحمن النعيمي مع تلك الفكرة قائلا: إن دور التيار الإسلامي معيق للإصلاح السياسي ولا بد من وجود رؤية عصرية للقضايا الحالية لتحقيق مصلحة المجتمع· وقال: مطلوب من الاتجاه الإسلامي أن يواكب العصر والمتغيرات في المجتمع ولا يتمسك بالقديم· خاصة أن هناك تجربة في التاريخ الإسلامي تؤكد وجود اجتهادات تتناسب مع تطور المجتمع·· فأصحاب التيار الإسلامي في البحرين مثلا يقولون بخصوص مجال قانون الأسرة: نحن نريد قانونا لا يتغير في الوقت الذي قدموا فيه مشروع القانون تم تغييره ثلاث مرات في أربعة أشهر، وحتى ما يقدمونه حاليا في قانون الصحافة يريدون حبس الصحفي لوجود كثرة من الصحافيين الذين ينتقدون الإسلاميين واستخدام شعارات مثل ' الإسلام هو الحل ' التي ليس لها حظ من النجاح إلا أن تعيد المجتمع إلى الوراء·
وأضاف : ليس فقط الخطاب الديني، الذي عليه أن يتغير بل حتى الخطاب القومي لا بد أن يتغير فمنطقتنا الآن أصبحت تضم أعدادا كبيرة من غير العرب وأغلبية غير محلية وغير عربية· فكيف نتعامل مع هؤلاء ولا زلنا نتحدث عن القومية العربية ؟·· لا بد للتيارات المشاركة في عملية الإصلاح السياسي أن تطرح برامج اجتماعية سياسية·
وأقر عبد الرحمن النعيمي بتطور بعض التيارات الأيديولوجية لكن لا زال لها ممارسات خاطئة·· وقال : أنا مع تأسيس أحزاب سياسية تقوم بمهمة ترسيخ قيم الإصلاح في المجتمع مع ابتعاد المرجعيات الدينية عن النشاط السياسي· فالمشكلة أن الدين يسيس حاليا· وإشكالية التيار الإسلامي إما أن يصطدم مع السلطة أو يصطدم مع الشعب·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©