الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

فاطمة لوتاه فنانة لحظوية متجددة لا تعرف الثبات أو القرار

فاطمة لوتاه فنانة لحظوية متجددة لا تعرف الثبات أو القرار
6 يوليو 2014 00:46
محمد وردي (دبي) الفنانة التشكيلية فاطمة لوتاه في معرضها الشخصي الأخير «لقاء.. مع النور»، الذي نظمته «ندوة الثقافة والعلوم» وافتتحه معالي محمد المر رئيس المجلس الوطني الإتحادي، نهاية الأسبوع الماضي بمقر الندوة في الممزر بدبي، تقدم ست وثلاثين لوحة تحاكي خصوصيات شهر رمضان المبارك بفضاءاته الوجدانية ومناخاته الروحانية، كونها فرصة لاستعادة الطُمأنينة أو بعث السكينة في الروح القلقة، باعتبارها العتبة الأولى للتخلص من أثقال الواقع، على طريق المصالحة الذاتية، وتحقيق الصفاء الذهني، للولوج في برزخ الجمال والتحليق في عوالمه المرهفة بشفافية تليق بفطرة الإنسان السليمة، النظيفة، الخالية تماماً، ليس من العلل والأسقام، وأنما ايضاً متخففة من الانشغالات الدنيوية بكل أشكالها. يتضمن المعرض اثنتي عشرة لوحة تشخص رقصة الدراويش الصوفية بمستويات متعددة ومختلفة في آن واحد، تبدأ من التوحد بالذات العليا، ولا تنتهي بالتحليق في مداراتها اللامتناهية، وإنما تتجاوز ذلك إلى حدود التلاشي والغياب الكلي عن كل التفاصيل الوجودية، لأن العناق الأبدي مع الحضرة الأسمى والأرقى والأنقى في هذا الوجود لا يكتمل، أو لا يصل إلى غاياته القصوى قبل مغادرة الذات إلى الموضوع، حسب التفسير الفلسفي لمذاهب التصوف منذ نشأتها الأولى الضاربة في القدم، التي تعود ربما إلى تفتح الوعي الأول لدى الإنسان. كذلك يضم المعرض ثلاث عشرة لوحة تحاكي الحادبين على القرآن، القارئين بآياته وعظاته وعِبره، القائمين على الذكر أطراف الليل وآناء النهار، الرُكع السجود بحضرة شهر الفضيلة والاحسان وموجباته الدينية والأخلاقية بأسمى معانيها الإنسانية. إلى جانب ثلاث لوحات من الحجم الكبير هي لنماذج من سجادات الصلاة، مزينة بداياتها بخطوط منيرة، كدلالة على بداية طريق النور. أيضاً يضم المعرض ثماني لوحات تضم آيات قرآنية مدونة بالخط الإسلامي، تأخذ أشكالاً أسطوانية مضاءة من الداخل، وترتكز على قاعدة معدنية صلبة تسمح بعرض اللوحة منتصبة، ويمكن قراءتها فنياً ومشهدياً من كل الجهات. لا يمكن الإطلالة على معرض «لقاء.. مع النور» للفنانة التشكيلية فاطمة لوتاه، من خلال القراءات النمطية، التي تقوم على استنطاق الرموز ودلالاتها الكامنة باللون والضوء والظل أو الخطوط والفراغ والكتلة فقط، على الرغم من انتظام لوحات المعرض بثيمة فنية واحدة، هي روحانيات الشهر الفضيل، ذلك لأن جميع اللوحات تنطوي على قدر هائل من البساطة اللافتة، المجبولة بالدفء، المطرزة بحميمية مدهشة، تجعلها قريبة من الروح قبل العقل. ما يستدعي قراءة مختلفة، تتجاوز الرؤية البصرية أو المشهدية للوحة إلى ما بعدها، (حسب تعبير الفنان التشكيلي أحمد حيلوز)، أو ما بعد لحظاتها الإشراقية، المحمولة على أجنحة الأفكار التي تتطاير من ملكوت اللوحة، وتسبح بفضاءاتها ومناخاتها الأخاذة، بحيث يبدو اللقاء مع اللوحة أشبه بمغادرة الواقع، وأقرب إلى التحليق والطيران في عوالم غير مألوفة أو معروفة، عوالم جديدة تكتشفها لأول مرة، لأنها تمور وتفور بإشراقات النور، وتفيض بالدهشة والبهجة والمسرات في متواليات طردية ليست محدودة وغير نهائية. ورغم ذلك تبدو وكأنها ليست بعيدة عن المتلقي، وإنما هي قريبة منه، وربما خبرها وعرفها في الماضي، وما اللوحة إلى بمثابة استعادة لذاكرته المفقودة، التي طمستها القباحات أو الشقاء والعذابات، التي تترى على الإنسان بقدر ما تُلح النفس على اكتشاف ذاتها وسبر كينونتها ومصارعة أقدارها في رحلتها الوجودية. أما بخصوص موضعة معرض «لقاء.. مع النور» في مسيرة لوتاه الفنية، فترفض الفنانة تأطير مسيرتها الفنية والإبداعية، أو تحديد سماتها وخصائصها بمراحل معينة، تتمايز فيها كل مرحلة عن الأخرى بنقلة فنية محددة على المستوى الإبداعي. لأنها ابنة اللحظة ـ حسب تعبيرها ـ أي أنها فنانة مهجوسة بحيوية اللحظة المتجددة على الدوام، المتفجرة أبداً، التي لا تعرف السكينة أو الثبات، ولا يقر لها قرار بالمشهدية البصرية، سواء على مستوى المساحة التعبيرية، أو لجهة محاكاة اللون والضوء وامتداداته وطغيانه على الفراغ أو الظل في اللوحة. فهي فنانة لحظوية ـ إن صح التعبير ـ تتناغم مع إشراقات اللحظة وتتماهى مع خصوصياتها حتى حدود التلاشي والغياب. بمعنى أنها تسافر مع اللحظة الفنية حتى أبعد تجلياتها الإبداعية وإنزياحاتها عن الواقع. لأنها -كما تقول- كانت على مدى خمس وعشرين سنة من تجربتها الفنية، ميالة للتأمل والتبحر ومقاربة المناخات الصوفية، ما جعلها لا تعرف القرار أو الثبات فيما بين اللوحة والأخرى. وتقول على سبيل المثال أن لوحات رقص الدراويش في المعرض الاثنتي عشرة هي ابنة دفقة واحدة لم يتجاوز تشخيصها مدة ساعتين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©