الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

سالم الحتاوي.. أن تقول ما تشاء دفعة واحدة ثم تترجل

سالم الحتاوي.. أن تقول ما تشاء دفعة واحدة ثم تترجل
6 يوليو 2014 00:45
جهاد هديب ترجل الكاتب المسرحي الإماراتي سالم الحتاوي عن الخشبة صبيحة العشرين من أبريل العام 2009 عن عمر لم يتجاوز الثامنة والأربعين. كان ذلك حدثاً مباغتاً ومؤلماً لكل مَنْ عرفوه ورافقوه الدرب في مشواره الفني، هو الذي لمعت موهبته في سماء الفن الإماراتي هكذا كومضة تركت وراءها الكثير، ليس في الكتابة المسرحية وحدها بل بوصفه سيناريستا تلفزيونيا وسينمائياً للأفلام الروائية القصيرة. كشف الراحل الحتاوي عن موهبة مبكرة في مسرحيته الأولى التي جرى تقديمها في أيام الشارقة المسرحية العام 1994 والتي حملت العنوان: «أحلام مسعود» عندما فازت بجائزة أفضل نص مسرحي، الأمر الذي دفع به إلى السعي دائما إلى تطوير تقنيات الكتابة المسرحية وتقنياتها والإصغاء إلى خبرات سابقة عليه في هذا المجال وتحديداً صديقيه الكاتبين المسرحيين والممثلين عبدالله صالح ومرعي الحليان اللذين ارتبط بهما بعلاقة فنية وإنسانية وثيقة. كتب سالم الحتاوي مسرحاً ارتبط بعمق بالإشكاليات الراهنة التي يمرّ بها المجتمع الإماراتي، فلم يكن تجريديا، إنما واقعياً تماماً في تناول ذلك «الاغتراب» الناشئ على الصعيد الاجتماعي الذي أصاب الفرد والمجتمع الإماراتيين، مدفوعا بغيرة أصيلة تجاه كل ما يمس «التراث» المحلي الذي سعى لإبرازه ليس على مستوى الأشياء واللوازم وعلاقتها بالحياة اليومية الإماراتية فقط إنما بلغ الأمر حتى على مستوى ضرورة المحافظة على «المفردة» المتداولة التي رأى أن البعض منها مهدد بالانقراض. كانت المفاجأة الحقيقية في أيام الشارقة المسرحية لنسختها في العام 1996، عندما شارك الحتاوي بأربعة أعمال مسرحية دفعة واحدة: «ليلة زفاف»، التي فازت حينها بجائزة أفضل نص مسرحي، و«صمت القبور» و«الملة» و«إنها زجاجة فارغة»، وهو ما لم يكن مسبوقا من قبل. وتبرز من بين أعمال الحتاوي المسرحية: ‹›عرج السواحل›› و››الياثوم›› و››زمزمية›› و››زهرة›› و››كل الناس يدرون›› و››الجنرال›› التي من الممكن القول أنها تتميز بقدر أعلى من تحليل «الشخصية» العربية في سياقها الراهن، ذلك السياق الذي دفع إلى ظهور ما كان يسمى «الربيع العربي» أو هو في مطالعه الأولى السلمية التي كانت الناس فيها تطالب بالعدالة وقبل عسكرة هذا الربيع وسرقته نهارا جهارا. وعالج الحتاوي هذا الأمر على نحو أن ما هو مكتوب في النص الأدبي لهذا العمل المسرحي هو متخيل تماما لكن إمكانية حدوثه واقعياً تبقى أمراً قائماً وغير مستبعدة. وكان ما يريد أن يقوله المؤلف للقارئ عن «الجنرال» أنه ليس بشخص، بل بنية ومؤسسة اجتماعيتين تقومان على القمع بكل تجلياته، ولم تكن هذه المؤسسة والبنية لتمارسا سطوتهما على المجتمع على هذا النحو، إلا لأنهما قد وجدا ثغرات في نسيج المجتمع ذاته، فتسللا منها إلى هذا النسيج وسيطرا عليه، وبحسب النص أيضاً لم تكن هذه الثغرات سوى الخوف. ويبدو «جنرال» سالم الحتاوي شخصية مهزوزة وغير متوازنة وبلا أي سطوة على الإطلاق، بل ومتصدعة أيضاً ومنقسمة على ذاتها بين ماض كان فيه الجنرال جنرالا بحق وبين حاضر لا يستطيع فيه أن يوقف زوجته عن ما يعتقد بأنه شائن ومهين لماضيه ويستخف به في الحاضر ويتركه بلا هيبة. إنها صورة الجنرال على غير ما هو معهود عنها، إنها الجنرال في شيخوخته. لقد حطّم الحتاوي أيَّ صورة مسبقة عنه، لكن دون أن يجعل قارئ نصه قادراً على التعاطف مع هذه الشخصية التي تبدو عُصابية أيضاً ومحكومة لأهوائها المكبوتة التي لا تجد متَنَفّسا لها بسبب حالة عنّة يكتشف المرء أمرها لاحقا كلما تقدم في القراءة. وتبدو شخصية الجنرال أحيانا مجازية تماما، ربما بسبب تلك الأحلام الكابوسية التي يراها الجنرال وتكون زوجته حاضرة فيها بقوة في مقابل انكساره وهزيمته الطبيعية إذ لا يلتقي الربيع بالخريف أبدا كما يقول المؤلف على لسانها. ربما يكون هذا العمل أحد أبرز أعمال الكاتب المسرحي الراحل سالم الحتاوي إن لم يكن أبرزها على الإطلاق.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©