السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأزمة الأوكرانية.. جولة بوتين الثانية

5 يوليو 2014 23:39
ليونيد بيرشديسكي كاتب مقيم في روسيا وافق الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» بصورة رسمية على ترك أوكرانيا وشأنها. ولكن هذا لا يعني أنه سيصرف عنها النظر بشكل كامل. وقد طلب بوتين مؤخراً من البرلمان الروسي إلغاء التفويض المخول له بإرسال قوات إلى أوكرانيا، وهو التفويض الذي طلبه في الأول من شهر مارس الماضي. وقد أدى هذا التفويض إلى ضم شبه جزيرة القرم وحدوث حالة من البرود بل الاحتقان في العلاقات بين روسيا والغرب. كما كانت لذلك أيضاً عواقب اقتصادية، حيث أحدث تراجعاً في قيمة الروبل الروسي، وهبوط الأسهم الروسية وتقييد دخول روسيا إلى أسواق المال العالمية. كما أحدثت عزلة روسيا فراغاً في أسواق السندات العالمية يقدر بنحو 20 مليار دولار، وهو الفراغ الذي شغلته شركات مصدرة للسندات من دول أخرى. وهذه الخطوة التي اتخذها بوتين مؤخرا، والتي تعد بمثابة وعد بالامتناع عن التدخل العسكري، أدت إلى ارتفاع قيمة الأسهم والسندات الروسية. فهل من العدل أن نفترض إذن أن التهديد بفرض عقوبات واسعة النطاق ضد الشركات الروسية قد أحدث أثراً؟ وأن بوتين أصابه الذعر وتخلى عن خططه العدوانية؟ هذا بالتأكيد ما سيدعيه الآن القادة السياسيون في الدول الغربية، ومن بينهم الرئيس الأميركي أوباما (بقدر ما يقولون أقل ما يمكن عن شبه جزيرة القرم التي أخفقوا في منع روسيا من الاحتفاظ بها). وسيكون ذلك صحيحاً إلى حد ما، أيضاً، فكل من بوتين وشركاء روسيا التجاريون في الدول الغربية أشاروا إلى رغبتهم في العودة إلى العمل معاً كالمعتاد، ونسيان مسألة ضم القرم. وعلى رغم ذلك، فهناك الكثير مما يقال عن نزعة بوتين السلمية، التي تأتي بعد أيام من حشد قوات روسية جديدة على الحدود الأوكرانية. ويبدو أن الأمر جاء استجابة للتغير الكبير في موقف الحكومة الأوكرانية من المفاوضات بشأن النزاع المسلح في شرق أوكرانيا. وفي يوم الاثنين الماضي وبعد أشهر من التصريحات من قبل المسؤولين في «كييف» بأن الحكومة لن تتفاوض مع «إرهابيين»، بدأت أخيراً المباحثات في «دونيتسك». وقد شارك في هذه المباحثات عدد ملائم به من الشخصيات المعنية. فعلى أحد جانبي طاولة المفاوضات، الذي يمثل الانفصاليين الموالين لروسيا، جلس «ألكسندر بوروداي» وهو مستشار سياسي في موسكو، ويدعو نفسه برئيس وزراء ما يسمى بجمهورية دونيتسك الشعبية المعلنة من طرف واحد. كما يجلس بجانبه «أوليج تساريوف»، أحد رجال السياسة الموالين لروسيا، مع العديد من القادة المحليين غير المعروفين. وعلى الجانب الآخر، يجلس ممثلو الحكومة الأوكرانية وبينهم السفير الروسي في أوكرانيا «ميخائيل زورابوف»، واثنان من رجال السياسة البارزين في كييف وهما الرئيس السابق «ليونيد كوتشما»، ورئيس أركانه السابق «فيكتور ميدفيدتشوك»، الذي يقال إنه من المقربين لبوتين. ومن بين الحضور كانت هناك أيضاً الدبلوماسية السويسرية «هايدي تاجليافيني»، ممثلة عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي حضرت المفاوضات لتضفي على الاجتماع جواً من التهدئة والتطلع لتحقيق السلام. أما الرئيس الأوكراني الحالي «بيترو بوروشينكو» فقد بدت عليه نزعة بوتينية في تناوله البيزنطي للمحادثات. كما أن مبعوثه، «كوتشما» لا يشغل أي منصب رسمي، وكذلك «ميدفيدتشوك» الذي التقى «بوروشينكو» قبل بدء المحادثات. ومن الناحية الرسمية، لا تتحدث «كييف» مع الانفصاليين الموالين لروسيا، وموسكو لا تدعمهم. ولكن هناك أملاً في إحراز تقدم. فقد قبل الانفصاليون عرض «بوروشينكو» بوقف إطلاق النار إلى أجل محدد، الأمر الذي رفضوه من قبل واعتبروه حيلة. وبعد مشاورات غير رسمية -حيث إن كلمة «مفاوضات» لم يتلفظ بها ممثلو كييف- اتصل بوتين بأوباما. وفيما بعد، استعاد طلبه من البرلمان السماح له بالتصرف تجاه أوكرانيا. وربما لا يعني هذا أن أوكرانيا بإمكانها أن تتنفس الآن الصعداء. فقد كتب الكاتب الأوكراني «فيتالي بورتينكوف» على موقع «نيوز روسيا» الإلكتروني أن «بوتين ليست لديه النية لوقف زعزعة استقرار الأوضاع في بلادنا. إن بوتين يريد فقط أن يصدق أوباما نواياه. فهو ما زال مقتنعاً بأن أداتين فقط تنجحان في السياسة العالمية: الخداع والمساومة». ونظراً لبرلمانه الذي يوافقه دائماً، فإن بوتين بإمكانه الحصول على إذن لإرسال قوات مرة أخرى إلى أوكرانيا في أي وقت يشاء. وعلاوة على ذلك، فإذا ما كان بوتين يهدف إلى أن يظل «بوروشينكو» مرتبكاً، فإن الغزو ليس ضرورياً في حد ذاته. فقد نجحت روسيا بالفعل في إطالة أمد الصراع، وتسليح المتمردين، وسمحت للمواطنين الروس بالقتال إلى جانب الانفصاليين. وثمة كثير من «الخداع». أما فيما يتعلق بـ«المساومة»، فقد بدأت الآن في «دونيتسك»، حيث يبحث الأوكرانيون من كلا المعسكرين عن حل وسط. كما أن علاقات «ميدفيدتشوك» مع كل من «بوتين» و«بوروشينكو» -إلى جانب الدعم الممكن من طرف واحد من أكبر أثرياء أوكرانيا وهو «رينات أخميتوف»- تشير إلى أن التوصل لقرار مع المتمردين المسلحين قد بدأ يلوح في الأفق. وقد كانت لهؤلاء المتمردين فائدة بالنسبة لبوتين، ولكن لا يمكن الاعتماد عليهم على المدى الطويل. فالكرملين يفضل العمل مع الشخصيات المألوفة من السياسيين ورجال الأعمال الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا، وذلك للتأكد من أن أوكرانيا لن ينتهي بها المطاف بالانضمام إلى الكتلة الغربية. وفي الواقع، فإن بوتين على استعداد الآن للبدء في مرحلة هادئة من عمليته في أوكرانيا. أما الغربيون فسيذعنون للعبته -ولكن فقط بعد الادعاء أن عقوباتهم كانت ناجحة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©